استكمالا لما بدأت الحديث عنه في المقال الأخير: "تفويض التوطين للأجهزة الحكومية"، وأهمية هذا التحول المأمول تحققه في إطار الجهود الحثيثة الراهنة للحد من البطالة، وتسريع رفع معدلات توطين فرص العمل في منشآت القطاع الخاص، وما تم استعراضه للتجربة الناجحة في هذا السياق، حيث قامت بتنفيذها مؤسسة النقد العربي السعودي في قطاع التأمين، وأثمرت نتائجها خلال فترة وجيزة لا تتجاوز العامين؛ عن ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018.
أثبتت تجارب مواجهة تحدي البطالة، طوال أكثر من عقدين من الزمن مضيا، بناء على نتائجها الفعلية على أرض الواقع، التي كان من أهمها ارتفاع معدل البطالة من 8.1 في المائة خلال 1999 إلى 12.3 في المائة بمنتصف 2019، وارتفاع الاعتماد المفرط من قبل منشآت القطاع الخاص على العمالة الوافدة على حساب العمالة الوطنية، بتضاعف أعدادها خلال 1999-2016 بأكثر من 6.2 مرة، وتراجع ذلك المضاعف لاحقا مع انخفاضها بصافي 2.1 مليون عامل وافد إلى مضاعف 4.7 مرة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، كل هذا وغيره من المؤشرات الرئيسة في سوق العمل المحلية "القطاع الخاص"، أؤكد أنها أثبتت الحاجة الماسة إلى إجراء كثير من التغييرات الجذرية في مضامين برامج التوطين وسياساتها كافة، بهدف زيادة فعاليتها وكفاءتها، بما يكفل زيادة أهليتها لتحقيق الأهداف التنموية المهمة جدا في مجال الحد من البطالة، وزيادة معدلات توطين الوظائف في مختلف منشآت القطاع الخاص، وتخفيف الاعتماد المفرط الذي ما زال قائما لأكثر من عقدين من الزمن، على استقدام وتوظيف العمالة الوافدة، والحد من ثم من بقية الآثار العكسية التي ترتبت عليها هذه التطورات في سوق العمل المحلية على المستويات كافة.
ليس اقتراح منهجية تفويض التوطين للأجهزة الحكومية، والاحتذاء بتجربة مؤسسة النقد العربي السعودي في قطاع التأمين، والأمل بأن يتم توسيع تلك التجربة لتشمل أكبر قدر ممكن من نشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني، إلا محورا أول في سلم عديد من الإجراءات والسياسات اللازم اتخاذها هنا.
إذ يتبع هذا المحور الأول محاور أخرى يتطلب العمل بها، بعد أن يتم الأخذ بالإجراء الأول المتمثل في تفويض التوطين للأجهزة الحكومية؛ وأن تتولى برامج التوطين الموزع مهامها ومسؤولياتها على مختلف تلك الأجهزة عديدا من الخطوات الأكثر فعالية، من أهمها أن تعمل بجهود دؤوبة على مستويات عدة، يمكن استعراض أهمها حسبما سيأتي.
أولا: تتركز جهود التوطين على المنشآت العملاقة والكبيرة في القطاع الخاص، التي تتوافر لديها مزايا أفضل وأكبر من غيرها من بقية المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، للوفاء بالتوطين وتوفير فرص العمل الأكثر تفضيلا لدى شرائح طالبي العمل من المواطنين والمواطنات، وتتدرج متطلبات التوطين نزولا في سلم حجم منشآت القطاع الخاص.
ثانيا: تتركز جهود التوطين على المستويات الإدارية في كل منشأة، وهي التجربة ذاتها التي نجحت فيها مؤسسة النقد العربي السعودي على مستوى قطاع التأمين (رفع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى 55 في المائة بنهاية 2018)، ثم في خطوة تالية تركيز الجهود على رفع توطين الوظائف المتوسطة إداريا ومن حيث الأجور، وهي تلك المستويات الإدارية التي لم تشهد انخفاضا كما تظهره تغيرات أعداد العمالة الوافدة خلال الفترة 2016-2019، التي سجلت على المستوى الكلي للعمالة الوافدة انخفاضا للفترة وصلت نسبته إلى أعلى من 19.2 في المائة، لكن بالتدقيق في تفصيل تلك النسبة من الانخفاض، سيظهر أن الانخفاض تركز على المستويات الأدنى إداريا ومن حيث الأجور بنسبة وصلت إلى 25.5 في المائة من العمالة الوافدة، بينما شهدت ارتفاعا للفترة نفسها للوظائف الأعلى مستوى إداريا ومن حيث الأجور بنسبة وصلت إلى 1.9 في المائة، بل وصلت إلى نسبة ارتفاع 6.1 في المائة للمستويات الإدارية التنفيذية والقيادية وذات الأجور الشهرية الأعلى!
