مطلع تموز (يوليو) الجاري بدأت المملكة بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على وارداتها من الدول التي تفرض قيودا على صادرات المملكة إليها لا تتوافق مع نصوص وأحكام الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية، ما يؤدي إلى عرقلة نفاذ صادرات المملكة إلى أسواق هذه الدول. وتهدف المملكة من خلال تنفيذ هذا المبدأ إلى الحفاظ على مصالحها التجارية ومكتسباتها، وتقليل الأثر السلبي في ميزان التبادل التجاري مع الدول، إضافة إلى تعزيز التنافسية العادلة للصادرات السعودية لتمكينها من النفاذ في الأسواق العالمية.
وهذا يتماشى مع المبادئ الأربعة الأساسية التي أطلقتها منظمة التجارة العالمية والتزمت بها جميع الدول الأعضاء ابتداء من كانون الثاني (يناير) 1995 على النحو التالي:
1) مبدأ المعاملة الوطنية، الذي يمنح المنتجات والخدمات الأجنبية حق المساواة في النفاذ للأسواق مع مثيلاتها الوطنية.
2) مبدأ حق الدولة الأولى بالرعاية، الذي يمنح جميع الدول حق المساواة في الاستفادة من التزامات انضمام الدول إلى المنظمة دون تمييز بين دولة وأخرى.
3) مبدأ الشفافية والاستشراف، الذي يمنح جميع المتعاملين والمستثمرين الحق في الاطلاع وإبداء الرأي على الأنظمة الوطنية قبل إصدارها أو تحديثها.
4) مبدأ التفاوض المستمر، الذي يمنح جميع الدول الحق في مواصلة التفاوض لتعزيز النفاذ للأسواق وإزالة العوائق أمام انسياب التجارة.
وتحقيقا لهذه المبادئ وافقت الدول على تطبيق 28 اتفاقية متعددة الأطراف تحت مبدأ الالتزام الموحد ودون تمييز، حيث لا يمكن لأي دولة تطبيق ما يناسبها من هذه الاتفاقيات ورفض تطبيق ما لا يناسبها. وعليه، فإن جميع الدول ملزمة بإصدار أنظمتها وقوانينها المتسقة مع هذه الاتفاقيات ورفعها للمنظمة لاعتمادها، وبالتالي فإن تجاوز أنظمة أي دولة اتفاقيات المنظمة أو الإخلال بأحكامها يعرّض هذه الدولة لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل من قبل الدول الأخرى.
لذا يعرف مبدأ المعاملة بالمثل في القانون الدولي، على أنه مجموعة من الإجراءات القسرية العادلة، التي تتخذها الدولة المتضررة نتيجة إخلال دولة أخرى باتفاقاتها، لإجبار هذه الدولة على تعديل هذا الخلل واحترام الاتفاقات الدولية التي التزمت بها. ونظرا لأن المادة 33 من الميثاق المعياري للعلاقات الدولية تكرس مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول على أساس المساواة في السيادة، فإنها تمنح المملكة الحق السيادي في اتخاذ الخطوات المشروعة تجاه الدول المخلة باتفاقاتها الدولية متعددة الأطراف. وهذا يوفر للمملكة فرصة تطبيق الوسائل القسرية باستخدام مبدأ المعاملة بالمثل لتعديل الخلل الناشئ في أنظمة الدول التي تستفيد من تصدير منتجاتها للمملكة وتعرقل نفاذ صادرات المملكة لأسواقها. لذا تعد المادة 33 من الميثاق عاملا أساسيا في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
وحيث إن جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التزمت بالنظام التجاري العالمي، فإن للدول المتضررة من المخالفات التجارية حق فرض مبدأ المعاملة بالمثل لمواجهة الأساليب غير المسوغة التي يتبعها بعض الدول. ويتم تطبيق هذه الأحكام من خلال زيادة الرسوم الجمركية، أو فرض الحصص الكمية على الواردات من المنتج المعني، أو استخدام الحصص التعريفية، أو اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتأمين نفاذ صادراتها بتنافسية عادلة.
ومن أفضل الأمثلة على تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول صدور قرار الهيئة العامة للجمارك السعودية في الأسبوع الماضي، والخاص بتطبيق هذا المبدأ على واردات المملكة من الدول التي تطبق شرط موافقة الوكيل أو الموزع المقيد في سجل الوكالات التجارية في وزارة التجارة لديها. وهذا الشرط يعد أحد المتطلبات الأساسية لاستيراد السيارات بكميات تجارية من الدول التي لا تسمح بدخول السيارات المعاد تصديرها من المملكة إلا بموافقة الجهة المختصة أو الوكيل المحلي فيها. لذا، فإن الهيئة ستطبق مبدأ المعاملة بالمثل على واردات هذه الدول من السيارات من خلال التواصل مع الوكيل أو الموزع المقيد في سجل الوكالات التجارية في المملكة لأخذ الموافقة على هذه الواردات وتعبئة النموذج الموحد الخاص بذلك والمتاح لدى جميع الوكلاء والموزعين المعتمدين.
والمثل الآخر هو تهديد الكويت، في الأسبوع الماضي، بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على رعايا دول الاتحاد الأوروبي مقابل عدم سماح دول الاتحاد لرعايا الكويت بدخول هذه الدول بسبب جائحة كورونا. وكان الاتحاد الأوروبي قد أصدر قائمة من 14 دولة، سيسمح لمواطنيها بدخول دول الاتحاد ابتداء من الأول من تموز (يوليو) الجاري، وليس من ضمنها دولة الكويت أو أي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
والمثل الأخير لمبدأ المعاملة بالمثل الأكثر تعقيدا صدر في أمريكا نهاية العام الماضي ردا على الممارسات التجارية والسياسات غير العادلة التي تمارسها الصادرات الصينية. ومن خلال هذا المبدأ اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات قوية لحماية شركاتها، وإعادة التوازن بين العلاقات التجارية الأمريكية والصينية لتعزيز التنافسية وتحطيم الحواجز غير العادلة أمام التجارة والاستثمار. وقامت أمريكا بفرض رسوم جمركية على ما لا يقل عن 200 مليار دولار من الواردات الصينية ضمن أربع فئات عريضة، وهي: السلع المصنعة، والزراعة، والطاقة، والخدمات. واتخذت أمريكا هذه الخطوة لإرغام الصين على عدم ممارسة السياسات المشوهة للتجارة، مثل إجبار الشركات الأمريكية على النقل القسري للتقنية كشرط لمزاولة الأعمال التجارية في الصين، والتوقف عن التلاعب بأسعار صرف العملة الصينية لإغراق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية.
وفي كانون الثاني (يناير) 2020، وافقت الصين على التخلي عن هذه السياسات المشوهة للتجارة ووقعت مع أمريكا على المرحلة الأولى من اتفاقية تجارية، تفرض إجراء إصلاحات هيكلية وتغييرات أخرى في النظام الاقتصادي والتجاري الصيني، لمعالجة الحواجز الهيكلية أمام التجارة وجعل الالتزامات قابلة للتطبيق بشكل كامل، مع موافقة الصين على زيادة وارداتها من السلع والخدمات الأمريكية.
قرار المملكة بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على الدول التي تفرض قيودا وشروطا تعسفية لعرقلة نفاذ صادراتنا في أسواقها هو، طبقا للقانون الدولي، أداة قانونية لتحقيق العدالة القسرية في التجارة العالمية.
نقلا عن الاقتصادية