لماذا يحبون الحوادث؟! (١-٢)

15/06/2020 1
عبدالله الجعيثن

منذ ثمانين عاماً قرر ناشر بريطاني أن يصدر جريدة لا تنشر إلا الأخبار السعيدة، وظن أنه عثر على فكرة هائلة وفرصة العمر في تحقيق الثراء والانتشار، فقد خيِّل إلى حضرته أن الناس انزعجوا من أخبار الشر والحوادث والجرائم والكوارث وآن لهم أن يستريحوا منها وأن يظفروا بجريدة فريدة لا تنشر إلا الأفراح وأخبار الليالي الملاح وكل ما يشيع التفاؤل والانشراح!

ولكن هذا الناشر النبيل في فكرته اضطر لإغلاق جريدته بالضبة والمفتاح بعد شهور قليلة لأنها أفلست وأفلست به معها!

وسبق أن كتبت في «الرياض» بتاريخ ٢٦/٧/١٤٠٥هـ مقالاً بعنوان (صفحة الحوادث) ذكرت فيه أنني سافرت إلى القاهرة وحيداً وكنت أجد صحف الصباح تحت باب غرفتي في الفندق، وفيها (صفحة الحوادث) وكنت أتجنب قراءتها ثم صرت اتصفحها بسرعة ثم صرت أبدأ بها حتى أدمنت على قراءتها والعياذ بالله رغم ما تبعثه فيّ من خوف لوجود جرائم بشعة لأتفه الأسباب وحوادث خطيرة تطب فجأة فسألت نفسي: لماذا أقرأ هذه المصائب والكوارث؟! ولماذا أزعج نفسي وأقلق راحتي؟ أهو الفضول وحب الإثارة؟ أم هو الشعور بالأمان أن تلك الكوارث لم تصبني؟ أو هو الرغبة في إزاحة الستارة عن النفس البشرية بكل جوانبها؟ وتذكرت كيف يتزاحم الناس عندنا عندما يقع حادث سيارة وكلما كان الحادث فظيعاً زاد الزحام مع أنني بحمد الله لم أقف عند حادث قط، ولا تزال ترن في أذني مقولة الفاروق لهؤلاء: (لا مرحباً بهذه الوجوه التي لا ترى إلاًّ في الشر)، وامتدّ التساؤل إلى قراءة القصص الحزينة ومشاهدة أفلام ومسرحيات البؤس أو الرعب وهواتها كثيرون فما هو السر؟ إن الإثارة هنا تصوير لا تفسير فالضجيج الشديد مثير لكن الكل يهرب منه.. ومع ذلك يكثر هؤلاء ويسدون المنافذ حتى على الإسعاف، ولحظات الإعدام في الصفاة وغيرها يحتشد الناس لرؤيتها مع أنها مرعبة، وأخبار التلفزيون - خاصة هذه الأيام مع ما يسمى الربيع العربي - تمزق القلب لكن مشاهديها في ازدياد فما السر؟!

وردت وقتها الدكتورة (لمياء باعشن) في «الرياض» رداً طويلاً جميلاً مما قالت فيه (ان عنصر الندرة هنا هو الذي يشد الناس إلى مشاهدة الكوارث وتأثيرها على الانسان) (ولأن الحزن مسألة خاصة فالدموع لا نذرفها إلا في خلوة أما الضحكة فمشتركة نطلقها بلا حذر ولو عبرنا عن أحزاننا بنفس البساطة لما استغربنا الدموع واعتبرناها عادية كالضحكات) (وحضور لحظات الإعدام يحس الحاضر بالخلاص من العدو وإزهاق الباطل، وفي القرن الثامن عشر نصب الفرنسيون المقاصل وكان الناس يهللون كلما تدحرج رأس ومن بينهم نساء يغزلن الصوف بلا مبالاة ورجال يلتهمون الطعام والرؤوس تسقط وتُهشَّم بالفؤوس ما قولك بهذه الوحشية؟.. إنها المتعة في القضاء على الفساد..). (يتبع)

 

نقلا عن الرياض