رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة

18/11/2019 0
عبد الحميد العمري
استهدفت رؤية المملكة 2030 رفع نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20 في المائة (سنة الأساس) إلى 35 في المائة بحلول نهاية 2030، لما تمثله وفق المسار المخطط للنهوض بتلك المنشآت من أهمية قصوى في ميزان محركات النمو الاقتصادي، اقترنت الإصلاحات القائم العمل على تنفيذها خلال الفترة الراهنة لأجل تلك المنشآت بتوفير الدعم التمويلي الكافي، وتقديم المساندة اللازمة لها، مرورا بتخليصها من تشوهات هيكلية عانى أربابها من المواطنين والمواطنات لعقود طويلة مضت، يأتي في مقدمة تلك التشوهات التستر التجاري، وما نتج عنه من ممارسات مخالفة عديدة كالغش التجاري.

انطلقت جهود دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر على مستوى التمويل اللازم، الذي عانى ضعف قنواته وتسهيلاته طوال نحو عقدين من الزمن الماضي، ليصل به مع منتصف العام الجاري إلى أعلى من 113 مليار ريال، أي ما يمثل نحو 6.2 في المائة من إجمالي التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص، وهو الأمر الإيجابي الذي تحقق خلال أقل من أربعة أعوام مضت، مقارنة بما كانت عليه تلك التسهيلات بما لا يتجاوز 1.0 في المائة قبل تلك الفترة.

تأتي أهمية ما تم إنجازه حتى تاريخه ويؤمل أن تتصاعد مؤشرات أدائه في منظور الأعوام المقبلة، على مستوى تسهيل حصول أرباب تلك المنشآت على التمويل اللازم؛ لما يمثله هذا المحور من ثقل وأهمية كبرى لتدشين وانطلاق أي منشأة كانت، تستهدف تثبيت أقدامها في السوق أو في النشاط العاملة فيه، وتزداد تلك الأهمية بنسبة أكبر للمنشآت الأصغر، نظرا لضعف القدرات والموارد المالية لدى أربابها حديثي التجربة، كان هذا المحور أحد أكبر العوائق والتحديات القائمة في طريق تأسيس تلك المنشآت، وقليل جدا ما كانت تحظى بأدنى درجات النجاح في مراحل زمنية لاحقة بعد التأسيس، لشبه انعدام فرص حصولها على التمويل اللازم بتكلفة مقبولة.

كان من أبرز نتائج تسهيل هذه العقبة الكأداء إلى ما قبل عدة أعوام قليلة؛ أن شهد قطاع الأعمال المحلي ارتفاعا قياسيا في أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بحلول منتصف العام الجاري، فوفقا لبيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ارتفع إجمالي عدد تلك المنشآت بنسبة سنوية بلغت 21.3 في المائة، لتستقر مع منتصف العام الجاري عند 545.6 ألف منشأة، مقارنة بنحو 449.9 ألف منشأة للفترة نفسها من العام الماضي محققة زيادة سنوية تجاوزت 95.7 ألف منشأة، وهي التطورات الأفضل مما تحقق خلال العام الماضي، الذي ارتفع خلاله إجمالي أعداد تلك المنشآت بنمو سنوي بلغ 6.9 في المائة، استقر إجمالي أعدادها بنهاية 2018 عند 482.4 ألف منشأة، مقارنة بأعدادها في نهاية 2017 عند 451.1 ألف منشأة.

كما تظهر بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؛ أن إجمالي أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، سجل ارتفاعا خلال النصف الأول من العام الجاري فاق من حيث العدد ضعف ما تحقق خلال عام 2018 كاملا، إذ بلغت الزيادة في إجمالي أعداد تلك المنشآت خلال النصف الأول فقط من العام الجاري أعلى من 63.2 ألف منشأة، مقارنة بزيادة عن عام 2018 كاملا بلغت نحو 31.3 ألف منشأة.

وعلى أن هذه التطورات الجيدة في هذا الاتجاه، تعد نتائج إيجابية لإجمالي الجهود وبرامج الدعم الحكومي التي تم تنفيذها خلال الأعوام الأخيرة، إلا إنها أيضا تعكس ارتفاع معدلات الإقبال لدى شرائح الأفراد من الذكور والإناث من المواطنين، والإقدام من قبلهم على تجارب تأسيس وتدشين وتطوير الأعمال الخاصة، مستفيدين من التحولات الإيجابية الراهنة، وتوظيفها فيما يحقق أهدافهم وطموحاتهم المشروعة التي يؤمل لها تحقيق مزيد من النجاح والتوسع، وكل ذلك يصب في نهاية المطاف في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وأن تتكرر عبر هذه التجارب الجديدة والناجحة، تجارب سابقة لقطاع الأعمال المحلي قبل أكثر من أربعة عقود مضت، تحولت خلال تلك الفترة الطويلة منشآت صغيرة ومتوسطة في عقد السبعينيات الميلادية إلى منشآت عملاقة خلال الفترة الراهنة، بل إن بعضها امتدت فروعه إلى معظم دول العالم المعاصر، وارتفعت أعداد العاملين فيها من بضعة أفراد إلى عشرات الآلاف من العاملين والعاملات.

ختاما؛ يؤمل أن تستمر الجهود الراهنة الهادفة إلى النهوض بقدرات وإمكانات وفرص المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تحمل لواءها الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، وصولا بها إلى أن تصبح قادرة على المساهمة في توفير فرص العمل المجدية أمام العمالة الوطنية، حيث ستنعكس آثارها الإيجابية على خفض معدلات البطالة المرتفعة في الوقت الراهن، عدا مساهمتها في رفع وتحسين مستوى دخل الأفراد من المواطنين والمواطنات، إضافة إلى المساهمة المجدية والحقيقية في النمو والاستقرار الاقتصاديين، ومساهمتها أيضا في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، ونجاحها في تحفيز التطوير المناطقي والقروي، وارتفاع قدرتها على تحقيق الابتكار ومزيد من الإقبال على ريادة الأعمال التي ستصب في نهايته في اتجاه رفع نسبة الصادرات غير النفطية.

نقلا عن الاقتصادية