سجّلت أرامكو السعودية رقمين قياسيين، الأول كأكبر طرح عام أولي على الإطلاق، مما منحها الرقم القياسي الثاني: الشركة المدرجة الأكثر قيمة في العالم، متغلبةً بذلك على شركة أبل.
إن هذا تطورٌ ضخم للمملكة. فهو يدعم رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030 لتطوير البلاد واقتصادها، وهي عمليةٌ تستند بدورها على ثورة اجتماعية وثقافية ذات نتائج محورية للمعركة العالمية ضد التفسيرات المتطرفة للإسلام.
ومع ذلك، منذُ بداية عملية الطرح العام الأولي، ازدادت الأفكار الخاطئة المتعلقة بالطرح. وفي ضجة وسائل الإعلام حول مواضيع مثل تقييم أرامكو ومواقع الإدراج المحتملة، تم تفويت السياق الاستراتيجي للطرح العام الأولي.
فيما يلي الأفكار الخاطئة الأكثر شيوعًا حول الطرح العام الأولي:
1) يدور الطرح العام الأولي حول السيولة للحكومة، وتم تفويت هدف التقييم.
إن الطرح العام الأولي لا علاقة له بالسيولة. على الرغم من كمية التعليقات حول أكبر طرح عام أولي في التاريخ والتكهنات بشأن التقييم، إلا أنه لم يُكتب إلا القليل عن قيمته الاستراتيجية للسعودية. (ذكر محمد بن سلمان تقييمًا بقيمة 2 تريليون دولار في وقتٍ مبكر لأن المصرفيين الذين كانوا تواقون للعمل على الطرح العام الأولي توصلوا إلى رقمٍ مرتفع للحصول على العمل – ويُعد ذلك، ممارسةٌ شائعة، للأسف). والتقييم النهائي، الذي سينسب بعد إدراج جزءٌ قدره 1.5 بالمائة من أسهم الشركة، سيكون مسألة ثانوية. المهم هو أن الإدراج ينشئ آلية للسماح بعروض المتابعة و / أو الإدراج الثانوي للشركة في المستقبل. وتعمل عملية الإدراج على تطوير ثقافة الشفافية في جميع أنحاء المملكة (أحد أهداف ولي العهد الأصلية)، وتُضفي عمقًا على سوق الأسهم السعودي، وتجتذب اهتمام الأسهم العالمية. وليست هناك حاجة للمال الآن؛ إذ تمتلك السعودية مئات المليارات من احتياطي النقد الأجنبي، وكانت الحكومة ستستفيد من سيولة مماثلة من الإتاوات والأرباح حتى بدون طرح عام أولي.
2)يُعد الطرح العام الأولي وشركة أرامكو السعودية سلبيان من منظور الاستدامة ومعايير بيئية واجتماعية وحوكمة.
ربما تتعلق أكثر الأفكار الخاطئة المحيطة بالطرح العام الأولي بالاستدامة. إذ اقترح بعض المعلقين أن تغير المناخ يُشكل تهديدًا وجوديًا لأعمال أرامكو. وفي الواقع، أرامكو السعودية مُعده لتحقيق الازدهار في عالمٍ يحد من استهلاك الكربون. لماذا؟ لإنها بالفعل واحدة من أنظف المنتجين في العالم لكل برميل وتخدم العملية الانتقالية إلى عالمٍ أقل إنتاجًا للكربون. وفي دراسةٍ حديثة أجرتها جامعة ستانفورد، وهي واحدة من أكثر الدراسات شمولية على الإطلاق عن الانبعاثات، تبين أن السعودية لديها أقل كثافة كربونية من أي دولة رئيسية منتجة للنفط. (تقيس الكثافة الكربونية انبعاثات غازات الدفيئة من خلال العملية الكاملة لإنتاج النفط الخام). ونُشرت في مجلة "ساينس" المرموقة، ووجدت الدراسة أن السعودية على الصعيد العالمي كانت في المرتبة الثانية بعد الدنمارك في الكثافة الكربونية - وتُنتج السعودية أضعاف ما تنتجه الدنمارك من النفط يوميًا بما يزيد عن ستين مره. ويبلغ متوسط الكثافة الكربونية في النفط المنتج في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حوالي ضعف الكثافة الكربونية للنفط المنتج في السعودية.
إن الكثافة الكربونية الأكثر استدامة في السعودية ليست محظ الصدفة. بل هي وظيفة إدارة الخزانات في الشركة، والتي تنطوي على تقليل استخدام الحرق والماء، مما يقلل من كمية الطاقة المستخدمة لإنتاج كل برميل.
3) خُفضت نسبة الطرح العام الأولي وأصبحت محلية فقط.
