يبدي بعض الكتاب آراء، فحواها أن علم الاقتصاد معبر عن قيم وثقافة الغرب. هذا كلام غير دقيق، بل هو أقرب إلى عدم الصحة. وكثيرا ما يكون مصدر الغلط أن أولئك الكتاب استندوا إلى نظريات قيلت في ظروف بعينها، وتوهموا أن هذا النظريات تمثل أصل ومنهج العلم، أو أنها تكتسب الدوامين الزمني والمكاني.
أصول علم الاقتصاد أي الأسس التي يقوم عليها علم الاقتصاد، ويسميها بعض الاقتصاديين معايير علم الاقتصاد Economics standards. ومنهجية البحث فيه عالمية غير مختصة بالغرب في مجملها. وهنا قائمة بما أراه أهم هذه الأصول:
1. الموارد ليست مفتوحة، بل لها حدود، ولكن الرغبات غير محدودة.
2. الاختيار.
3. ليس هناك "تقريبا" شيء مجانا.
4. دور الأسواق والأسعار والمنافسة.
5. دور السلطات والمؤسسات والتنظيمات والقوانين والنظم.
6. دور الحوافز.
7. دور النقود.
8. دور الاستثمار.
9. دور التكاليف والمنافع الحدية والكلية.
يقوم علم الاقتصاد على أن الأصول السابقة ومنهجية البحث فيها ليست خاصة بمجتمع بعينه، بل تنطبق على وتؤثر في تصرفات عموم البشر. ولا يعني ذلك أن أفراد البشر متساوون في مستوى التأثر. كما لا يعني إنكار وجود قوى أو عوامل مؤثرة تستند إلى الثقافة السائدة، بغض النظر عن مصدر هذه الثقافة. وهنا مجال للتطرف العلمي. فريق يتجاهل هذه العوامل المستندة إلى الثقافة السائدة، وفريق يتجاهل غيرها.
مثلا، منهجية التحليل لحركة الأسعار لا ترتبط بعادة أو ثقافة بعينها. ما الذي يتغير؟ الذي يتغير مدى أهمية وقوة كل مؤثر في حركة الأسعار. قد يضاف عامل، ويهمل عامل في التحليل النظري، ثم يؤيد ذلك أو لا يؤيده العمل التطبيقي القياسي، ما يتطلب إعادة البناء والتحليل النظري. وهذا هو المتبع في البحث العلمي الاقتصادي. ولذا ليس بصحيح تعميم القول إن علم الاقتصاد لا يراعي البيئات. وإذا وجد باحث أو كاتب لا يميز جيدا هذه الأمور؛ فهذه مشكلته وعلامة كبيرة على مشكلة في قدراته ومهاراته وفهمه.
هناك خلط بين منهجية ومنحى وأدوات التحليل النظري والتطبيقي، التي تصلح لكل بيئة، وهي تعتمد ضمن ما تعتمد على الرياضيات والإحصاء، وبين بناء نظري بعينه، كتطوير نموذج اقتصادي قياسي econometric model لشرح النمو الاقتصادي، أو تأثير الإنفاق الحكومي في بلد بعينه، وكالقول إن سبب ارتفاع سلعة ما هو كذا من العوامل، أو سبب البطالة في دولة ما هو كذا من العوامل. قد يبين التمحيص النظري و/أو التطبيقي وجود خلل في أصل البناء النظري أو التفسير المعطى، ومن ثم حاجته إلى التعديل. وعمل التعديل يتطلب إعادة النظر في طبيعة الأسباب والمؤثرات وكيفية تفاعلها مع بعض. وكل هذا يدركه الراسخون في علم الاقتصاد على درجات.
المشكلة السابقة لا تظهر فقط عند تغير البيئات، بل حتى في البيئة الواحدة، فكل متخصص في علم الاقتصاد يعرف وجود خلافات بين علماء الاقتصاد في تفسير بعض الوقائع الاقتصادية، حتى لواقعة بعينها وفي بلد بعينه، استنادا إلى خلافات في فهم العوامل والأسباب وتقدير قوة تأثيرها. وعندما كنت أعمل باحثا ومستشارا اقتصاديا في إحدى الوزارات قبل سنوات، وأسندت إلي إدارة وتشغيل نموذج اقتصادي كلي قياسي macro-econometric model، الذي سبق أن عمله فريق أمريكي متعاقد مع الوزارة، وجدت فيه عيوبا كثيرة، وبعض العيوب راجع إلى عدم إدراك الفريق الأمريكي الإدراك الجيد لبعض العوامل المحلية المؤثرة، وقد قمت وزميل آخر بإعادة بنائه وتطويره من جديد.
