كورونا حلقة في سلسلة الأوبئة الفيروسية

21/06/2020 2
د.عبد الفتاح صلاح

القارئ الكريم لا أدعي أني خبير بالأوبئة والأدوية، ولكني كباحث اقتصادي أجتهد لكي أضع بين يديك المعلومات الحقيقية عن كورونا من مصادرها الموثقة إيماناً مني بأن المعرفة بالحقائق والتفاصيل تزيل الرعب والهلع من النفوس فتطمئن وتصل إلى طرق الوقاية والعلاج الصحيحة والمحددة والمعلنة للكافة من الجهات الرسمية1، حفظنا الله جميعاً من كل سوء ومكروه.

عرض للأوبئة الفيروسية التي حدثت خلال القرن الحالي

منذ بداية القرن الحالي انتشرت العديد من الأوبئة الفيروسية وكان أبرزها أنواع جديدة من فيروسات الأنفلونزا الموسمية ففي 2002 كان " السارس SARS-CoV " متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم، وفي 2003 " أنفلونزا الطيور "، وفي 2005 " أنفلونزا الخنازير " التي جاءت على موجات كان أعنفها في 2009، وفي 2012 " الميرس MERS-CoV " متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الذي يعتبر بداية الظهور الفعلي لفيروس كورونا (nCoV) وهو سلالة جديدة لم يسبق تحديدها لدى البشر من قبل حيث كانت تصيب الأبل وحيدة السنام، وهو ما دعى منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2012 إلى إصدار تحذير عالمي عن ظهور نوع جديد من فيروسات كورونا في كل من المملكة العربية السعودية وقطر، وفي الفترة من 2013 - 2015 ضرب " فيروس إيبولا EBOV " غرب أفريقيا، وفي 2015 تفشى فيروس زيكا في أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.

كورونا المستجد كوفيد-19

ثم يأتي فيروس كورونا ليصبح حلقة إضافية في سلسلة الأوبئة الفيروسية ولن يكون آخرها، ففي نهاية ديسمبر 2019، تم الإبلاغ عن أول حالة مشتبه بها لمنظمة الصحة العالمية، بوصفها فيروس كورونا المستجد، الذي صار يعرف باسم " 2019-nCoVid ". وبدأ تفشي المرض من سوق الجملة للمأكولات البحرية والذي يبيع الحيوانات البرية الحية والخفافيش والحشرات أيضاً في مدينة ووهان الصينية. ثم انتقل منها إلى بقية دول العالم وبشكل متسارع، وكورونا سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية " ميرس " والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة " سارس ".

وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لكوفيد-19 في الحمى والسعال الجاف والتعب، وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو ألم الحلق، أو الإسهال. وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ تدريجياً. ويصاب بعض الناس بالعدوى ولكن لا تظهر عليهم سوى أعراض خفيفة جداً. ويتعافى نحو 80% منهم دون الحاجة إلى علاج في المستشفى، وأن 20% يحتاجون لدخول المستشفى، منهم 5% تصبح حالتهم حرجة، وأن 1-2% يموتون، وترتفع مخاطر الإصابة بمضاعفات وخيمة بين كبار السن، والأشخاص الذين يعانون مشاكل طبية أصلاً، مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب والرئتين، أو داء السكري، أو السرطان.

الحماية ومنع انتشار كورونا المستجد

طرق الحماية ومنع الانتشار التي حددتها منظمة الصحة العالمية للأمراض التي تتحول إلى أوبئة وجوائح لها تأثيرات خطيرة على صحة الإنسان وحياته تكاد تكون واحدة مع الزيادة أو الخفض في بعض الإجراءات لتناسب نوع الوباء أو الجائحة، وهي في مجملها لا تخرج عن كونها مجرد إرشادات صحية عامة تتلخص في:

- المواظبة على تنظيف اليدين جيداً بفركهما بمطهر كحولي أو بغسلهما بالماء والصابون.

- تجنب الأماكن المزدحمة بالناس لمنع تزايد احتمالات مخالطة أشخاص مصابين.

- تجنب لمس العينين والأنف والفم باليدين لأنها منافذ لدخول الفيروس إلى الجسم.

- تغطية الفم عند السعال بثني المرفق أو بمنديل ورقي والتخلص منه وغسل اليدين بعد ذلك.

- اعزل نفسك 14يوماً في حالة مخالطتك أحد المصابين بكوفيد-19 حتى لو كنت بصحة جيدة.

- إذا ظهرت لديك صعوبة في التنفس فاستشر طبيبك على الفور، واتصل هاتفياً أولاً إن أمكن.

