في إطار المواجهة الشاملة لتحدي البطالة، وبالتزامن مع جهود التوطين الساعية إلى زيادة العمالة الوطنية في منشآت القطاع الخاص، يجدر التركيز بالقدر نفسه من الأهمية القصوى أيضا على مسببات انخفاض أعداد العمالة الوطنية، والعمل المكثف لأجل الحد من الأسباب التي أفضت إلى تقليصها في منشآت القطاع الخاص.
لا يجب الركون فقط إلى معدل التوطين مجردا، والاكتفاء بارتفاعه ربعا بعد ربع، وعاما بعد عام، فعلى الرغم من ارتفاعه من 18.4 في المائة بنهاية 2017، إلى 20.3 في المائة بحلول منتصف العام الجاري، إلا أنه بالبحث في التفاصيل المسببة التي أدت إلى ارتفاعه خلال تلك الفترة، ستجد أنها لم تحمل ارتفاعا في عدد العمالة الوطنية، بل العكس تماما فقد تراجع العدد للفترة من 1.78 مليون عامل، إلى 1.67 مليون عامل بصافي انخفاض بلغ 108.6 ألف عامل، أي بنسبة انخفاض 6.1 في المائة، وأن السبب الرئيس وراء ارتفاع معدل التوطين أعلاه؛ نتج بالدرجة الأولى عن كون الانخفاض الذي طرأ على العمالة الوافدة خلال الفترة نفسها كانت نسبته أكبر مقارنة بالعمالة الوطنية، حيث سجل انخفاضا بأعلى من 1.3 مليون عامل وافد، وبنسبة انخفاض للفترة وصلت إلى 16.8 في المائة.
إذا نحن أمام ثلاث نوافذ رئيسة تطل على سوق العمل "القطاع الخاص"، يجب أن تتوافر لكل نافذة منها برامج خاصة محددة المهام، وتتسم جميعها بالكفاءة اللازمة، تتحدد تلك النوافذ الرئيسة في التالي: النافذة الأولى: المعنية بالتوظيف وجهود التوطين، وهي ما تشكله برامج التوطين الراهنة، التي تركز الحديث حولها طوال المقالات الأخيرة، والضرورة القصوى برفع كفاءتها وتطويرها فوق المستوى الذي بلغت مداه خلال الفترة الراهنة، ولم تستطع تجاوز منجزاتها طوال تجربتها الممتدة من مطلع 2011 حتى العام الجاري، وثبت كما تؤكد مؤشرات التوطين "20.3 في المائة" ومعدل البطالة "12.3 في المائة"، أنها لن تستطيع الذهاب بعيدا عما تم تحقيقه حتى تاريخه، ولهذا جاء المقترح بضرورة تفويض الجهود والبرامج الرامية للتوطين للأجهزة الحكومية، كل جهاز حسب النشاط والقطاع الذي يخضع لإشرافه ورقابته، وتم الاستشهاد بالنجاح اللافت الذي تحقق لهذه التجربة في حالة قطاع التأمين الخاضع لإشراف ورقابة مؤسسة النقد، أثمر خلال أقل من عامين فقط، عن ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018.
النافذة الثانية: التي تعنى باستحداث البرامج الرقابية الأعلى كفاءة، للحد من عمليات إنهاء عقود العمالة الوطنية وتقليص أعدادها في منشآت القطاع الخاص، وتركيز الرقابة والمتابعة لنشاطات منشآت القطاع الخاص كافة على اختلاف أحجامها ونشاطاتها، وإخضاع جميع قرارات تلك المنشآت في مجال إنهاء عقود عمالتها الوطنية للرقابة اللصيقة، وهو الأمر الممكن تحقيقه بمرونة عالية وفق الآلية المقترحة أعلاه "تفويض جهود وبرامج التوطين للأجهزة الحكومية حسب إشرافها على القطاعات المسؤولة عنها"، فلا يمكن اعتماد أي قرار بالاستغناء عن أي عامل مواطن، أو استقدام وتوظيف عامل وافد، إلا بعد تصديقه واعتماده النهائي من الجهة الحكومية المعنية، والإشارة هنا إلى أن التعذر بأن مثل هذا الإجراء سيكون إجراء بيروقراطيا يحد من كفاءة القطاع الخاص، أنه في ظل تطبيقات الحكومة الإلكترونية وسرعة تنفيذ الإجراءات الحكومية اللازمة له، أؤكد أنه عذر لا أساس له من الصحة، خاصة في ظل آلية التفويض المقترحة أعلاه، وأنه في كل الأحوال مهما بلغت تكلفته اللازمة، تظل أدنى بكثير من استمرار مواجهة التحدي التنموي ممثلا في البطالة بمعدلها المرتفع خلال الفترة الراهنة.
