للمطارات الدولية (International Airport Hubs) دور محوري مباشر في النمو الاقتصادي للدول، على سبيل المثال، فإن صناعة النقل الجوي في المملكة المتحدة تساهم في زيادة 26 وظيفة في منظومة الموردين لكل 10 وظائف جديدة تضاف إلى قطاع الطيران، كما أن المطارات الأوروبية مجتمعة تساهم في توظيف أكثر من 4.5 مليون موظف في وظائف ذات علاقة مباشرة بقطاع الطيران وأخرى ليس لها علاقة مباشرة بقطاع الطيران، والتي تحقق للعاملين بها أكثر من 150 بليون يورو سنوياً من رواتب ومكافآت مالية مساهمةً بذلك بشكل إيجابي في اقتصاديات دولها، كما ساهمت المطارات الدولية الأوروبية التي تمتلك شبكة كبيرة في الاتصال (رحلات الترانزيت) بمطارات دولية أخرى (Airport Connectivity) بتحقيق زيادة في إجمالي الناتج المحلي لدولها بنسبة وصلت إلى 0.5%، ومن هذا المنطلق تأتي الأهمية الاقتصادية لتطبيق النموذج التجاري الفعال (Effective Business Model) ليكون للمطارات الدولية السعودية دور محوري في مساهمتها بالنمو المتوقع منها في الاقتصاد السعودي من خلال تجانس جميع مكونات المنظومة التجارية للمطارات، والتي تتكون من :
1.القطاعات التجارية ومنها:
أ.قطاعات لها علاقة مباشرة بقطاع الطيران (شركات خطوط الطيران)،
ب.قطاعات مساندة لقطاع الطيران (جميع الشركات العاملة في الخدمات الأرضية)،
ت.مناطق لوجستية متصلة بالمطارات (الشحن الجوي والمناطق الحرة)،
ث.قطاعات أخرى ليس لها علاقة مباشرة بقطاع الطيران، ولكن من المفترض أن تشكل النسبة الأعلى تجارياً من إجمالي منظومة الإيرادات المباشرة للمطارات (الأسواق الحرة، الاستثمارات العقارية الأخرى الخارجة عن نطاق الأسواق الحرة مثل المجمعات التجارية الكبرى [Mega Shopping Malls] والتي يكون لها اتصال مباشر بمباني المطار، الفنادق بمختلف فئاتها، مراكز المعارض والمؤتمرات، ومباني المكاتب التجارية المخصصة لكبرى الشركات المحلية والعالمية، والنوادي الرياضية، إلخ ...).
2.شركاء النجاح المتمثلة في:
أ.آلية التطبيق لأنظمة الطيران التجاري المتوافقة مع الاتفاقيات الدولية بأقل درجة من البيروقراطية، مع الاحتفاظ بتطبيق أعلى معايير سلامة الطيران.
ب.مراجعة اتفاقيات الطيران الدولية الموقعة بشكل ثنائي بين المملكة والدول الصديقة، للتأكيد على أن بنود تلك الاتفاقيات تطبق بدون وجود أي معوقات بيروقراطية تجاه شركات الطيران الوطنية، وأن تلك الاتفاقيات تتوافق مع الأهداف الاقتصادية العامة للدولة.
ت.تعزيز المنظومة التجارية التي تعمل من خلالها حالياً المطارات الدولية في المملكة، بحيث تكون وفق أفضل الممارسات العالمية (Best Practice) التي تتيح من خلالها إيجاد شركات خطوط طيران وطنية وشركات خدمات أرضية تستطيع تحقيق أرباح تشغيلية ضمن منظومة تجارية متكاملة لا يشكل تعدد وتنوع الرسوم والضرائب على المسافرين وشركات الطيران أساساً في ايراداتها وأرباحها.