الحديث هنا في هذا المحور المهم تحديدا؛ ينصب على نحو 919 ألف وظيفة في منشآت القطاع الخاص، ظلت كما تثبت الإحصاءات الرسمية الحديثة في منأى تام عن برامج التوطين الراهنة، وعلى الرغم من مغادرة أكثر من 2.1 مليون عامل وافد خلال الفترة أعلاه، إلا أنها لم تنجح في إحلال مواطنين ومواطنات فيها بأي حال من الأحوال، وهو الأمر المفهوم والواضح في الأصل أسبابه لدى وزارة العمل قبل غيرها من الأجهزة الأخرى وعموم المراقبين لسوق العمل المحلية، كون تلك الوظائف من حيث المتطلبات والمزايا تعد متدنية المهارات والخبرات اللازمة، وفي الوقت ذاته تعد متدنية الأجور إلى الدرجة التي لم تتمكن من اجتذاب المواطنين والمواطنات الراغبين في العمل الذين تصل نسبة حملة شهادات الثانوية العامة فأعلى منهم إلى أعلى من 92 في المائة من طالبي وطالبات العمل.
يمكن تأكيد أن إجراء تغييرات جوهرية في برامج التوطين، والآليات المرتبطة بتنفيذها على أرض الواقع، ليس ما تم استعراضه أعلاه وفي المقال الأخير إلا عناوين رئيسة لمضامينها، أؤكد أن من شأنه بمشيئة الله تعالى أن يثمر عن نتائج إيجابية مفاجئة، وترتقي إلى مستويات أعلى بكثير مما هو متحقق حتى تاريخه، المهم فيها أن يتراجع معدل البطالة إلى مستويات أدنى بكثير مما هو عليه اليوم، وتنفتح فرص أوسع وأكبر وذات جدوى عالية أمام الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين، وهو المأمول فعلا أن يجد استجابة عاجلة من قبل وزارة العمل.
نقلا عن الاقتصادية
أثبتت تجارب مواجهة تحدي البطالة، طوال أكثر من عقدين من الزمن مضيا، بناء على نتائجها الفعلية على أرض الواقع، التي كان من أهمها ارتفاع معدل البطالة من 8.1 في المائة خلال 1999 إلى 12.3 في المائة بمنتصف 2019، وارتفاع الاعتماد المفرط من قبل منشآت القطاع الخاص على العمالة الوافدة على حساب العمالة الوطنية، بتضاعف أعدادها خلال 1999-2016 بأكثر من 6.2 مرة، وتراجع ذلك المضاعف لاحقا مع انخفاضها بصافي 2.1 مليون عامل وافد إلى مضاعف 4.7 مرة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، كل هذا وغيره من المؤشرات الرئيسة في سوق العمل المحلية "القطاع الخاص"، أؤكد أنها أثبتت الحاجة الماسة إلى إجراء كثير من التغييرات الجذرية في مضامين برامج التوطين وسياساتها كافة، بهدف زيادة فعاليتها وكفاءتها، بما يكفل زيادة أهليتها لتحقيق الأهداف التنموية المهمة جدا في مجال الحد من البطالة، وزيادة معدلات توطين الوظائف في مختلف منشآت القطاع الخاص، وتخفيف الاعتماد المفرط الذي ما زال قائما لأكثر من عقدين من الزمن، على استقدام وتوظيف العمالة الوافدة، والحد من ثم من بقية الآثار العكسية التي ترتبت عليها هذه التطورات في سوق العمل المحلية على المستويات كافة.
ليس اقتراح منهجية تفويض التوطين للأجهزة الحكومية، والاحتذاء بتجربة مؤسسة النقد العربي السعودي في قطاع التأمين، والأمل بأن يتم توسيع تلك التجربة لتشمل أكبر قدر ممكن من نشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني، إلا محورا أول في سلم عديد من الإجراءات والسياسات اللازم اتخاذها هنا.