- حافظ على إيجابيك وحيويتك وتواصل مع أحبتك بالهاتف ومارس بعض التمارين الرياضية.

السؤال الأهم هل هناك لقاح أو علاج لمرض كورونا " كوفيد-19 "؟

منظمة الصحة العالمية أعلنت من قبل بأنه لا يوجد حتى الآن لقاح أو علاج مرخّص ومجرّب للأنفلونزا أو السارس أو الميرس أو الإيبولا أو الزيكا، ووضحت أن العمل جار من أجل استحداث لقاحات للفيروسات المسببة لهذه الأمراض، وأن المنظمة تتابع اللقاحات المرشحة والتي ما زالت قيد البحث والتطوير. ومنظمة الصحة العالمية تعلن اليوم أيضاً بأنه لا يوجد لقاح أو دواء محدد مضاد للفيروسات للوقاية من كوفيد-19 أو علاجه. غير أن الأشخاص المصابين بمرض وخيم قد يحتاجون إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج المنقذ للحياة من مضاعفات المرض. ويتعافى معظم المرضى بفضل الرعاية الداعمة. ويجري حالياً تحري اللقاحات المحتملة وبعض الأدوية المحددة لعلاج هذا المرض، حيث يجري اختبارها عن طريق التجارب السريرية. وتتولى منظمة الصحة العالمية تنسيق الجهود الرامية إلى تطوير اللقاحات والأدوية للوقاية من مرض كوفيد-19 وعلاجه.

ليس هذا فحسب فمنظمة الصحة العالمية ومن خلال مديرها التنفيذي لبرنامج الطوارئ بالمنظمة " مايك رايان " حذرت من مغبة التكهن بوقت اختفاء الفيروس وأنه قد يصبح كورونا فيروساً متوطناً في مجتمعاتنا، " وقد لا يختفي قط "، وأضاف: " أن فيروس إتش اي في المسبب للإيدز لم ينته وجوده، ولكننا تعايشنا معه "، وأضاف: " هناك اعتقاد في حل سحري، وفي أن الإغلاق سينجح تماماً وأن فتح الاقتصاد سينجح تماماً. والأمران تحفهما المخاطر ".

بين التهوين والتهويل ونظرية المؤامرة والحقائق

البعض يهون من شأن كورونا ويتعامل مع حقيقة وجود المرض باستخفاف ولا مبالاة وكأن لديه حصانة من المرض فلن يصيبه، والبعض الآخر يهول في هيستيريا من شأن كورونا وكأن فيه فناء العالم ولا محالة، والذين يهونون لديهم قناعة بأنه مؤامرة مما يعرف بمافيا شركات الدواء العالمية وخاصة أن لديهم ثلاثة تجارب سابقة مع أوبئة تم التحذير منها بنفس الطريقة وهي " السارس " و " أنفلونزا الطيور " و " أنفلونزا الخنازير " ثم أوضحت الحقائق فيما بعد أن المحصلة النهائية للوفيات حول العالم لم تتجاوز 800 حالة في السارس ،400 حالة في أنفلونزا الطيور، 15300 حالة في أنفلونزا الخنازير، وأن شركات الأدوية حصلت على مليارات الدولارات نتيجة بيعها للدواء، وأن الدول أصيبت بآثار اقتصادية مدمرة، والذين يهولون لديهم قناعة ناتجة عن وقوعهم تحت تأثير ما تبثه وسائل الإعلام من تحذير.