عليه، فإن صناعة النقل الجوي يجب أن ترتكز على منظومة متكاملة من شركاء النجاح الذين يمكنهم من خلال إيراداتهم التشغيلية تحقيق أرباح لشركات المطارات الدولية وشركات خطوط الطيران والقطاعات المساندة لهما، فإذا كانت المنظومة المذكورة أعلاه تعمل بكفاءة تجارية فإنها ستحقق الإضافة الاقتصادية المستهدفة من منظومة صناعة النقل الجوي، والتي يجب أن ترتكز بشكل أساسي في إستراتيجيتها إلى زيادة أعداد المسافرين من خلال منظومة عمل تجارية قد يؤثر سلباً بشكل كبير على تنافسيتها فرض قائمة متنوعة من الرسوم والضرائب، والتي قد تحد من نمو إيرادات الشركات المالكة للمطارات وشركات الطيران الوطنية على حد سواء، وقد يشكل ذلك أيضاً صعوبة في التسويق لإستقطاب شركات طيران عالمية لتسيير رحلات من مطارات المملكة الدولية، وسينتج عن ذلك بلا شك عدم تحقيق أعداد المسافرين المستهدفة لرؤية 2030 من السياح والحجاج والمعتمرين، مع الأخذ بالاعتبار الارتفاع المستمر في تكلفة التشغيل الذي تواجهه معظم شركات الطيران عالمياً.
وكجزء من منطقة الشرق الأوسط، تعد منطقتنا العربية السوق الأكبر والأسرع نمواً على مستوى العالم في صناعة النقل الجوي، ولكي تتمكن المطارات الدولية من تحقيق أرباح تشغيلية في سوقها الواعد، فإنه يستوجب عليها تحقيق اقتصاديات في وفورات الحجم بالنسبة لعملياتها التشغيلية (Economies of Scale)، ومن هذا المنطلق يستوجب أن يكون في إستراتجيتها التشغيلية إستهداف التركيز على إستقطاب أعداد كبيرة من المسافرين والتي تستوجب إستبعاد أي إجراء حكومي أو تجاري قد يحد من تنافسية المطارات الدولية لإستقطاب شركات خطوط الطيران العالمية لتسيير رحلاتها من وإلى مطارات المملكة.
فقد اعتمدت المطارات الدولية التي حققت أرباح تجارية مباشرة في قوائمها المالية وتسجيل نتائج إيجابية مباشرة في النمو الاقتصادي لدولها في منظومة عملها التجاري (Business Model) على النسب الأعلى في إيراداتها المحصلة من خلال أنشطتها التجارية في قطاعات ليس لها علاقة مباشرة بقطاع الطيران، والهدف الأساسي الذي اعتمدت عليه إستراتيجية المطارات الدولية الفعالة تجارياً هي الوصول إلى المعادلة التجارية التي حققت إستقطاب أعلى عدد من المسافرين بأقل تكلفة ممكنة على كل مسافر من خلال تقليل تكلفة التشغيل على شركات خطوط الطيران والقطاعات المساندة لها بشكل مباشر، وإيجاد الحد الأدنى من الرسوم والضرائب على كل مسافر، والذي نتج عنه إستطاعة شركات خطوط الطيران خفض تكلفتها التشغيلية وتسعيرتها على تذاكر السفر لإدنى حد ممكن مع الإحتفاظ بتحقيق الربحية المتوقعة من عملياتها، والتي في أساسها تعتبر عمليات باهظة التكلفة على تلك الشركات، وقد أدى ذلك إلى ازدياد رحلات شركات الطيران العاملة في تلك المطارات، مصحوباً بزيادة في نسبة أعداد المسافرين، المثال في الجدول رقم (1) يستعرض الفروقات في الرسوم والضرائب المشمولة على تذكرة سفر فعلية ذهاباً وإياباً على الدرجة السياحية من مطار الملك خالد الدولي إلى مطار دبي:
كما يوضح الرسم البياني أدناه تكلفة الرسوم المحتسبة من قبل المطارات الدولية السعودية على شركات خطوط الطيران عن كل راكب مقارنة بالمطارات الدولية المتواجدة في نفس الإقليم، ويظهر كما هو موضح أدناه أيضاً مدى الفروقات الشاسعة بين الرسوم المطبقة في المملكة مباشرة على شركات خطوط الطيران مقارنة بنفس نوعية الرسوم المطبقة على شركات خطوط الطيران في المطارات الدولية المتواجدة في نفس الإقليم، والتي تشكل فيه جميع المطارات الدولية المذكورة في الرسم البياني منافس مباشر للمطارات الدولية بالمملكة من حيث ارتفاع نسب رحلات الترانزيت (Connectivity) لكل مطار دولي من مطارات المملكة بالأخص بعد تطبيق نظام "الفيزا الإلكترونية" في المطارات السعودية.
