أظهرت مؤشرات أداء الميزانية الحكومية خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام المالي الجاري، انخفاض حجم العجز المالي 22.7 في المائة، مستقرا عند 37.8 مليار ريال عن فترة الأرباع الثلاثة الماضية من العام المالي الجاري، مقارنة بنحو 49.0 مليار ريال عجزا ماليا عن الفترة نفسها من العام المالي السابق. وانخفضت وفقا لذلك نسبة العجز المالي من 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى ما دون 1.7 في المائة بنهاية الأرباع الثلاثة الماضية من العام الجاري، ما أدى بدوره إلى تباطؤ النمو السنوي للدين العام من مستواه المرتفع الذي وصل إليه بنهاية الربع الثالث من العام المالي السابق البالغ 46.2 في المائة (549.5 مليار ريال)، منخفضا إلى مستوى نمو سنوي عند 19.3 في المائة، ومستقرا بنهاية الفترة عند 655.6 مليار ريال بما لا يتجاوز 22.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أظهرت مؤشرات أداء الميزانية الحكومية للفترة نفسها؛ تباطؤ النمو السنوي للإيرادات النفطية عن الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى 5.3 في المائة، مقارنة بنموه السنوي بنسبة 47.1 في المائة عن الفترة نفسها من العام المالي السابق، نتيجة تراجع وتذبذب أسعار النفط العالمية خلال الفترة الماضية من العام، لتستقر بنهاية الفترة عند أعلى من 475.8 مليار ريال "66.7 في المائة من إجمالي الإيرادات، مقارنة بنسبة 68.2 في المائة للفترة نفسها من العام السابق". وسجلت للفترة نفسها الإيرادات غير النفطية ارتفاعا 12.5 في المائة "47.8 في المائة للفترة نفسها من العام الماضي"، لتستقر بنهاية الفترة عند 237.5 مليار ريال "33.3 في المائة من إجمالي الإيرادات، مقارنة بنسبة 31.8 في المائة للفترة نفسها من العام السابق"، ونتج التحسن في مستوى الإيرادات غير النفطية بالدرجة الأكبر عن الارتفاع القياسي في إيرادات الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 38.4 في المائة "تشكل 48.5 في المائة من إجمالي الإيرادات غير النفطية".
أما على مستوى المصروفات الحكومية، فلم يتجاوز نموها السنوي عن فترة الأرباع الثلاثة الأولى من العام المالي الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي السابق 5.5 في المائة، مقارنة بارتفاعها خلال الفترة نفسها من العام الماضي 24.6 في المائة، مستقرة بنهاية الفترة عند 751.2 مليار ريال، كانت محصلته التفصيلية ارتفاعا بنسبة أدنى في بند المصروفات الجارية للفترة نفسها 4.6 في المائة، مقارنة بارتفاعها خلال الفترة نفسها من العام الماضي 26.9 في المائة، لتستقر عند 629.5 مليار ريال "83.8 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية للفترة"، وسجلت المصروفات الرأسمالية ارتفاعا سنويا أعلى وصل إلى 10.3 في المائة، لتستقر بدورها عند 121.7 مليار ريال "16.2 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية للفترة".
وبالنظر إلى متحصلات الإيرادات الأخرى غير النفطية، وبالتركيز على مجموع الرسوم والضرائب "الإيرادات الضريبية" نسبة إلى الاقتصاد الوطني، وإلى الناتج الإجمالي للقطاع الخاص، تظهر المؤشرات ارتفاعها إلى 7.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "4.2 في المائة لسنة الأساس 2016"، وإلى 11.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي "5.6 في المائة لسنة الأساس 2016"، وإلى 17.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص "8.3 في المائة لسنة الأساس 2016".
تكشف دراسة وتحليل الميزانية العامة التوجهات القائمة للسياسات والبرامج الاقتصادية المختلفة، وبناء عليها تجد بقية المنشآت والعاملين في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، يتطلعون إلى معرفة نتائج الميزانية العامة، ومن ثم يقومون برسم وتحديد برامجهم وخططهم للعام المالي الجديد، وهو الأمر الذي ترتفع أهميته بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، لما يمثله الإنفاق الحكومي لدينا من أهمية قصوى تفوق نسبتها أعلى من ثلث حجم الاقتصاد الوطني.
كما تبرز مؤشرات أداء الميزانية الحكومية ذات الأهمية على مستوى المراقبة، بدءا من مراقبة تطورات العجز المالي - إن وجد، والبحث في أسبابه ونشأته، ونسبته إلى حجم الاقتصاد الوطني، وكيفية تمويله "محليا، خارجيا"، ومتابعة اتجاهه صعودا أو هبوطا خلال الفترة التي سبقت أحدث بيان، وعلاقة ذلك بحجم الدين العام. تأتي لاحقا متابعة تطورات البنود التفصيلية لكل من الإيرادات والمصروفات الحكومية، بالنظر إلى قدرة المالية العامة على رفع حصيلتها من الإيرادات، وتحديدا الإيرادات غير النفطية المستهدف العمل على رفعها فترة بعد فترة، وبالنظر إلى ترشيد المصروفات الحكومية في جانب الإنفاق الجاري بالدرجة الأولى، ورفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع بالدرجة الأولى لهذا الجزء، كونه الأكثر عرضة للمبالغة وسوء التصرف والفساد، عدا أهميته بالنسبة إلى سرعة تنفيذ المشاريع التنموية اللازمة للبلاد والعباد.
وقد عكست التطورات الأخيرة لأداء الميزانية الحكومية، قدرة عالية على استمرار ضبط حدود العجز المالي، والسيطرة عليه وعدم انفراطه بالتركيز أولا على ترشيد الإنفاق الحكومي في جانبيه الجاري والرأسمالي، ودون التأثير في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، لما يمثله الإنفاق الحكومي حتى تاريخه من دور بارز في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، والعمل على تحقيق التنمية الشاملة المستدامة للاقتصاد والمجتمع، وهو الدور الجاري العمل على تخفيف الاعتماد عليه مستقبلا، والعمل عوضا عنه على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
كما تمكنت السياسة المالية العامة من تنشيط متحصلات الإيرادات الحكومية غير النفطية بمعدل مقبول، ودون الإضرار بمقدرات الاقتصاد الوطني، وتحديدا القطاع الخاص والمجتمع، وسيظل هدف الاستمرار في رفع متحصلات ذلك البند من الإيرادات هدفا استراتيجيا، وسيظل تحقيقه متناميا بالموازاة مع ارتفاع قدرات القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني، وهو الأمر المرتبط بكل تأكيد بنجاح بقية السياسات الاقتصادية الأخرى، وعملها الدؤوب على تعزيز وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وزيادة التشغيل والإنتاج بالتزامن مع محاربة أشكال الاحتكار والاكتناز والتستر التجاري كافة. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية