"كُل بسرعة" و تحفيز الابتكار

29/04/2019 1
عاصم الرحيلي

أثناء تواجدي في أحد المطاعم سمعت ام تقول لابنها الصغير " كل بسرعة" لا اعرف لماذا استوقفتني هذه العبارة، ثم قمت باسترجاع الذكريات وفترة الطفولة وتذكرت ان مثل هذه العبارات تقال للأطفال دائما، لكن لماذا بسرعة؟ ما الحكمة من ذلك، اليوم انا اعرف يقينا أن الأكل البطيء أكثر صحية من الاكل السريع كون الجسم يحتاج الى وقت للشعور بالشبع، وبعد تفكير أقرب اجابة توصلت لها أن هذه العبارة مرتبطة بالتاريخ الاقتصادي لسكان المملكة، وقبل الطفرة، فترة الفقر والجوع، لمحدودية الطعام كانت مهارة الاكل السريع ضرورية، والأمهات يحرصن أن أبنائهن يحصلون على الطعام الكافي قبل أن ينقضي. لكن اليوم تغير الحال لكن لماذا مازالت مثل هذه العبارات عالقة في تفكيرنا وما زلنا نستخدمها؟ في تصوري أننا بطبيعة الحال نبني طرقنا وأساليب التربية بناء على ما تم تربيتنا عليه مع تغيير طفيف او كبير، مثل هذه العبارات لم يتم تمحيصها وبالتالي مازلنا نستخدمها!! مع عدم حاجتنا لها ونحن في اقتصاد مزدهر

كذلك كل حقبة اقتصادية مرت على المملكة لها تأثيرها علينا الى اليوم بدرجات مختلفة بالطبع وبعض اثارها مازالت عالقة في أذهاننا ، ومن ذلك فترة الطفرة ، بداية من عام ١٩٧٣ الى ١٩٨١ ، كانت الايرادات النفطية في عام ١٩٧٢ حوالي ١٣ مليار ريال حتى وصلت الى ٣٣٠ مليار ريال عام ١٩٨١، هذه القفزة الكبيرة في حجم الايرادات كان لها أثرها الكبير في زيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير جدا وايضا طريقة نظرة الناس للحكومة، لذلك لا تستغرب ان الكثيرون اليوم مازالوا يرون ان العلاقة بينهم وبين الدولة علاقة ابوية، ويتصور ان الدولة مسؤولة عنه في كل الجوانب، حتى عندما يتخذ قرارات خاطئة ويكون لها عواقب مالية وخيمة تجده يتلفت يمنة ويسرة يبحث عن " الأب" الذي سينقذه ويعوضه ،مع العلم ان هذا الابن لم يكن يشارك الدولة اي ارباح ولم يكن يدفع أي ضرائب، و لأثبت ذلك دعونا نعود بذاكرتنا للوراء، عام ٢٠٠٦ وتحديدا يوم ٢٦ فبراير ، بداية انهيار السوق السعودي لتنخفض قيمة مؤشر السوق السعودي بنهاية ٢٠٠٦ بحوالي ٦٥٪، حينها الكثير من المستثمرين بدأ بتصور ان الدولة ستنقذه، والعجيب ان بعضاً ممن يُعتد برأيه اقتصادياً بدأ يطالب في السر والعلن أن الدولة يجب أن تتدخل وتنقذ ما يمكن انقاذه، في تلك الفترة كنت قاسيا في نقدي لتفكيرهم ومطالبتهم ولا اجد مبرراً منطقياً لذلك ، اليوم بدأت اربط مطالبتهم بفترة الطفرة وافكارها العالقة في اذهاننا، وفهمت المعادلة، بكل بساطة مازالوا يرون الدولة " الاب" مطالباً بالتزامات هذه الابوة!!

اليوم، لدينا رؤية وهدف، بحلول ٢٠٣٠ سيكون لدينا مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر ووطن طموح ولتحقيق هذه الرؤية تحركت جميع أجهزة الدولة والمواطنين لسعي لتحقيقها. 

أحد برامج الرؤية برنامج تطوير القطاع المالي، وأحد ركائزه الاستراتيجية تعزيز وتمكين التخطيط المالي (الادخار، وما الى ذلك) وعلى ضوء ذلك قامت الجهات الحكومية المعنية بعدة مبادرات للوصول لهذه الاهداف، بالطبع لم يغفلوا عن أهمية الابتكار من قبل القطاع المصرفي وأهمية هذا القطاع ودوره الجوهري، لكن بسبب الافكار العالقة منذ فترة الطفرة مازال البعض يرى أن العلاقة الابوية مازالت قائمة ولابد من توجيه هذا القطاع ووضع خارطة الطريق له والدخول في كل تفصيل. وهذا في نظري خطأ كبير وفادح!! اقتصادنا تطور تطوراً كبيراً، والطفل الصغير أصبح رجلاً ناضجاً كفاية ليتخذ قرارات أكثر حكمة، ويعرف مصلحته، كل المطلوب منك أن تقلل تلك القيود " دعه يعمل دعه يمر".

وجهة نظري ان المنافسة في أي قطاع هي الدافع الأساسي خلف الابتكار والتطوير. الجهات الربحية إذا لم تضطر للابتكار لأسباب ربحية، فلن تستثمر في التطوير والابتكار. فبالتالي ينبغي دفع القطاع لمزيد من المنافسة وسيكون حافز الربح للجميع هو المحرك والحافز الأساسي.

التنظيمات والموافقات الرسمية لكل تفصيل يقوم به البنك هي جزء من العقبات. ينبغي وضع إطار عام وترك البنوك والشركات تعمل ضمنه بدلا من تنظيم كل عملية ومنتج وفكرة.

الشركات الناشئة في القطاع التقني (Fintech) تواجه صعوبة كبيرة جدا في الحصول على تصاريح من الجهات التنظيمية مثل مؤسسة النقد وغيرها. والشركات الاجنبية تواجه صعوبات مماثلة مما يجعل دخول السوق شبه مستحيل.

النقص الحاد في الكفاءات التقنية المؤهلة في ظل نمو التوظيف من قبل الجهات الحكومية وشبه الحكومية الجديدة يجعل استقطاب الكفاءات بالنسبة للشركات الناشئة شبه مستحيل. وتضطر الكثير من الشركات التقنية للعمل في دول مجاورة لسهولة التوظيف واستقطاب الكفاءات من اسواق اخرى بالرغم من استهدفهم للسوق السعودي.

التركيز من المفترض أن ينصب على خلق بيئة محفزة للابتكار والمبتكرين وتنافسهم بشكل كبير مع شركات محلية وخارجية وسيكون الربح والنجاح هو الدافع الأساسي لتحقيق زيادة في وتيرة الابتكار داخل المملكة ومما يصب في مصلحة الجميع.

اليوم نرى أمثلة ناجحة لدول سبقتنا في هذا المجال، على سبيل المثال " سيلكون فالي" مثال رائع يحتذى به، كيف لمنطقة صغيرة في ولاية كاليفورنيا تصل لقيمة تتجاوز ٣ تريليون دولار بدون تدخل اجهزة الدولة لتوجيه كل خطوة يقوم بها القطاع الخاص؟!

بالطبع لم يكن عبر وضع الكثير من الإجراءات والقيود.

كل ما هنالك توفر بيئة جاذبة للاستثمار وقانون حماية فكرية مثير للإعجاب والنتيجة ابتكارات بدون توقف لأنه بكل بساطة " رأس المال مثل السيل يدل دربه".

احيانا المطلوب فقط ان نتحرر من " كُل بسرعة " والابتكار سيجد طريقة.

خاص_الفابيتا