معروف أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط لعام 2014 تسبب في تراجع كبير لعوائد الدول النفطية، وضعف نموها الاقتصادي. لكن الدول تتفاوت في مدى تأثرها من نزول دخل النفط. وكان هذا موضوع ورقة بحثية لصندوق النقد الدولي صدرت في هذا الشهر أكتوبر بعنوان "تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية الكلية على ثلاث دول متنوعة مصدرة للنفط: السعودية وروسيا وبريطانيا" Macroeconomic Effects of Reforms on Three Diverse Oil Exporters: Russia, Saudi Arabia, and the UK جرى بناء نموذج اقتصادي لدراسة انتقال وتأثير الصدمات النفطية في تلك الدول الثلاث. ولا أرى أن المقال مكان مناسب لاستعراض هذا النموذج، بل ما يهم هنا هو عرض مبسط لأساسياته وخلاصته.
تعافى الاقتصاد الروسي من انكماشي 2015 و2016 مع تحرك السلطات الروسية وارتفاع أسعار النفط. لكن معالم المدى المتوسط تشير إلى مشكلات بنيوية في الاقتصاد الروسي، متزامنة مع آثار العقوبات الغربية ضد روسيا. أما ما يخص بلادنا السعودية فقد بادرت الدولة بعد 2016 بزيادة الإنفاق الحكومي، ومصدر الزيادة عجز وسحب من الاحتياطي. لكن الدولة سارعت بإدخال إصلاحات تحت "رؤية 2030"، وأخذا في الحسبان الأوضاع والتطورات السابقة حاولت ورقة الصندوق تسليط الضوء على أربعة أسئلة:
الأول: ما الذي يحرك تذبذب الإنتاج في السعودية وروسيا، مقارنة ببريطانيا بالنظر إلى أن قطاع النفط في الاقتصاد البريطاني المتطور يشكل جزءا كبيرا؟
الثاني: ما تأثير تدخل أقل للحكومة في الاقتصاد أخذا في الحسبان البنية الهيكلية في السعودية وروسيا؟ ويتبع ذلك ما نوع توجهات المالية العامة الأكثر مناسبة؟
الثالث: إلى أي حد يتضرر الاقتصاد السعودي أو الروسي من جراء توجه العالم نحو تقليل الاعتماد على النفط المستخرج من باطن الأرض؟
الرابع: ما الذي يمكن أن يتعلمه كل من السعودية وروسيا من تجارب بريطانيا في عقد التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، إثر سياسات تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وأعوام من انخفاض أسعار النفط؟
ما أظهرته نتائج الدراسة أن التحديات لكلا البلدين السعودية وروسيا تبقى في إعطاء عناية قوية لسياسات اقتصادية كلية تستند إلى رسوخ. وهنا تحديان الأول في تطبيق هذه السياسات، والتحدي الآخر في سياسات هيكلية تصحيحية في توزيع الموارد، بما يرسخ الناتج المرجو أو المتوقع. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن ينمو الناتج المتوقع عندما يعاد توزيع الموارد من يد عاملة ورأسمال يعاد من منشآت وقطاعات ذات إنتاجية حدية أقل، إلى تلك المنشآت والقطاعات ذات الإنتاجية الحدية الأعلى. والمقصود بالحدية أي الزيادة في الإنتاج الناشئة من الزيادة في استخدام الموارد. كما ينبغي على السلطة تركيز النمو في الإنفاق الحكومي على بنود أكثر دعما للنمو الاقتصادي، وعلى التطوير والأبحاث في هذا السبيل. وضمن هذا التوجه في النمو ينبغي حفز المؤثرات الإنتاجية الإيجابية بين قطاع النفط والقطاعات الأخرى.
أظهرت النتائج أنه ليس فقط يتفاعل الناتج المحلي بطريقة مختلفة للصدمات، نظرا لاختلاف بنية اقتصادات الدول لكنه أيضا يتفاعل تبعا لبنية المالية العامة. فمثلا، لوحظ أن روسيا ستنتفع من تدخلات حكومية أقل، لكن السعودية بالعكس ستتضرر، إلا في حالة إعادة هيكلية، تعمل على إبعاد أو تقليل الجمود في بنية الاقتصاد والمالية العامة.
امتدحت ورقة الصندوق الإصلاحات الاقتصادية السعودية المعروفة بـ"رؤية 2030". وكان ذلك بناء على معايير قياسية، مثل إعادة إصلاح الدعم الحكومي وإصلاحات تشهدها سوق العمل السعودية، وإصلاحات ترمي إلى تهميش أو تقليل عوائق أمام نمو الاقتصاد غير النفطي، ونمو الصادرات غير النفطية، وإصلاحات يشهدها القطاع المالي.
رغم أن مدة وفترة الإصلاحات كانت خارج نطاق عينة دراسة ورقة الصندوق، إلا أن الورقة أكدت أن التطبيق سيؤدي إلى الآثار والنتائج المرغوب فيها. ومن ثم أوصت ورقة صندوق النقد الدولي، السعودية وروسيا بالتوسع في جهود تعميق تنويع بنية اقتصاداتها. وهنا أشير إلى توصيات سابقة للصندوق حول تنمية القطاع غير النفطي، وتعزيز بيئة الأعمال، وأهمية التنفيذ الحذر للسياسات الصناعية بما يشجع تطوير قطاعات اقتصادية جديدة. ويرى أن من المهم وضع معايير صارمة للأداء. وأكد أن قوة نجاح تطوير قطاعات اقتصادية جديدة مرتبطة بتوافر يد عاملة سعودية ماهرة وبحوافز وأجور تنافسية. وفي هذا من المهم الاتساق القوي بين الأجور والإنتاجية.
