تتسارع خطى مسيرة التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية لتدخل بذلك عصراً رقمياً جديداً أكثر ذكاء واتصالاً، فاتحة أمامها آفاقاً واسعة من فرص التنمية والتطوير الاجتماعي والاقتصادي على ضوء ماتحمله التكنولوحيا الرقمية معها من فوائد وميزات لم تكن بالحسبان. وقد أقرّت حوالي ٨٠% من الشركات الخاصة في الشرق الأوسط بأثر الرقمنة الكبير على استمرارية أعمالها على المدى الطويل بحسب دراسة نشرتها مؤخراً شركة PwC[1].
لا شك بأن التكنولوجيا ممثلة بصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات باتت تحمل في طياتها مسارات تغيير وفرص تطوير جديدة لعالم المال والأعمال والمجتمعات البشرية. كما أن مساهمة التقنيات الرقمية في تغيير هياكل العمل التقليدية مع تزايد استقطاب سوق العمل بات واقعاً ملموساً. وهنا تبرز مسألة نقص المهارات الرقمية بوضوح كمشكلة تعيق عملية التحول إلى الاقتصاد الرقمي، إذ تفيد الدراسات بأن التقسيم الجديد لسوق العمل بين البشر والآلات والخوارزميات التي قد تنشأ بحلول عام ٢٠٢٢ سيوفر حوالي ١٣٣ مليون وظيفة جديدة على الأقل بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي[2]. والسؤال هنا: من سيضطلع بهذه المسؤوليات؟
تواجه العديد من المؤسسات الأكاديمية تحديات جدية بشأن تطوير المناهج بما يتماشى مع الخطى المتسارعة للتطورات الحاصلة في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات بهدف تمكين جيل الشباب من مواكبة هذه التطورات ليكونوا على أهبة الاستعداد للوفاء بمتطلبات المستقبل الرقمي في بلدانهم. وتتوقع إحدى الدراسات التي أجرتها شركة "ماكينزي" في عام ٢٠١٨ أن ٤٥% من الأعمال في منطقة الشرق الأوسط ستتم بشكل آلي بحلول عام ٢٠٣٠[3]. كما توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن أكثر من نصف القوى العاملة في جميع أنحاء العالم ستحتاج للتزود بمهارات جديدة لتواكب هذه التغيرات الكبيرة في سوق العمل.
وفي سياق متصل، وضعت بلدان منطقة الشرق الأوسط خططاً وطنية واعدة ورؤى طموحة تؤكد الدور الذي يجب أن تلعبه التكنولوجيا في تمكين جميع القطاعات والصناعات، بالإضافة إلى دورها في تحقيق التنوع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. وتُعتبر خطة المملكة لتخصيص مبلغ 50 مليار ريال سعودي لتعزيز استراتيجية التطور الرقمي و"رؤية 2030" خير مثال على ذلك، إذ لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه التكنولوجيا في وضع المملكة على المسار الصحيح نحو تحقيق طموحاتها المتمثلة في تعزيز مبادئ التنافسية العالمية، والاستدامة، والعدالة، وتمكين المجتمع ورفع كفاءة وجودة الأعمال والخدمات العامة.
وللعمل على الأهداف والنتائج الواجب تحقيقيها في مجال جَسر الفجوة الرقمية، لابد أن نبدأ بتحديد وفهم معنى "المهارات الرقمية" في وقتنا الحالي، إذ أن المفهوم التقليدي لهذه المهارات لم يعد صالحاً في ظل التعقيد الذي تنطوي عليه العديد من النماذج النظرية للمهارات الرقمية. ويرى المتخصصين بأن التعريق المبسط والأهم للمهارات الرقمية هو ذلك الذي ينظر إليه من مفهوم المهارات التي تتيح التواصل والتعاون بين البشر والآلات.
من منطلق هذا التعريف المبسط، تبرز ثلاثة مفاهيم أساسية حول المهارات المرتبطة بالعصر الرقمي، يتمحور أولها ببساطة حول القدرة على استخدام الوسائل الرقمية مثل تحميل الملفات من الإنترنت وإعداد اللوائح والعروض التقديمية من خلال برنامج كـ"باوربوينت" وغيره. أما المفهوم الثاني فيشمل المهارات الأكثر تعمقاً اللازمة للعمل في المجال الرقمي مثل تحليل البيانات باستخدام لغات برمجية متخخصة كـ"بايثون". وثالثاً، هناك محور الاهتمام بالمهارات الشخصية من منظور رقمي كإدارة المشاريع وإدارة أنظمة وأدوات اكتساب المعارف.
خلال العقد القادم، لن يتمكن الأشخاص الذين يفتقرون للمعارف الرقمية من استخدام الأدوات الحديثة أو المنافسة التي سيتبناها سوق العمل المستقبلي بدون أي تردد. وسيصبح هؤلاء ضمن دائرة "الأميين" بالمعنى الحديث من الناحية العملية خلال العصر الرقمي. وستعاني الشركات والدول التي تفتقر لثقافة وأنظمة تطوير المهارات الرقمية من صعوبات بالغة في مواكبة التحول الرقمي والقدرة على اللحاق بمسيرة التقدم على هذا الصعيد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل قمنا فعلياً بما يكفي لجسر فجوة المهارات الرقمية؟
الجواب الجازم أننا للأسف لم نتمكن من بذل مايكفي من الجهود لإعداد الكوادر البشرية الرقمية بالتوازي مع التطورات المتسارعة الحاصلة في عالم التكنولوجيا. حتى أن شركة كبيرة على مستوى العالم مثل "هواوي" يزيد عدد موظفيها عن 19400، ما زالت تعاني من نقص في المهارات البشرة المؤهلة رقمياً، وتستمر جاهدة في رحلة بحثها عن مهارات بشرية ترتقي لمتطلبات العصر الرقمي وتحدياته والتعامل مع أدواته، خصوصاً في مجال البحث والتطوير، الذراع الأهم لإنتاج مزيد من الابتكارات التقنية الحديثة لعصرنا الرقمي، والتي قد تكون معقدة تماماً وتتطلب عقولاً استثنائية ترتقي لاحتياجات العالم الرقمي الجديد بالنسبة للأفراد والشركات.