ويضاف على ما ذكر سابقاً، فإن الرسوم المحصلة بشكل مباشر من شركات خطوط الطيران في المطارات الدولية السعودية تشكل مبلغ وقدره 180 ريال عن كل راكب، وذلك بفارق تكلفة توازي 3.75 ضعف من أعلى رسم مطبق بشكل مباشر على شركات الطيران في المطارات الدولية التي تقع في إقليم المملكة، حيث تبلغ الرسوم المحصلة من شركات خطوط الطيران في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة مبلغ وقدره 48 ريالاً عن كل راكب، أما أقل مطار في الإقليم تحصيلاً لنفس الرسوم هو مطار دولة البحرين الشقيقة حيث أن التكلفة المحصلة عن كل راكب تعادل 12 ريالاً، وهذا يبرر اختيار عدد من المسافرين للسفر من مطار البحرين الدولي مقابل مطار الملك فهد الدولي بالدمام، وهذا يعكس أيضاً إحجام عدد من شركات الخطوط العالمية من تسيير رحلات من خلال المطارات الدولية السعودية، والاكتفاء بتسيير رحلات الى مطار دبي أو البحرين لركاب الترانزيت المتجهين الى المطارات السعودية، وذلك بسبب ازدياد ربحية شركات الطيران في تلك الرحلات بالنسبة لكل تذكرة سفر مقارنة بتسيير رحلات للمطارات السعودية، وقد أوقفت عدة شركات طيران عالمية رحلاتها خلال الفترة الماضية للمطارات السعودية ومنها شركة طيران كاثي باسفيك وشركة الطيران الفرنسية وغيرها بسبب عدم الجدوى الاقتصادية لتلك الرحلات في تحقيق الأرباح المستهدفة لشركاتها، كما هو مبين في الرسم البياني رقم (1) فإن الرسوم المرتفعة تساهم أيضاً بشكل مباشر في تدني مستوى ربحية شركات الخطوط الوطنية ومدى إمكانيتها الوفاء بالمستحقات المالية عليها للمطارات الدولية بالمملكة.
ومقارنة بمنظومة العمل التجاري المطبقة في قطاع النقل الجوي في المملكه، فقد حقق مطار أمستردام الهولندي في استراتيجيته أفضل الممارسات العالمية (Best Practices) المطبقة في قطاع النقل الجوي، حيث استهدف استقطاب أكبر عدد من المسافرين إليه مع عدم التركيز على الإيرادات المحصلة من خلال الرسوم والضرائب المفروضه على المسافرين وشركات خطوط الطيران، فقد حقق نجاحاً ملحوظاً في الإيرادات الربحية للمطار المذكور بصفة خاصة وللاقتصاد الهولندي بصفة عامة، ومن خلال تطبيق النموذج التجاري الفعال (Effective Business Model) نتج أيضاً تحقيق أرقام قياسية في عدد شركات الطيران المستخدمة للمطار ورحلات الترانزيت (Airport Connectivity)، كما يبين المثال أدناه كيف استطاع مطار أمستردام الدولي تحقيق إيرادات ربحية ونمو اقتصادي للدولة دون التركيز على قطاع الطيران بصفة رئيسية في تحقيق إيراداته المباشرة وأرباحه التشغيلية.
في عام 2017، تمكن مطار شيبل أمستردام (Amsterdam Airport Schiphol) في هولندا أن يحقق المرتبة الأولى من بين جميع المطارات الأوروبية متقدماً بذلك على مطار هيثرو (Heathrow Airport) في لندن، حيث حقق مطار أمستردام عدد 4,861 رحلة طيران مباشرة أسبوعياً (أي ما يعادل متوسط 29 إقلاع أو هبوط رحلات في الدقيقة الواحدة من كل 24 ساعة)، ويعمل بمطار أمستردام 111 شركة خطوط طيران برحلات لـ 320 وجهه، ويعد المطار الجهة التجارية الأكبر أوروبياً في توفير المكاتب التجارية المخصصة للشركات العالمية، وتتخذ أكثر من 500 شركة عالمية مقراً لها ضمن المباني المملوكة للمطار والتي تقع في محيطه المباشر (مثل شركات: إنتيل، سيسكو سيستميز، ستي بانك، كانون، وبوينج، وشركات عالمية أخرى)، وقد أثبتت في دراسات بحثية بأن الشركات العالمية تفضل دوماً أن يكون مقرها الرئيسي (Headquarters) في أقرب مسافة ممكنة من المطارات، وذلك لكثرة رحلات عمل موظفيها، والتي من المناسب وجودهم بمقربة من المطارات لتوفير عامل الوقت، كما أن مطار أمستردام قد ساهم في عام 2013 بشكل مباشر وغير مباشر بتأمين 65 ألف وظيفة، وقد ساهم مطار أمستردام اقتصادياً في نفس العام بتسجيل 26 بليون يورو كقيمة مضافة إلى الناتج القومي الهولندي.