من المهم جدا التأني والتدرج في تطبيق الإصلاحات. ومن المهم حماية الأسر ذات الدخل المنخفض من الآثار غير الإيجابية.
نقلا عن الاقتصادية
تعافى الاقتصاد الروسي من انكماشي 2015 و2016 مع تحرك السلطات الروسية وارتفاع أسعار النفط. لكن معالم المدى المتوسط تشير إلى مشكلات بنيوية في الاقتصاد الروسي، متزامنة مع آثار العقوبات الغربية ضد روسيا. أما ما يخص بلادنا السعودية فقد بادرت الدولة بعد 2016 بزيادة الإنفاق الحكومي، ومصدر الزيادة عجز وسحب من الاحتياطي. لكن الدولة سارعت بإدخال إصلاحات تحت "رؤية 2030"، وأخذا في الحسبان الأوضاع والتطورات السابقة حاولت ورقة الصندوق تسليط الضوء على أربعة أسئلة:
الأول: ما الذي يحرك تذبذب الإنتاج في السعودية وروسيا، مقارنة ببريطانيا بالنظر إلى أن قطاع النفط في الاقتصاد البريطاني المتطور يشكل جزءا كبيرا؟
الثاني: ما تأثير تدخل أقل للحكومة في الاقتصاد أخذا في الحسبان البنية الهيكلية في السعودية وروسيا؟ ويتبع ذلك ما نوع توجهات المالية العامة الأكثر مناسبة؟
الثالث: إلى أي حد يتضرر الاقتصاد السعودي أو الروسي من جراء توجه العالم نحو تقليل الاعتماد على النفط المستخرج من باطن الأرض؟
الرابع: ما الذي يمكن أن يتعلمه كل من السعودية وروسيا من تجارب بريطانيا في عقد التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، إثر سياسات تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وأعوام من انخفاض أسعار النفط؟
ما أظهرته نتائج الدراسة أن التحديات لكلا البلدين السعودية وروسيا تبقى في إعطاء عناية قوية لسياسات اقتصادية كلية تستند إلى رسوخ. وهنا تحديان الأول في تطبيق هذه السياسات، والتحدي الآخر في سياسات هيكلية تصحيحية في توزيع الموارد، بما يرسخ الناتج المرجو أو المتوقع. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن ينمو الناتج المتوقع عندما يعاد توزيع الموارد من يد عاملة ورأسمال يعاد من منشآت وقطاعات ذات إنتاجية حدية أقل، إلى تلك المنشآت والقطاعات ذات الإنتاجية الحدية الأعلى. والمقصود بالحدية أي الزيادة في الإنتاج الناشئة من الزيادة في استخدام الموارد. كما ينبغي على السلطة تركيز النمو في الإنفاق الحكومي على بنود أكثر دعما للنمو الاقتصادي، وعلى التطوير والأبحاث في هذا السبيل. وضمن هذا التوجه في النمو ينبغي حفز المؤثرات الإنتاجية الإيجابية بين قطاع النفط والقطاعات الأخرى.
أظهرت النتائج أنه ليس فقط يتفاعل الناتج المحلي بطريقة مختلفة للصدمات، نظرا لاختلاف بنية اقتصادات الدول لكنه أيضا يتفاعل تبعا لبنية المالية العامة. فمثلا، لوحظ أن روسيا ستنتفع من تدخلات حكومية أقل، لكن السعودية بالعكس ستتضرر، إلا في حالة إعادة هيكلية، تعمل على إبعاد أو تقليل الجمود في بنية الاقتصاد والمالية العامة.
امتدحت ورقة الصندوق الإصلاحات الاقتصادية السعودية المعروفة بـ"رؤية 2030". وكان ذلك بناء على معايير قياسية، مثل إعادة إصلاح الدعم الحكومي وإصلاحات تشهدها سوق العمل السعودية، وإصلاحات ترمي إلى تهميش أو تقليل عوائق أمام نمو الاقتصاد غير النفطي، ونمو الصادرات غير النفطية، وإصلاحات يشهدها القطاع المالي.
رغم أن مدة وفترة الإصلاحات كانت خارج نطاق عينة دراسة ورقة الصندوق، إلا أن الورقة أكدت أن التطبيق سيؤدي إلى الآثار والنتائج المرغوب فيها. ومن ثم أوصت ورقة صندوق النقد الدولي، السعودية وروسيا بالتوسع في جهود تعميق تنويع بنية اقتصاداتها. وهنا أشير إلى توصيات سابقة للصندوق حول تنمية القطاع غير النفطي، وتعزيز بيئة الأعمال، وأهمية التنفيذ الحذر للسياسات الصناعية بما يشجع تطوير قطاعات اقتصادية جديدة. ويرى أن من المهم وضع معايير صارمة للأداء. وأكد أن قوة نجاح تطوير قطاعات اقتصادية جديدة مرتبطة بتوافر يد عاملة سعودية ماهرة وبحوافز وأجور تنافسية. وفي هذا من المهم الاتساق القوي بين الأجور والإنتاجية.
من المهم جدا التأني والتدرج في تطبيق الإصلاحات. ومن المهم حماية الأسر ذات الدخل المنخفض من الآثار غير الإيجابية.
نقلا عن الاقتصادية