بل لقد ظهرت حقول وفروع تخصصية من علم الاقتصاد تقوم على مراعاة الفروق بين البيئات، فمن الأمثلة وجود الاقتصاد النفطي والاقتصاد الزراعي والاقتصاد البيئي والاقتصاد المؤسسي التحكمي institutional economics واقتصاد المعرفة. وبصفة عامة تسمح منهجية ووسائل وطرق البحث الاقتصادي بتطور فروع وحقول تخصص لبيئات بعينها، وهذه قضية جوهرية معروفة في علم الاقتصاد. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
أصول علم الاقتصاد أي الأسس التي يقوم عليها علم الاقتصاد، ويسميها بعض الاقتصاديين معايير علم الاقتصاد Economics standards. ومنهجية البحث فيه عالمية غير مختصة بالغرب في مجملها. وهنا قائمة بما أراه أهم هذه الأصول:
1. الموارد ليست مفتوحة، بل لها حدود، ولكن الرغبات غير محدودة.
2. الاختيار.
3. ليس هناك "تقريبا" شيء مجانا.
4. دور الأسواق والأسعار والمنافسة.
5. دور السلطات والمؤسسات والتنظيمات والقوانين والنظم.
6. دور الحوافز.
7. دور النقود.
8. دور الاستثمار.
9. دور التكاليف والمنافع الحدية والكلية.
يقوم علم الاقتصاد على أن الأصول السابقة ومنهجية البحث فيها ليست خاصة بمجتمع بعينه، بل تنطبق على وتؤثر في تصرفات عموم البشر. ولا يعني ذلك أن أفراد البشر متساوون في مستوى التأثر. كما لا يعني إنكار وجود قوى أو عوامل مؤثرة تستند إلى الثقافة السائدة، بغض النظر عن مصدر هذه الثقافة. وهنا مجال للتطرف العلمي. فريق يتجاهل هذه العوامل المستندة إلى الثقافة السائدة، وفريق يتجاهل غيرها.
مثلا، منهجية التحليل لحركة الأسعار لا ترتبط بعادة أو ثقافة بعينها. ما الذي يتغير؟ الذي يتغير مدى أهمية وقوة كل مؤثر في حركة الأسعار. قد يضاف عامل، ويهمل عامل في التحليل النظري، ثم يؤيد ذلك أو لا يؤيده العمل التطبيقي القياسي، ما يتطلب إعادة البناء والتحليل النظري. وهذا هو المتبع في البحث العلمي الاقتصادي. ولذا ليس بصحيح تعميم القول إن علم الاقتصاد لا يراعي البيئات. وإذا وجد باحث أو كاتب لا يميز جيدا هذه الأمور؛ فهذه مشكلته وعلامة كبيرة على مشكلة في قدراته ومهاراته وفهمه.
هناك خلط بين منهجية ومنحى وأدوات التحليل النظري والتطبيقي، التي تصلح لكل بيئة، وهي تعتمد ضمن ما تعتمد على الرياضيات والإحصاء، وبين بناء نظري بعينه، كتطوير نموذج اقتصادي قياسي econometric model لشرح النمو الاقتصادي، أو تأثير الإنفاق الحكومي في بلد بعينه، وكالقول إن سبب ارتفاع سلعة ما هو كذا من العوامل، أو سبب البطالة في دولة ما هو كذا من العوامل. قد يبين التمحيص النظري و/أو التطبيقي وجود خلل في أصل البناء النظري أو التفسير المعطى، ومن ثم حاجته إلى التعديل. وعمل التعديل يتطلب إعادة النظر في طبيعة الأسباب والمؤثرات وكيفية تفاعلها مع بعض. وكل هذا يدركه الراسخون في علم الاقتصاد على درجات.
المشكلة السابقة لا تظهر فقط عند تغير البيئات، بل حتى في البيئة الواحدة، فكل متخصص في علم الاقتصاد يعرف وجود خلافات بين علماء الاقتصاد في تفسير بعض الوقائع الاقتصادية، حتى لواقعة بعينها وفي بلد بعينه، استنادا إلى خلافات في فهم العوامل والأسباب وتقدير قوة تأثيرها. وعندما كنت أعمل باحثا ومستشارا اقتصاديا في إحدى الوزارات قبل سنوات، وأسندت إلي إدارة وتشغيل نموذج اقتصادي كلي قياسي macro-econometric model، الذي سبق أن عمله فريق أمريكي متعاقد مع الوزارة، وجدت فيه عيوبا كثيرة، وبعض العيوب راجع إلى عدم إدراك الفريق الأمريكي الإدراك الجيد لبعض العوامل المحلية المؤثرة، وقد قمت وزميل آخر بإعادة بنائه وتطويره من جديد.
بل لقد ظهرت حقول وفروع تخصصية من علم الاقتصاد تقوم على مراعاة الفروق بين البيئات، فمن الأمثلة وجود الاقتصاد النفطي والاقتصاد الزراعي والاقتصاد البيئي والاقتصاد المؤسسي التحكمي institutional economics واقتصاد المعرفة. وبصفة عامة تسمح منهجية ووسائل وطرق البحث الاقتصادي بتطور فروع وحقول تخصص لبيئات بعينها، وهذه قضية جوهرية معروفة في علم الاقتصاد. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
مقال رصين في حكمة الاقتصاد ، كعادة الدكتور صالح فتح الله عليه. أرى والله أعلم أن من العوامل التي يعنيها الدكتور العامل الثقافي (والمرتبط مباشرة بعامل السلوك الفردي) الذي له آثار عميقة قد لايدركها الكثير.