البيانات ثروة وطنية لا يستهان بها. من خلالها يمكن دراسة الوضع الحالي، وبناء التنبؤات المستقبلية، ومعالجة مواضع الخلل والانحرافات لتدارك المخاطر قبل وقوعها. وعلاقة البيانات بالأعمال علاقة وطيدة، فهي المحفز في مجالات الأعمال لاقتناص الفرص، وزيادة معدلات الإنتاج وتسريع عجلة الاقتصاد. لا يوجد أحد على وجه الأرض لا يؤمن بأهمية البيانات، لذلك يقال "البيانات هي النفط الجديد"، وهي المدخلات لنظم المعلومات التي يبنى عليها القرار. لن أسهب في أهمية البيانات أكثر، كونها أمرا حتميا في هذا العصر. ومن المحمود الاستثمار في البيانات وتجميعها وتبويبها وتهيئتها للباحثين وصانعي القرار من أجل المساعدة على بناء قرارات استراتيجية وفق نماذج محوكمة تضمن كفاءة القرار وفاعليته. في هذا المقال، سأتطرق إلى مسح المنشآت الصغيرة والمتوسطة، الذي أعدته الهيئة العامة للإحصاء، عن 2018، الذي بدأ منذ 2016، على أن يصبح بشكل سنوي، إلا أن البيانات غير متوافرة أبعد من 2018، ونأمل أن تتمكن الهيئة من متابعة عملها على الجوانب الإحصائية كافة، لأهميتها في صنع القرار، ودراسة الوضع واقتراح أساليب التحسين ومعالجة الانحرافات.
في مسح المنشآت الصغيرة والمتوسطة Small and medium-sized enterprises، المعروفة اختصارا SMEs، جاء تصنيفها وفق هيئة المنشآت إلى منشآت متناهية الصغر Micro يعمل فيها من واحد إلى خمسة أو بمبيعات لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، ومنشآت صغيرة Small يعمل فيها من ستة إلى 49 أو مبيعات أكثر من ثلاثة ملايين وأقل من 50 مليونا، ومنشآت متوسطة Medium تضم عمالة من 50 إلى 249 أو مبيعات من 50 مليونا وأقل من 200 مليون. المسح لم يذكر عدد المنشآت الكلي، لكنه أجري على عينة تتكون من 15 ألف منشأة لدراسة وضع تلك المنشآت. وفي تعداد المنشآت، تذكر التقارير أن عدد المنشآت العاملة في المملكة يتجاوز 919 ألف منشأة، 48 في المائة منها تعمل في قطاع تجارة الجملة والتجزئة. ويشكل أيضا حجم المنشآت متناهية الصغر التي يعمل فيها من 1 إلى 5 موظفين 821 ألف منشأة "89 في المائة من المنشآت المصنفة ضمن SMEs تقع في النطاق الأقل من حيث عدد العاملين للمنشأة".
يعمل في المنشآت متناهية الصغر ما يزيد على 933 ألف موظف "8 في المائة سعوديون"، ويعمل في المنشآت الصغيرة ما يقارب 2.5 مليون موظف "16 في المائة سعوديون"، فيما يعمل في المنشآت المتوسطة ما يقارب 1.8 مليون موظف "20 في المائة سعوديون"، ويكون حجم تشغيل المنشآت الصغيرة والمتوسطة للعاملين يعادل 60 في المائة من قوة العمل في القطاع الخاص. تبلغ إيرادات التشغيل لهذا القطاع وفقا للمسح، نحو 1.7 مليار ريال، وحجم الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه بلغ نحو 682.5 مليار ريال، وهنا يتضح أن مساهمة هذا القطاع تعد بسيطة رغم أهميتها للاقتصاد وللتوظيف.
تضمن المسح استطلاعا عن المعوقات التي تواجه المنشآت، التي جاءت بالنسبة إلى المنشآت متناهية الصغر، متضمنة أسعار الكهرباء، وتوافر الأيدي العاملة، وأنظمة وقوانين العمل، والإجراءات الحكومية والبيروقراطية. وفي المنشآت الصغيرة، جاء توافر الأيدي العاملة، وأنظمة وقوانين العمل، والإجراءات الحكومية والبيروقراطية، وتوافر الموقع المناسب. وفي المنشآت المتوسطة، جاءت المعوقات في توافر الأيدي العاملة، وأنظمة وقوانين العمل، وأسعار الطاقة، والإجراءات الحكومية والبيروقراطية.
ورغم حجم العمالة الوافدة التي تشكل 60 في المائة من طاقة العمل في هذا القطاع، إلا أن أبرز إشكالات هذا القطاع يتمثل في توافر الأيدي العاملة وسهولة توظيفها واستمرارها. إضافة إلى حاجة هذا القطاع إلى آليات حوكمة تضمن الشفافية والكفاءة، ووجود سياسات عامة ثابتة أو قليلة التغيير حتى تتوافر البيئة المناسبة لإنجاح هذا القطاع.
عموما، المسح وفر بيانات جيدة، لكن ينقصه مزيد من التحسينات والاستمرارية في توفير هذه البيانات بشكل سنوي ودوري حتى يتسنى لصانع القرار اتخاذ قرارات مناسبة لهذا القطاع.
نقلا عن الاقتصادية