حيرة أمريكا النفطية

15/04/2020 3
فواز حمد الفواز

المشهد النفطي في أمريكا ممتع ومعقد للمتابع الاقتصادي على أكثر من صعيد. فسرعان ما انتقلت الإدارة على الأقل على لسان الرئيس وأحيانا الكونجرس من نقد الـ"أوبك" وحتى التلويح بمقاضاة قانونية بسبب ارتفاع الأسعار إلى استجداء الـ"أوبك" وأحيانا التلويح بالتهديد للحد من الإنتاج كي يرتفع السعر، والتدخل أحيانا كما حدث في علاقة روسيا مع أوروبا في إمداد الغاز، بل التهديد أحيانا. تأتي هذه المفارقة وحتى الازدواجية على خلفية إدارة عادة تدعم سياسة السوق وعام انتخابي من المفترض أن يرحب بانخفاض الأسعار لدعم المستهلك. ولنزيد المشهد تعقيدا لا بد أن السعر قد يؤذي أو يفيد الصين في ظل النزاع والمنافسة الاقتصادية والجيوسياسية مع الصين. وأخيرا هناك إصرار بين المختصين والإعلام الاقتصادي غير مفهوم أن أمريكا مصدر للنفط بينما تستهلك نحو 20 مليون برميل في اليوم وتنتج نحو 13.1 برميل. محاولة تفكيك الحيرة يتطلب مراجعة أهم عناصر وخصائص المشهد.

أولا، في الخمسينيات حين كانت أمريكا أكبر منتج توقع جيولوجي في شركة شل- أمريكا أن يبدأ الإنتاج الأمريكي في الانخفاض في 1971، إنتاج ولاية ألاسكا غير الصورة بعض الشيء لكن التوجه كان واضحا، وهذا ما حدث فعلا إلى أن وصلنا إلى ثورة النفط الصخري قبل نحو عقد بسبب الإبداع التقني وبيئة الأعمال المواتية في أمريكا. هناك مصالح وفخر ورغبة في الاكتفاء الذاتي بسبب النفط الصخري، الذي رفع إنتاج أمريكا نحو ثمانية ملايين برميل، لكن طبيعته واقتصاداته مثقلة بالخصائص الفنية والمالية التي تجعله دائما محل تساؤل يشكك في ديمومته. ثانيا، لدى أمريكا منظومة براجماتية فمن ناحية الصناعة النفطية ليست مملوكة من قبل الحكومة كي تتحكم في الإنتاج ، بل هناك عشرات الشركات، كما يحكم هذه الشركات عادة تنظيمات الولايات وليست الحكومة الفيدارلية، لكن هناك ما يكفي للتحكم ، فمثلا الجهة الرقابية في ولاية تكساس التي تنتج نحو 40 في المائة من إنتاج أمريكا الجهة الرقابية هي هيئة السكك الحديدية -استمر المسمى على أثر خلفية قديمة عن دور النقل في صناعة النفط-، لذلك لدى حكومة الولاية السلطة الكافية للحد من الإنتاج، وبالتالي ربما تتعاون الحكومة الأمريكية مع الدول المنتجة الأخرى .ثالثا، لدى الحكومة الفيدرالية دور في إدارة المخزون الاستراتيجي.

مركزية أمريكا في النظام العالمي تجعل سلعة بهذه الأهمية محط اعتبار في حساباتها دائما، وهذا سلاح ذو حدين وربما بينهما حد ثالث! رابعا، هناك استحقاقات اقتصادية تخص الصناعة والولايات التي يتركز فيها الإنتاج خاصة في ظل الحالة لاقتصادية اليوم مع تبعات الفيروس على البطالة، لذلك تجد جهات الضغط ممثلة في الأصوات النيابية دورا أعلى خاصة في عام انتخابي ووضع اقتصادي هش. خامسا، لا تريد المؤسسة الإعلامية الاقتصادية الصراحة بأن الإشكالية اليوم في الطلب وليست العرض ربما لأن الخطاب الاقتصادي مختطف من قبل جهات الضغط. سادسا، أصبح النفط الصخري العارض الإضافي (marginal supplier) لذلك كلما قل السعر قل الدور وأصبحت تكاليف الإنتاج عاملا أساسا بما يتضمن ذلك الاستثمارات الرأسمالية وتوافر التمويل. سابعا، يأتي هذا الجدل حول سوق النفط في ظل تحول في صناعة الطاقة وجدل بيئي قد لا يكون تحت العدسة اليوم لكنه ليس بعيدا خاصة إذا جاءت إدارة جديدة مع مطلع العام المقبل.

أسعار النفط الحالية من أعراض الركود الاقتصادي وليست سببا فيه، لكن ضعف قطاع مهم يغذي الركود أيضا.

في مؤتمر صحافي حديث ذكر الرئيس ترمب هذه الحيرة بين مصلحة المستهلك الأمريكي ومصلحة الشركات الأمريكية واستقلال أمريكا في الاعتماد على مصادر داخلية يتم ذلك من خلال حيوية الشركات حين يكون السعر مربحا لهم. الحيرة الأمريكية مهمة وقد تصبح فرصة أو نقمة بناء على عدة اعتبارات ظرفية. أحد تبعات الحالة الجديدة أن النفط أصبح أحد بنود نقاش مجموعة العشرين وتزامن ذلك مع رئاسة المملكة للمجموعة. الجدل الجديد حول النفط أعاد للأذهان مركزية المملكة نفطيا. حيرة أمريكا أحد تعبيرات أهمية المملكة استراتيجيا.

المهم لنا أن نستفيد من ثنايا هذه الحيرة تكتيكيا، لكن الأهم استراتيجيا في إتمام عملية الإصلاح الاقتصادي.

يقوم وزير الطاقة بجهود غير عادية في وقت صعب لذلك لا خوف على قطاع الطاقة تكتيكيا أو استراتيجيا.

التأثير المالي فينا معتبر والتعامل معه يبدأ من خلال إعادة تحجيم الاقتصاد، التعامل الاستراتيجي مع الاقتصاد يمر جوهريا مع تفعيل الطاقات الوطنية البشرية دورا وإنتاجية لكن حجم الوافدين يعوق العبور.  

 نقلا عن الاقتصادية