ظهر النفط الصخري نتيجة بيئة أمريكية خاصة eco-system، ويتكون من تكوينات جيولوجية معينة، ونظام ملكية في الأراضي والموارد مختلف عن الآخرين، ومنظومة مالية تشجع المخاطر المحسوبة، وأخيرا نظام إفلاس يساعد على إعادة تجميع الأصول واستمرار الإنتاج تحت ملاك جدد حين تتغير الظروف. هذه المنظومة الفريدة تتميز بالمرونة، خاصة أن النفط الصخري لديه ميزة فنية تتناسب مع هذه المرونة، إذ إن الدورة الإنتاجية للاستثمار أقصر من النفط التقليدي. مرة أخرى أصبح النفط الصخري الحاضر الغائب على طاولة المباحثات في اجتماع "أوبك" وشركائها الجدد. الواضح أن انخفاض السعر الحاد (أقل من 30 دولارا) سيؤثر في أوضاع شركات النفط، خاصة الصخري؛ نظرا إلى ارتفاع تكاليف إنتاجه مقارنة بالنفط التقليدي من ناحية، واعتماد هذه الشركات على مصدر عوائد واحد مقارنة بالشركات الدولية الأكثر تكاملا، من ناحية أخرى.
التمويل مصدر أساس لاستمرار شركات النفط الصخري، وجاء المستوى الجديد في الأسعار ليضغط على حالة مالية صعبة، خاصة أن المصارف بدأت تقليص قروضها لهذه الشركات. في الموجة السابقة لانخفاض الأسعار 2015 أفلس كثير من هذه الشركات، لكن الإنتاج استمر في الارتفاع. ربما نشهد تطورا مشابها "لكن بنسبة ارتفاع في الإنتاج أقل". رأيت أن مراجعة الحالة التمويلية مناسبة في هذه المرحلة.
تعتمد شركات النفط الصخري على أربعة مصادر تمويلية، الأول: القروض المصرفية، والثاني: السندات، والثالث: الاستثمار المباشر مثل الصناديق الخاصة وإصدار الأسهم، والرابع: القروض الهيكلية Structured loans. القروض المصرفية هي الخط الأول وهذه بدأت بالحذر والتراجع، إذ قلص كثير من المصارف الإقليمية في تكساس وأوكلاهوما وغيرهما من تعرضها لقطاع الطاقة، خاصة شركات النفط الصخري. لا بد أن المصارف ستجد نفسها في حالة قد تضر بالمركز المالي لبعضها رغم أن رسملة المصارف عامة مريحة على أثر الأزمة المالية العالمية.
الأزمة الحالية جاءت في وقت سيئ للشركات والمصارف، إذ إن كل ستة أشهر يعاد تقييم الاحتياطي والمخزون، لأن القروض مقابل قيمة الاحتياطي المثبت "الإنتاج المحتمل"، والمقدرة عادة من قبل شركات مختصة مستقلة.
في الوقت الحاضر لا بد أن سوق السندات لن تكون ممكنة، إذ إن كثيرا من هذه السندات صنفت على أنها سندات غير استثمارية، وبالتالي هي مرتفعة التكاليف، إذ إن هامش السعر "الفرق بين الفائدة على السندات الحكومية وسندات الشركات" بدأ في الارتفاع قبل الأزمة بعدة أشهر. كذلك المصدر الثالث بدأ بالجفاف وارتفاع تكلفة الرسملة، لأن أسعار أسهم الشركات سجلت انخفاضا حادا يصل بعضها إلى 90 في المائة، فإصدار الأسهم يخفف ملكية الملاك الحاليين بقوة، وبالتالي يصعب تخيل إصدارات أسهم جديدة على الأقل لأغلب الشركات مرحليا. المصدر الرابع أكثر تعقيدا وأقل وضوحا، لكنه مرتبط بخليط من القروض والرسملة المشروطة من ناحية، ومرتبط أيضا بعلاقة من آليات تحوط لحماية السعر في المدى البعيد. أيا كانت مصادر التمويل فكلها أصبحت غير ممكنة أو مكلفة جدا ما يجعل الاستمرار في الإنتاج غير مربح فضلا عن استثمارات رأسمالية جديدة بدأت عدة شركات إعلان تقليصها بقوة.
بعض الشركات سيستطيع خوض هذه الموجة العنيفة، لأنها استطاعت بيع النفط بعقود مستقبلية بأسعار أعلى من الحالية - أحيانا تصل إلى 60 دولارا من خلال العقود الحمائية، وبعضها الآخر سيفلس قريبا أو يتم الاستحواذ عليه من قبل شركات أقوى أو يضطر للاندماج مع شركات أحسن في الوضع المالي. النتيجة العملية أن الإنتاج سيتقلص إذا استمرت الأسعار بهذا المستوى. إذ إن نقطة التعادل تختلف حسب المرحلة، فحين يبدأ من الصفر تكون عادة أعلى من 45 دولارا للبرميل، وحين يكون الحقل مستكشفا وجاهزا للإنتاج تكون نقطة التعادل 30 - 40 دولارا اعتمادا على الحجم والجيولوجيا والمسافة من الحقول الأخرى، والبعض الآخر قد يكون أقل من 30 إذ الإنتاج مستمر. من المهم الإشارة إلى أن التطورات الأخيرة جاءت بعدما بدأ يتباطأ النمو في الإنتاج، ولذلك يرجع أغلب الإنتاج إذا تحسنت الأسعار، خاصة أن البعض أثبت قدرته على تقليل التكاليف بتوظيف التقنية.
نقاط التعادل قابلة للتغير حسب الإبداع والظروف الموضوعية. أحد هذه الظروف أن ملكية الموارد تحت الأرض تنتهي بعدم تفعيل الإنتاج. ستتغير الملكية والهياكل التمويلية، لكن الإنتاج مرهون بمستوى السعر وعلاقته مع نقاط التعادل.
أعتقد بأن مقياس التمدد في صناعة النفط الصخري يخضع لعدد آبار الحفر، فعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط إلا أن النمو في عدد آبار الحفر في دولة مثل أمريكا يصل إلى +٥٪ شهريا حسب المواقع المختصة، بالطبع هنالك أمور أخرى تدفع إلى مثل هذا التمدد كالعمر الإفتراضي للبئر والذي يعتبر ضئيل نسبيا ويصل إلى ٦٠ شهرا (٥ سنوات) فقط، ما يستلزم المزيد من الحفر للحفاظ على معدل ثابت من الإيرادات.