كيف يتم تقييم شركة تقنية ناشئة بملايين الريالات ؟

18/10/2018 5
أحمد الفوزان

شركة تقنية، تملك تطبيقا واحداً، بدأت أعمالها قبل أشهر فقط، ومع ذلك تسمع أن مستثمرين رأس المال الجريء قاموا بشراء حصص بسيطة بناء على تقييمات بملايين الريال، هذه التقييمات تفوق بمرات عديدة تقييم شركات مستقرة وذات عمليات مستمرة ولديها اصول ملموسة. قد يكون التبرير أن الشركات التقنية تنمو بشكل سريع وعوائد الاستثمار فيها مرتفعة جدا، وهذا صحيح. لكن إليك الحقيقة الصادمة: لو عرضت هذه الشركة التقنية للبيع كاملة فلن تجد مستثمراً واحداً – لديه الحد الأدنى من الذكاء - يشتريها بهذه التقييمات، ولا حتى بربع التقييم. اذا هم يوافقون على شراء (حصة بسيطة) من الشركة بتقييمات عالية جداً، ولكن سيرفضون شراء ( كل ) الشركة بنفس التقييم. هل هؤلاء المستثمرين أغبياء؟ بالطبع ليسوا كذلك.

هذه المقالة والمقالة اللاحقة لها ستحاول فهم كيف تتم هذه العملية التي تبدو غير منطقية لأول وهلة.

بدايةً، يجب أن نعرف كيف ينظر المستثمر لهذا النوع من الاستثمارات الخطرة. قبل عملية اتخاذ القرار، يقوم المستثمر بدراسة عناصر كثيرة، منها حجم السوق والقدرة على التوسع السريع ونموذج الأعمال وكفاءة المؤسسين، إضافة إلى عنصرين مهمين جداً وهما (نسبة ملكية مؤسسي الشركة) و (المبلغ المطلوب استثماره). هذان العنصران، برأيي، هما اللذان يدفعان تقييمات شركات بلا تاريخ تشغيلي لأن تصل لخانة الملايين.

أما العنصر الأول، فلأن المستثمر يضع كثير من الآمال على الفريق المؤسس ويعتبر أنهم أحد أسباب قراره بالاستثمار، فهو يحرص بشكل كبير على أن يستمر المؤسسون في قيادة الشركة مدة كافيه وغالبا ماتكون هي نفسها مدة وجود المستثمر في الشركة. وحتي يضمن ذلك، فإنه لايكتفي بالضمانات القانونية فحسب، بل ويحرص على أن تكون حصص المؤسسين كافيه لاستمرارهم بالعمل بالزخم المطلوب.

 أما العنصر الثاني، فالمستثمر غالبا ما يرغب أن يكون المبلغ المطلوب استثماره  في الشركة كافياً حتى تنتقل للمرحلة التالية. عادة،  يقوم المستثمر بدراسة مكثفة للمبلغ الذي يرغب المؤسسون بجمعه بهدف التأكد أن هذا المبلغ سيكون كافياً لتمويل عمليات الشركة الناشئة لمدة لاتقل عن 18 او 24 شهراً.

اذا فهمنا هذين العنصرين بشكل كامل، عرفنا لماذا يجب أن يكون التقييم مرتفع.

لنأخذ مثالاً توضيحياً. شركة ناشئة تعمل في مجال التجارة الالكترونية، قام المؤسسون بإنشاء الموقع الذي كلفهم 200 ألف ريال، لكنهم لم يبدأو العمل لعدم وجود تمويل كافي. تحتاج هذه الشركة لمبلغ 800 ألف ريال لاستقطاب موظفين ولدفع إيجار مستودع صغير للسنتين القادمتين. ذهبوا لمقابلة أحد المستثمرين الذي أعجب بالفكرة وبالفريق الريادي، فوافق على تمويلهم بالمبلغ كامل. كم يجب أن تكون حصته مقابل 800 ألف ريال؟

المؤسسون الآن يملكون 100% من الشركة. فلو قرر المستثمر أن يحسبها بشكل مبسط، فسيقول أنتم دفعتم 200 ألف ريال، وأنا سأدفع 800 ألف ريال، بالتالي ستكون حصتي 80%، والمؤسسون 20%. تبدوا هذه الحسبة منطقية وعادلة، لكنها في هذا النوع من الاستثمار ستكون خطوة غير موفقة. السبب أن أخذ حصص كبيرة بهذا الشكل من أول يوم يضعف رغبة المؤسسين في العمل، لأنهم حينها سيتحولون إلى أقلية في شركتهم التي قاموا بتأسيسها. وما سيزيد الطين بلة، أن الشركة ستقوم بجمع استثمارات أخرى بعد انتهاء السنتين مما سيضعف مكليتهم بشكل أكبر، وحينها سيتحولون لمجرد موظفين بملكيات بسيطة جداً، مما سيقتل لديهم روح المبادرة والانجاز. هذا سيضر المستثمر في المقام الأول، وسيتسبب غالبا في موت الشركة الناشئة.

إذا مالحل؟ الحل هو أن يرضى المستثمر بحصة أقلية، وفي هذه الحالات لاتتجاوز 25% غالباً، وبالتالي سنجد أنه تم تقييم الشركة عند 3.2 مليون ريال. إذا فشركة لديها موقع الكتروني فقط، ولم تبدأ حتى بالعمل تم تقييمها بأكثر من ثلاثة ملايين ريال.

ماذا لو قرر المؤسسون بيع كامل الشركة والتخارج منها؟ هل سيشتريها أحد بثلاثة ملايين ؟ أو حتى بخمسمائة ألف ريال؟ بالتأكيد لا.

لماذا يحدث هذا تحديداً في مثل هذه الصفقات؟ برأيي أن مايقوم بها مستثمروا رأس المال الجريء ماهي إلا عمليات (تمويل) مثله مثل تمويلات البنوك، لكنه تمويل هجين لايمكن هيكلته إلا بطريقة شراء حصص.  وأن مايسمى " تقييماً " هو ليس تقييماً بمعناه الحقيقي، فلا أحد يرغب بشراء موقع بثلاثة ملايين ريال، في حين أن تكلفته 200 ألف ريال. في المقال القادم سنتحدث عن هذه الجزئية بشيء من التفصيل.

خاص_الفابيتا