إذ يتبع هذا المحور الأول محاور أخرى يتطلب العمل بها، بعد أن يتم الأخذ بالإجراء الأول المتمثل في تفويض التوطين للأجهزة الحكومية؛ وأن تتولى برامج التوطين الموزع مهامها ومسؤولياتها على مختلف تلك الأجهزة عديدا من الخطوات الأكثر فعالية، من أهمها أن تعمل بجهود دؤوبة على مستويات عدة، يمكن استعراض أهمها حسبما سيأتي.
أولا: تتركز جهود التوطين على المنشآت العملاقة والكبيرة في القطاع الخاص، التي تتوافر لديها مزايا أفضل وأكبر من غيرها من بقية المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، للوفاء بالتوطين وتوفير فرص العمل الأكثر تفضيلا لدى شرائح طالبي العمل من المواطنين والمواطنات، وتتدرج متطلبات التوطين نزولا في سلم حجم منشآت القطاع الخاص.
ثانيا: تتركز جهود التوطين على المستويات الإدارية في كل منشأة، وهي التجربة ذاتها التي نجحت فيها مؤسسة النقد العربي السعودي على مستوى قطاع التأمين (رفع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى 55 في المائة بنهاية 2018)، ثم في خطوة تالية تركيز الجهود على رفع توطين الوظائف المتوسطة إداريا ومن حيث الأجور، وهي تلك المستويات الإدارية التي لم تشهد انخفاضا كما تظهره تغيرات أعداد العمالة الوافدة خلال الفترة 2016-2019، التي سجلت على المستوى الكلي للعمالة الوافدة انخفاضا للفترة وصلت نسبته إلى أعلى من 19.2 في المائة، لكن بالتدقيق في تفصيل تلك النسبة من الانخفاض، سيظهر أن الانخفاض تركز على المستويات الأدنى إداريا ومن حيث الأجور بنسبة وصلت إلى 25.5 في المائة من العمالة الوافدة، بينما شهدت ارتفاعا للفترة نفسها للوظائف الأعلى مستوى إداريا ومن حيث الأجور بنسبة وصلت إلى 1.9 في المائة، بل وصلت إلى نسبة ارتفاع 6.1 في المائة للمستويات الإدارية التنفيذية والقيادية وذات الأجور الشهرية الأعلى!
الحديث هنا في هذا المحور المهم تحديدا؛ ينصب على نحو 919 ألف وظيفة في منشآت القطاع الخاص، ظلت كما تثبت الإحصاءات الرسمية الحديثة في منأى تام عن برامج التوطين الراهنة، وعلى الرغم من مغادرة أكثر من 2.1 مليون عامل وافد خلال الفترة أعلاه، إلا أنها لم تنجح في إحلال مواطنين ومواطنات فيها بأي حال من الأحوال، وهو الأمر المفهوم والواضح في الأصل أسبابه لدى وزارة العمل قبل غيرها من الأجهزة الأخرى وعموم المراقبين لسوق العمل المحلية، كون تلك الوظائف من حيث المتطلبات والمزايا تعد متدنية المهارات والخبرات اللازمة، وفي الوقت ذاته تعد متدنية الأجور إلى الدرجة التي لم تتمكن من اجتذاب المواطنين والمواطنات الراغبين في العمل الذين تصل نسبة حملة شهادات الثانوية العامة فأعلى منهم إلى أعلى من 92 في المائة من طالبي وطالبات العمل.
يمكن تأكيد أن إجراء تغييرات جوهرية في برامج التوطين، والآليات المرتبطة بتنفيذها على أرض الواقع، ليس ما تم استعراضه أعلاه وفي المقال الأخير إلا عناوين رئيسة لمضامينها، أؤكد أن من شأنه بمشيئة الله تعالى أن يثمر عن نتائج إيجابية مفاجئة، وترتقي إلى مستويات أعلى بكثير مما هو متحقق حتى تاريخه، المهم فيها أن يتراجع معدل البطالة إلى مستويات أدنى بكثير مما هو عليه اليوم، وتنفتح فرص أوسع وأكبر وذات جدوى عالية أمام الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين، وهو المأمول فعلا أن يجد استجابة عاجلة من قبل وزارة العمل.
نقلا عن الاقتصادية