مدن والمصانع النموذجيّة

29/09/2019 0
عبدالله الدبيخي

في السنوات الأخيرة عملت "الهيئة السعودية للمدن الصناعيّة ومناطق التقنية" المعروفة باسم "مدن"، على إنشاء مصانع نموذجيّة بمساحات صغيرة ومتكاملة، عبر إنشاءات تتناسب مع مختلف الصناعات، وكذلك خدمات متنوّعة يحتاجها أيّ مصنع؛ مثل خدمات الماء والكهرباء والمكاتب والصرف الصحيّ، وسهولة المداخل والمخارج. وكلّ هذه التسهيلات هي لتيسير عملية التصنيع للمصانع الصغيرة ذات رؤوس الأموال المنخفضة، حيث أنها -هذه المصانع الصغيرة- عادةً لا تحتاج لأماكن واسعة أو أيدي عاملة عديدة أو مكاتب فسيحة وكثيرة.

الفكرة رائعة وجميلة، ونجاحها باعتقادي يكمن في إتقان التفاصيل، وهي ما سأتحدث عنه الآن. فالرياديين من أبناء الوطن، عندما يتقدّمون لبدء أعمالهم ومشاريعهم بهذه المصانع، فإنهم يُواجهون أعباءً ماديّة مرهقة، مع العلم أنّ اتجاههم إلى "مدن" هو غالبًا بسبب إمكاناتهم المحدودة في الضخ المالي، وتبدأ مشاكلهم من شحّ الأيدي العاملة؛ وتحديدًا الموظف السعودي، لبُعد "مدن" عن الأماكن المأهولة بالسكّان، وعدم توفّر وسائل نقل عامة، مرتبطة بشكل مباشر وسريع مع بقيّة المحافظات والمناطق الكبيرة.

ومن ضمن الأمور التي تعتبر عائقًا لروّاد المجال الصناعي في دخول "مدن"، هو الإيجار المرتفع لهذه المصانع، ويُدفع بشكل سنوي؛ وليس شهري أو ربع سنوي على سبيل المثال، كما أنّها لا تحتوي على مزايا تنافسيّة فيما يتعلّق بالفواتير، كالكهرباء، التي يجد معها الريادي صعوبة بالغة لاحتياج المصانع إلى هذه الطاقة بشكل مستمرّ، ومن ضمن المزايا المفقودة؛ التسهيلات للتمويل التنموي من البلد، مثل القرض الصناعي من "صندوق التنمية الصناعي السعودي"، أو برنامج كفالة من "منشآت"، أو تمويل مشاريع التميّز من "بنك التنمية الاجتماعيّة"، فالشاب الذي جاء إلى "مدن" هو مبتدئ في مجال الصناعة، ويحتاج إلى دعمٍ وتمكين من كلّ النواحي.

شبابنا وبناتنا لديهم أفكارٌ مميّزة، لكنّ قدراتهم الماليّة محدودة، والتجربة بالنسبة لهم جديدة، والسوق فيه مخاطر عالية، وثقافة الصناعة المحليّة ليست ناضجة، جميع هذه العوامل تُشكّل عقبات شاقة في الوصول إلى النتائج المأمولة، فلابدّ من احتواء هذه القدرات وتأهيلها لتُصبح جاهزة للتطوير، ومن ثمّ تحويلها لمصانع كبيرة. وهو أمرٌ يتطلّب دعمًا كبيرًا؛ خاصة في البدايات، وأشير للخدمات كثيرًا، لأنها تستهلك أموالًا طائلة. وهي نقاط أجزم أنّ "مدن" قادرة على توفيرها بكلّ يُسر وسهولة بإذن الله.

المصانع النموذجيّة التي نطمح لها، عبر اكتمال تجربة مصانع مدن -والمجال الصناعي بالعموم- ستتجاوز الأدوار التجاريّة التقليديّة؛ إلى مراحل متقدّمة تساهم فعليًا في تحقيق نموّ اقتصادي سعودي مذهل إن شاء الله، والجيل الصناعي الجديد هو فرصة سانحة، لذا يجب أن نفكّر مليًا في جعله قادر على المنافسة والحضور، خاصةً أنّ الأرقام التي تقوم بها "مدن" عظيمة وتستحق الشكر، فنحن نتحدث عن 35 مدينة صناعية، تضمّ 3474 مصنعًا، يعمل فيها 435,000 عاملًا، بـ469 مبنى كمرافق عامة، و9,647 وحدة سكنيّة.

اكتمال تجربة "مدن" سينقل المصانع ذات المنتجات الصغيرة من الخارج إليها، وهذا يُرتبّ العمل، ويُكمل المنظومة الصناعيّة، ويسمح بالتقاء العقول النيّرة، ويساعد باحتكاك التجّار الجدد مع كبار التجّار، وأخذ الخبرة منهم؛ وفهم السوق بصورة أدقّ، وكذلك قربهم من "مدن" يُسرّع من معرفة احتياجاتهم بناءً على تجاربهم اليوميّة، ويجعل البيئة حيويّة وذات أبعاد تطويريّة، ويُتيح فرص نوعيّة للسوق السعودي، وغير مسبوقة.

خاص_الفابيتا