تتكرر هذه الأيام عبارات ركود وانكماش وكساد وانهيار اقتصادي. وتجد أن بعض الناس يقرأون عبارات مثل أن الاقتصاد العالمي على وشك الوقوع في ركود، فتجدهم يفسرونها أنه على وشك الانهيار، ثم يدخلون مع آخرين في جدال. ولو تمعنت لوجدت أن أساس الجدال هو وجود خلاف أو سوء فهم في المعنى المقصود من مسميات ومصطلحات، وهذا يحدث في عالم الاقتصاد، وفي غيره من العوالم.
الترجمة أحد أسباب الخلاف أو سوء الفهم، لأن المفاهيم الاقتصادية الحديثة نشأت وتطورت عادة في الغرب، ثم تأتي الترجمة، لكنه يحدث أحيانا أن تختار وتنتشر ترجمة ليست الأنسب أو غير مطابقة لمعنى مصطلح اقتصادي إنجليزي.
الانكماش المقابل لكلمة recession يعني تقنيا، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي "أي بعد استبعاد أثر التضخم" انخفاضا معتدلا يستمر أكثر من ربعين متتاليين، أي أكثر من ستة أشهر متتالية، متسببا في تقلص حجم الإنتاج في الاقتصاد، ويستمر عادة لمدة دورة اقتصادية.
إذا انخفض معدل نمو الناتج دون أن يتقلص حجم الإنتاج، فهل يسمى انكماش recession؟ هذا ليس موضع اتفاق، ذلك أن التباطؤ في معدلات النمو والإنفاق يشعر به أو يفسره الناس على أنه انكماش recession، خاصة إذا جاء بعد فترة نمو مرتفع.
ماذا بشأن الركود؟ إذا بقي الناتج الحقيقي على حاله دون نمو أو انخفاض فهذا ركود، وهذه حالة نادرة الوقوع، ولذا يندر بحثها ونقاشها، وأحيانا يعبر بالعربي بكلمة ركود لتعني recession.
وإذا كان الانخفاض الحقيقي كبيرا وطال زمنه فإنه يسمى depression التي ترجمت إلى كساد، وقد تترجم إلى انهيار، وقد يرى البعض أن الانهيار كساد بصورة قوية.
كان الاقتصاديون التقليديون "الكلاسيكيون" مطلع القرن الميلادي الماضي يرون أن الانكماش أو الكساد مؤقتان بطبيعتهما، لأن سوق العمل تتكيف وفق مستويات سعرية جديدة، ما يدفع الاقتصاد في النهاية إلى نقطة توازن جديدة.
لكن الكساد الكبير Great Depression في الغرب في الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي، دفع كينز الاقتصادي البريطاني المشهور إلى النظر بشك كبير في منهجية التقليديين في فهم كيف يعمل الاقتصاد، وآلية عمل السوق، وانتهى إلى أنه في ظل فترات طويلة من الركود، فإن الأسواق لا تستجيب وتتوازن تلقائيا، لأسباب كثيرة، ربما كان أهمها جمود الأجور، حيث يصعب جدا على الشركات خفض الأجور عند حلول الركود، حتى لو خفضت الأجور، فهذا يترجم إلى خفض القدرة الشرائية.
أسباب الانكماش أو الكساد
بعض الأسباب محلي المنشأ، وغالبا جراء أخطاء في سياسات صانعي القرار، مثلا، قد تسهم قرارات السلطات المالية أو النقدية بالتأثير السلبي في النشاط الاقتصادي، مثل زيادة العرض النقدي أقل من اللازم، أو بسرعة بطيئة عن اللازم،
وقد تكون الأسباب خارجية، فمثلا، انخفاض أسعار النفط، ومن ثم إيراداته بصورة قوية خلال العقد الأول من القرن الهجري الحالي، عقد الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي تسبب في وقوع المملكة في انكماش اقتصادي قوي منذ أواسط ذلك العقد، واستمر سنوات.
وتكرر الأمر خلال عامي 2015 و2016 والنصف الأول من عام 2017، بسبب انخفاض أسعار النفط انخفاضا كبيرا، بعد فترة نمو اقتصادي مرتفع. "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم". فقد ظهرت "رؤية 2030"، التي تستهدف بناء اقتصاد متين غير معتمد بصورة مفرطة على دخل النفط.
هل العالم مقبل على كساد؟
تنتشر بين وقت ووقت تعبيرات متشائمة عن أوضاع اقتصاد العالم. في رأيي أن الكساد مستبعد وقوعه، لكن الانكماش ممكن، ولمزيد من التفاصيل أرجو الاطلاع على مقالي بعنوان "توقعات نمو الاقتصاد العالمي 2019"، منشور في 7 يناير من هذا العام.
خصائص وآثار مصاحبة لأي انكماش أو كساد
- انخفاض الطلب على الإنتاج، ما يوجد طاقة إنتاجية معطلة.
- انخفاض في الإنفاق الاستثماري والإنفاق الاستهلاكي.
- نزول أسعار الأسهم.
- خفض معدلات التوظيف، وطبعا تزيد معه البطالة.
- خفض الضغوط التضخمية على سوق العمل، مع زيادة العطالة.
- نزول كبير في الثقة والربحية لدى أوساط الأعمال والشركات.
- انخفاض الطلب على الواردات.
- توسع كبير في الاقتراض الحكومي.
نقلا عن الاقتصادية
مقال رائع وعميق شكرا دكتور
{} خصائص وآثار مصاحبة لأي انكماش أو كساد :: ١- انخفاض الطلب على الإنتاج، ما يوجد طاقة إنتاجية معطلة. ٢- انخفاض في الإنفاق الاستثماري والإنفاق الاستهلاكي. ٣- نزول أسعار الأسهم. ٤- خفض معدلات التوظيف، وطبعا تزيد معه البطالة. ٥- خفض الضغوط التضخمية على سوق العمل، مع زيادة العطالة. ٦- نزول كبير في الثقة والربحية لدى أوساط الأعمال والشركات. ٧- انخفاض الطلب على الواردات. ٨- توسع كبير في الاقتراض الحكومي. هل فعلا قد تحقق عدد (٦) من ٨ ما هو أعلاه من خصائص وآثار مصاحبة لأي انكماش أو كساد؟