تظهر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المرصد الوطني للعمل، أنه خلال الفترة منذ مطلع 2018 حتى منتصف 2019 وصل عدد الموظفين الجدد من المواطنين في منشآت القطاع الخاص إلى أعلى من 373.7 ألف موظف وموظفة، لكن في المقابل تجاوز عدد المستبعدين من المنشآت نفسها خلال الفترة نفسها 481.8 ألف موظف وموظف، ليظهر لنا كصافي انخفاض من تسوية الموظفين الجدد والمستبعدين نحو 108.6 ألف موظف وموظفة "وهو العدد المبين أعلاه"، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الأهمية القصوى لاستحداث الآليات والإجراءات التي تقنن تصرف منشآت القطاع الخاص في مجال إنهاء عقود وتقليص أعداد العمالة الوطنية لديها.
النافذة الثالثة: التي تعنى بتحسين بيئة وظروف العمل في منشآت القطاع الخاص، وتغطي الفترة الزمنية بين بدء العمالة الوطنية في العمل حتى نهاية خدمتها في تلك المنشآت، وتستهدف حماية العمالة الوطنية من أي إجراءات تعسفية أو تحديد أجورها في مستويات متدنية وحرمانها من أي علاوات مستحقة طوال خدمتها، أو حرمانها من الترقيات والدورات التدريبية اللازمة والمستحقة، وهو الأمر الذي تثبته أيضا الإحصاءات الرسمية، فوفقا لأحدث نشرات سوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء الربع الثاني 2019؛ شكل مجموع السببين: (1) التسريح من العمل بواسطة صاحب العمل (2) قلة الأجر أو الراتب نحو 61 في المائة ضمن أسباب ترك العمل السابق للمتعطلين الذين سبق لهم العمل، وهما السببان اللذان يشيران بوضوح تام إلى أن بيئة العمل للعمالة الوطنية في المنشآت التي وقفت خلف ذلك السببين، افتقرت إلى حد بعيد للمتطلبات والشروط اللازمة لإيجاد البيئة المثالية لممارسة الموظف والموظفة مهام أعمالهم الموكلة إليهما. دع عنك لو تم العمل على إجراء دراسات شاملة في تلك المنشآت، وقامت فرق العمل المعنية بإجرائها، ووصلت إلى كثير من العمالة الوطنية في القطاع الخاص، للتعرف على الأوضاع الحقيقية التي تعيشها في أروقة القطاع الخاص، ومحاولة تحديد الإيجابيات والسلبيات التي يعايشونها في تلك المنشآت، فستظهر للجميع نتائج بالغة الأهمية على الجانبين المتضادين إيجابا وسلبا، جديرة أن يتم توظيفها في اتجاه تطوير جهود الرقابة على بيئات العمل في القطاع الخاص. وللحديث بقية بإذن الله تعالى.
النوافذ الثلاث الرئيسة لكفاءة أعلى للتوطين
نقلا عن الاقتصادية
القطاع الخاص منشآت اقتصادية بالاساس تهدف للربح والمنافسة المحلية والدولية فإن نجح في تحقيق هدفه الاساسي حصل منه عائد اجتماعي في استيعاب اكبر قدر من العمالة والتوظيف وإن كبلت يداه خسر أرباحه ورأس ماله وحصل منه خسارة اجتماعية في فقد التوظيف والعمالة.