مما جاء في جلسة مجلس الوزراء السعودي الثلاثاء الماضي التاسع من ربيع الأول الموافق الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 أن طرح جزء من أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام وإدراجه في السوق الرئيسة لدى السوق المالية السعودية "تداول" خطوة مهمة في سبيل تحقيق رؤية المملكة 2030 وصنع المبادرات التي تم تحديدها في برنامج التحول الوطني. هذا التأكيد يختصر الهدف الأهم من الطرح. وهذا الهدف فتح ويفتح باب مناقشات مهنية عميقة لماذا كان كذلك؟ ويلي ذلك كيف نحققه أحسن تحقيق ممكن؟
تقوم رؤية المملكة 2030 على تحقيق هدف أساس يمكن التعبير عنه بأكثر من صيغة. وكلها تدور حول بناء اقتصاد متطور. ومن علامات هذا التطور حدوث نمو اقتصادي فعال. وعلامة هذا النمو الفعال خفض قوي في درجة اعتمادنا واعتماد اقتصادنا الوطني على دخل النفط، دون خفض لمستوى معيشة الناس. وهذا المقال يوضح أن الهدف من الطرح، كما أراد ساسة هذه البلاد، هو خدمة الهدف الأساس للرؤية.
لسنا الأولين في تحقيق نمو اقتصادي فعال. فقد سبقتنا مجموعة من الدول في شرق آسيا. وربما كان أشهر مثال اليابان ثم كوريا الجنوبية، ثم الصين. تلك دول كانت متأخرة وضعيفة اقتصاديا. تهيأت لها السبل لتحقيق النمو الفعال. وأسس الوصول إلى هذا النمو الفعال عوامل تتركز في ثلاثة: تشجيع فعال للتصدير الصناعي مستند إلى تنمية قطاع صناعي، واستثمار مرتفع مستند إلى معدلات ادخار عالية، وتنمية رأسمالية بشرية مستندة إلى تعليم وتدريب وتطبيق يخدم تلك التنمية. ومن - إن لم يكن - أشهر وأقوى ما كتب عن ازدهار اقتصادات شرق آسيا الكتاب التالي بالإنجليزية:
The East Asian Miracle: economic growth and public policy
الكتاب من إصدار البنك الدولي، قبل نحو 25 عاما. لكن الدروس منه مستمرة.
العاملان الأول والثالث تحت الاهتمام القوي. ماذا بشأن الثاني: الادخار للاستثمار؟ نسبة الادخار في بلادنا يفترض أن تكون أفضل مما هي عليه. هذه قضية معروفة، ومن يطلب البراهين فهي متاحة بسهولة. وبقية المقال محاولة لتوضيح علاقتها بالطرح.
تميزت اقتصادات شرق آسيا بمعدلات ادخار عالية هي الأعلى بين الدول. بدونها ما كان لها القدرة على تمويل استثمارات مطلوبة لإحداث ازدهار اقتصادي راسخ متين.
من الأسس التي قامت عليها "رؤية 2030" تنفيذ مشاريع استثمارية نوعية وقوية لدفع الاقتصاد نحو تعميق مصادر دخله. تلك الاستثمارات تتطلب تمويلات كبيرة جدا تتجاوز تريليون ريال على مدى عشرة أعوام. موارد الميزانية لا تسمح بتمويلها. وفي الوقت نفسه صعب جدا الاعتماد على القطاع الخاص لتنفيذها. من أمثلة هذه المشاريع الاستثمارية النوعية: نيوم والقدية والعلا وحدائق الملك سلمان وبوابة الدرعية وغيرها كثير. كل مشروع منها يكلف عشرات إن لم يكن مئات المليارات من الريالات. طبيعة هذه المشاريع تجعل أحد عوامل نجاحها التأييد والدعم الحكومي المادي والمعنوي في بنائها واستمرارها. لماذا؟
هناك سلع وخدمات بها خصائص تجعل إنتاجها غير مجد بواسطة قوى السوق وحدها. وإذا أريد إنتاجها فلا بد من تدخل حكومي، هذا التدخل قد يكون بأن تنتجها الحكومات أو تكلف أو تتعاون مع القطاع الخاص في إنتاجها. تلك السلع والخدمات نوعان: نوع يسمى في الأدبيات الاقتصادية السلع العامة. ذلك أن عوائدها عامة، وليست تحت سيطرة محصورة بالقطاع الخاص الذي ينفذها. ومن ثم لا يقوم القطاع الخاص بإنتاج تلك السلع والخدمات.
