فَلْقات الأسهم!

10/12/2018 3
عبدالله الجعيثن

في الفصحى (فلق) تعني (انشق) .. وفي لهجتنا الشعبية (الفلْقه) هي الجرح في الرأس أو الجبهة، مفرد (فلقات).. في سوق الأسهم، ما لم يوجد (صانع سوق) متمكن، فإن المضاربين يتبادلون (الفلقات) في الرؤوس والجبهات، هذا غير (الخدوش والمشوخ) والجروح الخفيفة التي لا تقع في مواضع خطيرة كالرؤوس والأنوف والجبهات وأجزاء الوجوه الحساسة بما فيها (العيون) السوق من دون وجود (صانع جاد متمكن) يُشبه (ساحة حرب) بين المضاربين، يتبادلون قذف الحجارة على بعض، وربما قذف الجمرات الحمراء في بعض الأحيان.. (صانع السوق) هو الذي (يُعَدِّل الحال المائل)، ويجعل السوق أكثر عدلاً و كفاءة، لأنه يملك أسهماً كثيرة في كل الشركات تقريباً، ولديه سيولة كبيرة، فهو يبيع في أي شركة إذا رفعها المضاربون فوق قيمتها العادلة بكثير، ويشتري إذا خفض المضاربون شركة أخرى دون قيمتها العادلة بكثير، فلا يترك السوق للمضاربين يسرحون ويمرحون ويرفعون بعض الشركات لأسعارٍ تفوق العقل والمعقول، خاصة الشركات ذات الأسهم القليلة، التي هي الهدف المفضّل للمضاربين في الغالب، وميدان حروبهم وغزواتهم التي يُمارسون فيها هوايتهم الخطرة، يتقاذفونها كالجمرة الحمراء بين شاوٍ ومحروق، ويتراشقون حولها بالحجارة عبر الشاشة، فمن سالم إلى مفلوق، وكأن بعضهم كالذين كانوا (يقفون في عوائر الحارات قديماً وفي أيديهم الحجارة)، يضربون بها كل من فاض عليهم من الغافلين.


إنّ المستثمرين ليسوا هم الذين يوفرون سيولة السوق اليومية الكبيرة، فدورهم هنا محدود، لأنهم (ثقال عقّال)، لا يُجْرون عمليات بيع وشراء إلّا في أوقاتٍ محدودة، بعكس المضاربين الذين هم حُمّى السوق المرتفعة الحرارة.. وجود المضاربين مهم لأي سوق، بل أساس؛ لأنهم يوفرون سيولة مستمرة (من النقد، ومن الأسهم) للباعة والمشترين، ولكنّ سيطرتهم على السوق، دون وجود (صانع متمكن يُراقب بدقة) يزيد الجروح والخدوش في العقول والوجوه، إذ كثيراً ما يدفعون شركات خاسرة عاثرة فوق قيمتها العادلة بأضعاف، ويزهدون في الشركات الرابحة.

ولعلّ السماح (بالبيع على المكشوف) يُخَفِّف من حرارة الحُمّى التي تُصيب بعض المضاربين، فهو يجعل السوق يسير على قدمين، ومن دونه يظل السوق أعرج؛ (لأن الشراء على المكشوف موجود توفّره التسهيلات)، فالبيع على المكشوف يوازنه، وهو اقتراض الأسهم من المشترين ثم بيعها، فهو اقتراض وليس (بيع مالا تملك).. ومع ذلك فإن وجود (صانع السوق المتمكن) مهم جداً في تقريب الأسعار من العدالة، والسوق من الكفاءة، وجعل (الفلقات والجروح الخطيرة) تقل جداً في ميدان السوق.

نقلا عن الرياض