وبالعودة للحقائق الموثقة من منظمة الصحة العالمية عن كورونا المستجد كوفيد-19 من حيث الأعراض وطرق الحماية ومنع الانتشار وعدم وجود لقاح أو علاج وأنه على البشرية أن تتعايش مع الفيروس، نجد غياب الواقعية في التحذير الإعلامي المكثف لعدة شهور فلا مصارحة للناس بشفافية أن أعراض كورونا تتشابه إلى حد كبير مع أعراض الأنفلونزا والسارس، وأن الكمامات وحدها غير كافية للتغلب على تفشي الوباء لأن معظمها غير مخصص للفيروسات، وأن جهاز المناعة السليم قادر على القضاء على المرض، وأن الخطورة الحقيقية لكورونا تكمن في سرعة الانتشار، وبالتالي سيعجز القطاع الطبي في أي دولة على استيعاب نسبة 5% التي تحتاج إلى عناية طبية خاصة، وهكذا بدلاً من أن يكون الهدف من التحذير التوعية وأخذ الاحتياطات الصحية دون تهوين أو تهويل، جاء التحذير مبالغاً فيه فأدى إلى نشر الخوف والرعب في النفوس وهو ما يضعف جهاز المناعة، ونجد أيضاً عدم الواقعية أو التوازن بين الحقائق المعلنة عن فيروس كورونا وبين الإجراءات المفروضة على الأرض وغير المسبوقة في التاريخ القديم أو الحديث والتي توافقت كل دول العالم على تطبيقها في ذات الوقت وعاشها الناس جميعاً واقعاً حقيقياً وليس قراءة في كتب أو سماعاً في مذياع أو مشاهدة في تلفاز، حيث أغلقت جميع دول العالم منافذها في وجه قاصديها، وأُوقفت حركة الطيران ومعظم وسائل المواصلات لمنع تنقل الأفراد حتى داخل الدولة الواحدة، وحُظرت التجمعات، وعُلق العمل بالمصالح الحكومية والمراكز التجارية، وأُغلقت المدارس والنوادي والمسارح والحدائق العامة، وأصبح الموظفين يؤدون أعمالهم من بيوتهم، وأُغلق المسجد الحرام والمسجد النبوي وتم إيقاف العمرة والحج، ومُنعت الصلوات في المساجد والكنائس، وتم مطالبة الناس بالتباعد الاجتماعي، وهكذا تحولت الإجراءات الاحترازية قرارات حبس للناس جميعاً صحيحهم ومريضهم بإبقائهم داخل بيوتهم.

نظرة إيمانية لكورونا المستجد كوفيد-19

يا إنسان يا من تتذكر أنك سميت إنساناً لنسيانك، وتنسى ولا تتذكر أنه حين يزيد إيمانك وترتقي أخلاقك يحدث في نفسك الأنس بالله، وتكون تسميتك بالإنسان منشأها الأنس بالله الواحد الحافظ الشافي سبحانه وتعالى، وهذه هي الإنسانية الحقة في أسمى معانيها، والإنسان بين نسيانه وأنسه بالله يسهل على من لا أخلاق لهم من بني الإنسان سلب حريته أو انتهاك كرامته أو نهب ماله بشتى الطرق والوسائل والحيل.

فيا إنسان أنت تخاف وتفزع عندما تتذكر ما قيل عن وجود مرض خطير وجائحة اسمها كورونا قد يقضى على ملايين البشر، وتنسى في غمرة ذلك قوله تعالى: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "2، وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى ولا طيره "3، والأهم من ذلك نسيانك وعدم تذكرك لعلاج أمراض قلبك وهي أخطر عليك من أي مرض لأنها توردك المهالك في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون.

يا إنسان لقد نسيت ولم تتذكر أنه كما للأمراض أسباب حسية كالميكروبات والفيروسات التي يجب الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج منها، فإن لها أسباب غير حسية تتعلق بالمعاصي والذنوب والبعد عن منهج الله ونحن مأمورين بعلاجها أيضاً والعودة إلى الطريق الصحيح، ألم تسمع قوله تعالى: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ "4، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم "5. فالأمراض والأوبة نوع من العقوبة المخففة من الرحمن الرحيم فهو يصيبك ببعض ما عملت بغرض تذكيرك وإفاقتك من نسيانك لترجع إليه بالتوبة والإنابة، وعليك تذكر الأخذ بالأسباب المادية والحسية معاً للوقاية والعلاج على أن يسبق كل ذلك عدم نسيان قدرة مسبب الأسباب.

فيا إنسان يا من تعرف أنك سميت إنساناً لأنسك بالله، هنيئاً لك راحة بالك وطمئنينة قلبك لأنك في معية الله وحفظه في كل وقت وهذا يزيد من مناعة جسمك للأمراض، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الراحة ومشاعر السرور والإطمئنان تؤدي إلى حدوث تفاعلات مناعية قوية في الجسم، وأن الصلاة والصيام يقويان جهاز المناعة عند الإنسان، ليس هذا فحسب بل إن الإنسان المسلم الآنس بالله حين يتوضأ خمس مرات في اليوم للصلاة يكون سابقاً لمنظمة الصحة العالمية في اتباع وسائل الوقاية ومنع انتشار الكورونا، وحاصلاً على أجر الوضوء والصلاة في الآخرة فهو يحمي نفسه ويحصل على الثواب من الله الشكور الكريم.

فيا إنسان يا من تأنس بالله عليك مسئولية تذكير أخوك الإنسان الذي نسى وسط مشاغل الحياة أوامر ونواهي الله بأن يرجع إلى الله حتى تطمئن نفسه فلا يفزع فلا ملجأ من الله إلا إليه. حفظنا الله وإياكم والناس جميعاً من الأمراض والأوبئة.

 
 
خاص_الفابيتا