وهناك نوع فرضته طبيعة التطورات. مثال منتجات الصناعات التحويلية ليست سلعا عامة، وهذا ليس موضع خلاف. لكن من المعروف أن الثورة الصناعية نشأت ونمت ونضجت في الدول الصناعية الغربية على يد القطاع الخاص، تحت ظروف محددة. هذه الظروف صعب تكررها في الدول النامية، ومنها قطعا السعودية. كما تتطلب وقتا طويلا من الزمن لتحقيق عوائد. وهذا يعني أنه من المتوقع ألا يتمكن القطاع الخاص في السعودية من بناء قاعدة صناعية قوية دون تدخل حكومي فعال وكاف أكثر من مجرد إعطاء تسهيلات مادية. هذه المشكلة أدركتها اليابان في بداية نهضتها الصناعية، وقد تبعتها في التطبيق دول جنوب شرق آسيا ذات الأسواق الناهضة ككوريا وتايوان وماليزيا. وساعد على التطبيق توافر مدخرات عالية.
ما الحل؟ دخول الدولة في التمويل الكلي أو بالحصة الكبيرة. لكن، وكما أوضحت سابقا، أوضاع الميزانية لا تتيح التمويل. وادخار الناس غير مناسب. ومن ثم جاءت فكرة الطرح، بما يحقق في الوقت نفسه، تنويعا في الاستثمار الحكومي. بدلا من ملكية حكومية كاملة لـ"أرامكو" تبيع حصصا صغيرة منها بالتدريج على أن يبقى معظم الملكية للدولة. وتستخدم عوائد البيع لتمويل تلك المشاريع الاستثمارية.
يقوي الأخذ بذلك الحل أن تحقيق هدف تقليل الاعتماد على مداخيل النفط وشركته «أرامكو» أساس من أسس تبني ولي العهد والدولة للطرح.
تطبق على "أرامكو" ضريبة الدخل. وسيستمر التطبيق طبعا بعد الطرح. وأتوقع أن يؤدي ذلك مع الوقت إلى التطبيق على استثمارات وشركات محلية أخرى، بما يعوض الدولة عن العوائد المفقودة جراء البيع. مع تحقيق هدف تعميق التنويع لمصادر الدخل. هذا التحقيق يتطلب جودة تصميم وتنفيذ. وهو المرجو بتوفيق الله ومشيئته.
نقلا عن الاقتصادية
تقوم رؤية المملكة 2030 على تحقيق هدف أساس يمكن التعبير عنه بأكثر من صيغة. وكلها تدور حول بناء اقتصاد متطور. ومن علامات هذا التطور حدوث نمو اقتصادي فعال. وعلامة هذا النمو الفعال خفض قوي في درجة اعتمادنا واعتماد اقتصادنا الوطني على دخل النفط، دون خفض لمستوى معيشة الناس. وهذا المقال يوضح أن الهدف من الطرح، كما أراد ساسة هذه البلاد، هو خدمة الهدف الأساس للرؤية.
لسنا الأولين في تحقيق نمو اقتصادي فعال. فقد سبقتنا مجموعة من الدول في شرق آسيا. وربما كان أشهر مثال اليابان ثم كوريا الجنوبية، ثم الصين. تلك دول كانت متأخرة وضعيفة اقتصاديا. تهيأت لها السبل لتحقيق النمو الفعال. وأسس الوصول إلى هذا النمو الفعال عوامل تتركز في ثلاثة: تشجيع فعال للتصدير الصناعي مستند إلى تنمية قطاع صناعي، واستثمار مرتفع مستند إلى معدلات ادخار عالية، وتنمية رأسمالية بشرية مستندة إلى تعليم وتدريب وتطبيق يخدم تلك التنمية. ومن - إن لم يكن - أشهر وأقوى ما كتب عن ازدهار اقتصادات شرق آسيا الكتاب التالي بالإنجليزية:
The East Asian Miracle: economic growth and public policy
الكتاب من إصدار البنك الدولي، قبل نحو 25 عاما. لكن الدروس منه مستمرة.
العاملان الأول والثالث تحت الاهتمام القوي. ماذا بشأن الثاني: الادخار للاستثمار؟ نسبة الادخار في بلادنا يفترض أن تكون أفضل مما هي عليه. هذه قضية معروفة، ومن يطلب البراهين فهي متاحة بسهولة. وبقية المقال محاولة لتوضيح علاقتها بالطرح.