وبما أن المملكة تطمح إلى تحقيق أحد أهداف رؤية 2030 من خلال استقطاب 100 مليون مسافر خلال العشر سنوات القادمة، فإن ذلك يتطلب إيجاد المنظومة التنافسية المعتمدة على أفضل الممارسات العالمية بما يخص المطارات الدولية السعودية والتي يجب أن تتميز بتخفيض رسوم ونسب الضرائب على المسافرين وشركات الطيران لأدنى حد يمكن المطارات الدولية السعودية من استقطاب أكبر عدد ممكن من شركات خطوط الطيران الدولية لتسيير رحلاتها إلى المملكة، كما سينتج عن ذلك المساهمة في إيجاد شركات طيران وطنية باستطاعتها تحسين خدماتها وزيادة وجهاتها، وتحقيق أرباح تشغيلية ستساهم إيجاباً في النمو الاقتصادي للمملكة.
ومما تقدم، فإن منظومة الرسوم والضرائب المطبقة حالياً على قطاع النقل الجوي في المملكة هي الأعلى على المستوى الإقليمي، مساهمةً في ذلك بالحد من تنافسية المطارات الدولية السعودية وشركات خطوط الطيران الوطنية، مع العلم أنه من أهم ما يجب تطبيقه كمنظومة عمل تجارية في مطارات المملكة الدولية هو التركيز على استقطاب أكبر عدد من المسافرين والمستخدمين لمرافق المطارات من خلال تطبيق أفضل الممارسات العالمية في هذا القطاع، فإن تنوع فرض ضرائب ورسوم عالية في المطارات السعودية سيساهم في عدم تحقيق قطاع النقل الجوي الأهداف التجارية والاقتصادية المرجوة منه، بالإضافة إلى الحد من ربحية الشركات المالكة للمطارات والمملوكة حالياً بنسبة 100 % للدولة، عليه يستوجب النظر في تطوير المطارات الدولية السعودية لتشمل مدن تجارية بملايين الأمتار المربعة والتي قد تحتوي على مجمعات أسواق تجارية كبيرة متصلة مباشرة بمباني المطارات (Mega Shopping Malls)، وفنادق بعلامات تجارية عالمية بمختلف الفئات، ومراكز للمعارض والمؤتمرات، ومباني لمكاتب تجارية مصممة بأفضل المعايير لتكون مقراً للشركات السعودية العالمية والأخرى المتعددة الجنسيات، ومناطق لوجستية خاصة بالشحن الجوي، وأي استثمارات عقارية أخرى يمكن من خلالها أن تشكل النسبة الأكبر من إيرادات المطارات الدولية السعودية عوضاً عن الإرتفاع في نسب الضرائب والرسوم على المسافر وشركات خطوط الطيران، وبذلك ستتمكن بإذن الله مطارات المملكة الدولية من المنافسة إقليمياً وعالمياً لتكون عنصراً اقتصادياً جاذباً ومساهماً في النمو الاقتصادي للمملكة ولتحقيق أحد أهم الأهداف الخاصة في رؤية 2030.
المصادر:
-Eva Grey. Airport Economics: How Much Value Does a Hub Really Hold? Airport Technology, 10 September 2017.
-State of Airport Economics. International Civil Aviation Organization (ICAO) and Airports Council International (ACI). 2014.
-Amir Fattah, Howard Lock, William Buller, and Shaun Kirby. Smart Airports: Transforming Passenger Experience to Thrive in the New Economy, Cisco, July 2009.
-Airport Industry Connectivity Report 2017, Airports Council International, 2017.
خاص_الفابيتا