وبالنظر إلى الاستحقاقات المستقبلية، نعتقد في هواوي بأن هناك أولويتان لمنظومة العمل على جَسر الفجوة الرقمية خلال عام ٢٠٢٠ والمستقبل القريب، تبدأ أولهما بتوفير الاتصال للجميع بشكل متكافئ في جميع أنحاء العالم ليحصل كافة الراغبين بنهل العلوم واكتساب المعارف وتنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم الرقمية على فرص متكافئة من خلال الانترنت. ويعني ذلك المساهمة في وصول الانترنت لكافة المناطق النائية ووضعه في متناول يد مختلف الشرائح بشكل ميسر وبأقل التكاليف. فالانترنت لايجب أن ينظر إليه بعد اليوم كأداة ترفيهية لا يحصل عليها إلا من يستحقها ويمتلك مصاريف الوصول إليها، بل كحاجة أساسية وضرورة حياتية يجب على كافة الجهات المسؤولة العمل على توفيرها بشكل ميسر للجميع.
ويتمثل ثاني الأولويتين بتمكين الجميع من الوصول إلى المنصات الفعلية المتخصصة بتطوير مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، حيث لايزال هناك صعوبة وتحديات يجب تجاوزها على صعيد توفير هذه المنصات ووصول المستحقين لها. وهنا يبرز دور الشركات المتخصصة والهيئات الحومية والمؤسسات الدولية وكافة الأطراف الأخرى المعنية في ضرورة العمل المشترك والتعاون المفتوح في إطار بناء النظام الإيكولوجي الشامل والمتكامل لتنمية مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، ما يتطلب تضافر جهود كافة المعنيين بتطوير المهارات الرقمية وتوفير التدريب اللازم على الأدوات الرقمية في بلدان منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك كادراً بشرياً هائلا لابد وأن ينتج ثماراً مميزة لدى الاستثمار به وتوجيهه على الوجه الصحيح.
يجب علينا ألا نتهاون مطلقاً في مسألة إعداد العدة ووضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بالوفاء بمتطلبات المستقبل الرقمية من خلال المهارات البشرية. ويجب على الشركات ألا تتوانى في عملها على دعم تحقيق هذا الهدف من خلال توليف برامجها للمسؤولية الاجتماعية والانفتاح الكامل على الآخر لتحفيز مزيد من قنوات العمل ضمن هذا الإطار.
يجب أن نتذكر دائماً بأنه مهما بلغت التكنولوجيا من تطور، فإن الفضل يعزى بالدرجة الأولى للإنسان والدماغ البشري المحرك الأساسي لتطور التكنولوجيا وضخ مزيد من الابتكارات التقنية التي باتت تلعب اليوم دوراً كبيراً في الوصول لنتائج التنمية الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة. وليست دول منطقة الشرق الأوسط استثنائاً عن هذا المفهوم والنهج بأي حال من الأحوال، بل على العكس تماماً باعتبار أن نجاح التحول الرقمي فيها أولوية لاريبة فيها على الإطلاق. لكن الجيد في الأمر أن لديها من المقدرات والقدرات الكفيلة بتحقيق كافة أهدافها في حال الاهتمام بالكوادر البشرية الرقمية ووضعها في الموقع الصحيح من مسارات العصر الرقمي ومختلف سيناريوهاته المستقبلية.
لمواكبة أولويات التنمية والتطوير وتحقيق أهداف الخطط والرؤى الوطنية الطموحة في دول منطقة الشرق الأوسط، لا بد وأن نضع مسألة تعزيز المهارات الرقمية ومعالجة العقبات التي تواجه الحكومات والمؤسسات والشركات التكنولوجية نصب أعيينا وفي مقدمة جداول أعمالنا الحالية والمستقبلية القريبة. ولا شك بأن الأعمال الناجحة اليوم ليست تلك التي تعنى بتحقيق الربح فقط، بل تلك التي يتسع صدرها للمساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية للبلدان التي تعمل بها، وفي مقدمتها المساهمة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولعل بلدان منطقة الشرق الأوسط بأمس الحاجة للتركيز على نهج تنمية المواهب الرقمية والاستفادة القصوى من التكنولوجيا لبناء جيل المستقبل القيادي الرقمي الجديد الذي سيتولى زمام أمور تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية بالتماشي مع متطلعات الشعوب وصالح البشرية عامة.
المعضلة أخ عمار أننا وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الذكاء الصناعي وتعلم الآلة هو من سيقود المشهد في القريب العاجل، والإبتكار البشري في العملية يعتمد فقط على نوع الفكرة وجرأتها وتقديمها لحلول لعدد من المشاكل التي تواجه المستخدمين. وكمثال بالنظر إلى لغات البرمجة وبيئات التطوير الموجودة اليوم أصبح بناء الحلول الإلكترونية بمثابة أوامر بسيطة، بينما التقنية هي من ستهتم بالأمور الفنية والتفصيلات في هذا الجانب. بالمختصر أتفق معك حول الأمية التقنية المتقادمة بسبب التسارع الرهيب للتقنية في هذا الجانب، كلما تعلم الشخص شيئا جديدا وجد أن عمره الافتراضي ربما لا يزيد عن 5-10 سنوات في أحسن تقدير. شكرا لك على هذه المقالة