تميزت اقتصادات شرق آسيا بمعدلات ادخار عالية هي الأعلى بين الدول. بدونها ما كان لها القدرة على تمويل استثمارات مطلوبة لإحداث ازدهار اقتصادي راسخ متين.
من الأسس التي قامت عليها "رؤية 2030" تنفيذ مشاريع استثمارية نوعية وقوية لدفع الاقتصاد نحو تعميق مصادر دخله. تلك الاستثمارات تتطلب تمويلات كبيرة جدا تتجاوز تريليون ريال على مدى عشرة أعوام. موارد الميزانية لا تسمح بتمويلها. وفي الوقت نفسه صعب جدا الاعتماد على القطاع الخاص لتنفيذها. من أمثلة هذه المشاريع الاستثمارية النوعية: نيوم والقدية والعلا وحدائق الملك سلمان وبوابة الدرعية وغيرها كثير. كل مشروع منها يكلف عشرات إن لم يكن مئات المليارات من الريالات. طبيعة هذه المشاريع تجعل أحد عوامل نجاحها التأييد والدعم الحكومي المادي والمعنوي في بنائها واستمرارها. لماذا؟
هناك سلع وخدمات بها خصائص تجعل إنتاجها غير مجد بواسطة قوى السوق وحدها. وإذا أريد إنتاجها فلا بد من تدخل حكومي، هذا التدخل قد يكون بأن تنتجها الحكومات أو تكلف أو تتعاون مع القطاع الخاص في إنتاجها. تلك السلع والخدمات نوعان: نوع يسمى في الأدبيات الاقتصادية السلع العامة. ذلك أن عوائدها عامة، وليست تحت سيطرة محصورة بالقطاع الخاص الذي ينفذها. ومن ثم لا يقوم القطاع الخاص بإنتاج تلك السلع والخدمات.
وهناك نوع فرضته طبيعة التطورات. مثال منتجات الصناعات التحويلية ليست سلعا عامة، وهذا ليس موضع خلاف. لكن من المعروف أن الثورة الصناعية نشأت ونمت ونضجت في الدول الصناعية الغربية على يد القطاع الخاص، تحت ظروف محددة. هذه الظروف صعب تكررها في الدول النامية، ومنها قطعا السعودية. كما تتطلب وقتا طويلا من الزمن لتحقيق عوائد. وهذا يعني أنه من المتوقع ألا يتمكن القطاع الخاص في السعودية من بناء قاعدة صناعية قوية دون تدخل حكومي فعال وكاف أكثر من مجرد إعطاء تسهيلات مادية. هذه المشكلة أدركتها اليابان في بداية نهضتها الصناعية، وقد تبعتها في التطبيق دول جنوب شرق آسيا ذات الأسواق الناهضة ككوريا وتايوان وماليزيا. وساعد على التطبيق توافر مدخرات عالية.
ما الحل؟ دخول الدولة في التمويل الكلي أو بالحصة الكبيرة. لكن، وكما أوضحت سابقا، أوضاع الميزانية لا تتيح التمويل. وادخار الناس غير مناسب. ومن ثم جاءت فكرة الطرح، بما يحقق في الوقت نفسه، تنويعا في الاستثمار الحكومي. بدلا من ملكية حكومية كاملة لـ"أرامكو" تبيع حصصا صغيرة منها بالتدريج على أن يبقى معظم الملكية للدولة. وتستخدم عوائد البيع لتمويل تلك المشاريع الاستثمارية.
يقوي الأخذ بذلك الحل أن تحقيق هدف تقليل الاعتماد على مداخيل النفط وشركته «أرامكو» أساس من أسس تبني ولي العهد والدولة للطرح.
تطبق على "أرامكو" ضريبة الدخل. وسيستمر التطبيق طبعا بعد الطرح. وأتوقع أن يؤدي ذلك مع الوقت إلى التطبيق على استثمارات وشركات محلية أخرى، بما يعوض الدولة عن العوائد المفقودة جراء البيع. مع تحقيق هدف تعميق التنويع لمصادر الدخل. هذا التحقيق يتطلب جودة تصميم وتنفيذ. وهو المرجو بتوفيق الله ومشيئته.
نقلا عن الاقتصادية