صحيحٌ أن أول 1.5% من أسهم الشركة لم يتم تسويقها إلا للمواطنين السعوديين والمقيمين فيها والمؤسسات المحلية والإقليمية، بيد أن المستثمرين الأجانب المؤهلين المسجلين لدى "تداول" سُمح لهم بالاستثمار، وهذا يعني أن الطرح العام الأولي كان مفتوحًا أيضًا لنحو ألف وخمسمئة مؤسسة أجنبية. وكما ذُكر آنفًا، يُمكن جمع المزيد من الأموال في وقتٍ لاحق من خلال عمليات إدراج ثانوية دولية. إن تنفيذ الطرح العام الأولي بسرعة مهمةٌ صعبة بالنسبة لأي شركة. أنا أعمل في مجال "صناعة الطرح العام الأولي"، وقد تعاملت مع إدراج شركات أصغر من أرامكو بآلاف المرات. وأولئك الذين يرون أن الوقت المستغرق لإدراج شركة أرامكو يُمثل إشكالية ليس لديهم أدنى فكرة عما يتضمنه تحويل أي شركة خاصة إلى عامة، ناهيك عن أكبر شركة في العالم.
4) لن تُحترم حقوق المساهمين.
إن التاريخ السعودي يظهر تاريخًا طويلًا (وفريدًا بين الدول النامية) في احترام الاستثمار الأجنبي. وفي الآونة الأخيرة، باعت الحكومة الهولندية حصتها في بنكٍ سعودي تطور من كونه أول بنك أُنشئ في السعودية في عشرينيات القرن الماضي، حيث كان يُعرف باسم الشركة التجارية الهولندية، بحوالي ٥٠٠ مليون دولار. وفي القرن الذي تلا ذلك التاريخ، قامت جميع البلدان النامية تقريبًا، وعددٌ قليل جدًا من البلدان المتقدمة، بتأميم أو مصادرة الاستثمارات الأجنبية. ورغم ذلك لم تلمس الحكومة السعودية دولارًا واحدًا من الاستثمار الأجنبي قط. ومن المؤكد أن هذا الاحترام للمستثمرين الأجانب سوف يستمر. إضافةً إلى ذلك، وكما كتبت سابقًا، فإن أرامكو السعودية كانت واحدة من أكثر تجارب الاستثمار الأجنبي المباشر نجاحاً في التاريخ الحديث. وقد تأسست من قِبل شركات النفط الأميركية في ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت تُدار بشكل مشترك ومتوافق مع الحكومة السعودية لعقودٍ من الزمان، ثم حصلت عليها الحكومة السعودية في نهاية المطاف من هؤلاء الشركاء بقيمة سوقية كاملة في ثمانينيات القرن العشرين (في تناقضٍ صارخ مع العديد من شركات النفط الوطنية الأخرى التي استولت عليها الحكومات الاشتراكية والشعوبية في جميع أنحاء العالم).
ولضمان حقوق الأقليات بعد الطرح العام الأولي، تم وضع نظام واضح يستند إلى القواعد ينظم علاقة أرامكو بالدولة. وهذا يجعل سلطة الحكومة تقتصر على أربعة أُسس رئيسة: الحد الأقصى للقدرة المستدامة للشركة، ومستويات الإنتاج، والإتاوات، والضرائب. كما أعطت الحكومة الأولوية فعلياً للمستثمرين في الطرح العام الأولي من خلال أرباح الشركة، والتي وُضعت بحد أدنى 75 مليار دولار، مع تحمل الحكومة وحدها للخسائر إذا انخفضت الأرباح إلى الحد الأدنى.
ولن تتخلى الحكومة أبدًا عن سيطرتها على أرامكو السعودية؛ فهي جوهرة تاج البلاد. ولكن الأقلية من المساهمين سوف يجلبون بُعدًا جديدًا تريده الحكومة: ألا وهو تدقيق في الشؤون الإدارية ومنظور المستثمر الخارجي في أهم أصول الحكومة السعودية.
5) تعرض السعوديون للضغط أو الإجبار على الاستثمار.
من كل النواحي، أبدى المواطنون السعوديون قدرًا كبيرًا من الاهتمام بالطرح العام الأولي، بالإضافة إلى اعتباره كمصدر للفخر الوطني، ورؤية حقيقته: وهي فرصة غير مسبوقة لتملك جزء من أسهم الشركة الأكثر ربحية على مستوى العالم. وقد ساهم المواطنون السعوديون بنشاط في هذا الأمر بفضل الامتيازات السخية مثل سهم إضافي لكل عشرة أسهم يتم شراؤها (ترى الحكومة أن جزء من الطرح العام الأولي هو عملية نقل الثروة إلى المواطنين)، ومع المستثمرين المؤسسيين انتهى الطرح العام الأولي باكتتاب زائد بنسبة 500 % تقريبًا، وهو عرض جدير بالتقدير لمثل هذا الطرح المالي الهائل.
(للإطلاع على المقال باللغة الإنجليزية)