تعود تعاملات الناس التجارية فيما بينهم إلى عصور قديمة، وتطورت تلك التعاملات مع مرور الزمن، وتشعبت بتشعب وسائل السداد ونوع التعامل أو النشاط التجاري وطبيعة الأطراف والنطاق الجغرافي لهذه التعاملات، وتجسدت هذه التعاملات من خلال اتفاقيات تنوعت من حيث البساطة والتعقيد وغيرها من الحيثيات، وبقيت خلاصة هذا كله لم تتغير في المحصلة الأخيرة، وهي كيف يوفي كل طرف بالتزامه. أركز في هذه المقالة على جزئية واحدة من هذه الالتزامات لأهميتها، وهي جزئية مماطلة من عليه التزام السداد.
عندما يوفي أحد الأطراف بالتزامه ويبقى السداد من الطرف الآخر، تحدث حالات أن يماطل هذا الطرف الآخر في سداد ما في ذمته سواءٌ كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، ما يضطر صاحب الحق إلى المطالبة بحقه عن طريق المحاكم. ما يحصل هو أنه يقوم صاحب الحق بالمطالبة بحقه عن طريق المحاكم ويقوم صاحب الحق بالمطالبة كذلك بالأعباء المالية التي تكبدها، للمطالبة بحقه كأتعاب المحاماة، وهي أي أتعاب المحاماة بحد ذاتها موضوع تطول مناقشته، تقوم المحكمة بالحكم لصاحب الحق بحقه ضد المماطل، إضافة إلى أتعاب المحاماة بعد سنة أو أشهر على فرض تيسر الإجراءات وسرعة حسم المحكمة لموضوع الدعوى، وعلى فرض لم يقم المماطل بتقديم ما يطيل أمد الدعوى.
هذه خلاصة صورة مبسطة من صور النزاعات التجارية، ونسميها منازعة تجارية تجوزا، وإلا المنازعات التجارية تتعقد وتتشعب تشعبا كثيرا. المحصلة من هذه المطالبة أن صاحب الحق حصل على حقه والمصروفات التي تكبدها للمطالبة بحقه، والمماطل قد حصل على حماية قانونية قضائية غير مقصودة. والسؤال الذي يرد: ما الدافع أو الحافز أو المخاوف التي ستدفع بالمماطل أن يسدد في الوقت المتفق عليه أو في الوقت الذي يكون مستحقا عليه بموجب العقد إذا كان المماطل لا يهتم بمسألة السمعة التجارية لأي سبب؟! ولا سيما أنه يمكن أن يحصل على حماية قانونية تطيل أمد بقاء المال في حوزته، هذه المماطلة وإن كان لا يقصد القانون ولا القضاء حمايتها بل وجدت القوانين والمحاكم لإعطاء صاحب الحق حقه، إلا أنه في مثل الصورة التي ذكرت يمكن تسميتها بـ "المماطلة المحمية".
موطن الإشكال في هذا الموضوع والمعني في هذه المقالة هو أنه قد يطلب من صاحب الحق بيان الضرر الذي لحق به، لكن قد يصعب على صاحب الحق إثبات أو الإقناع بضرر مادي ظاهر، إلا أن بقاء المال ولا سيما في حال كان محل المطالبة أموالا كبيرة في يد المماطل بحد ذاته ضرر لصاحب الحق، لكونه حرم الاستفادة من ماله حقيقة، ومنفعة للمماطل، بحيث يمكنه الاستفادة من هذه الأموال، ومن المعلوم في العرف المحاسبي والمالي والاقتصادي والتجاري أن توافر "النقد" بحد ذاته يمثل منفعة أو قيمة لا يمكن تجاهلها، ما يحفز المماطل لحبس المبالغ في يده حتى يحقق أكبر فائدة ممكنة قبل أن يلزم بسدادها قضاء دون وجود رادع.
ختاما، مع التسليم بصعوبة هذه المسألة والنقاش الشرعي حول موضوع "المنفعة الفائتة"، إلا أن تعقد مسائل التجارة وأهمية وجود البيئة الجاذبة للاستثمار وأهمية السعي نحو حماية المستثمر، الذي من المهم أن يدرك ويقتنع تماما أن المماطلة ليست سهلة ومحفزة، فإنها تتطلب اعتبارها من النوازل الفقهية، والسعي نحو معالجة هذه المسألة المهمة، بحيث تضمن لصاحب الحق ألا يضار في حقه، وتسعى لتزيل الحافز للمماطل في مماطلته، وتضمن ألا تستغل من أي طرف في عقد تجاري لمصلحته.
نقلا عن الاقتصادية
عندما يوفي أحد الأطراف بالتزامه ويبقى السداد من الطرف الآخر، تحدث حالات أن يماطل هذا الطرف الآخر في سداد ما في ذمته سواءٌ كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، ما يضطر صاحب الحق إلى المطالبة بحقه عن طريق المحاكم. ما يحصل هو أنه يقوم صاحب الحق بالمطالبة بحقه عن طريق المحاكم ويقوم صاحب الحق بالمطالبة كذلك بالأعباء المالية التي تكبدها، للمطالبة بحقه كأتعاب المحاماة، وهي أي أتعاب المحاماة بحد ذاتها موضوع تطول مناقشته، تقوم المحكمة بالحكم لصاحب الحق بحقه ضد المماطل، إضافة إلى أتعاب المحاماة بعد سنة أو أشهر على فرض تيسر الإجراءات وسرعة حسم المحكمة لموضوع الدعوى، وعلى فرض لم يقم المماطل بتقديم ما يطيل أمد الدعوى.
هذه خلاصة صورة مبسطة من صور النزاعات التجارية، ونسميها منازعة تجارية تجوزا، وإلا المنازعات التجارية تتعقد وتتشعب تشعبا كثيرا. المحصلة من هذه المطالبة أن صاحب الحق حصل على حقه والمصروفات التي تكبدها للمطالبة بحقه، والمماطل قد حصل على حماية قانونية قضائية غير مقصودة. والسؤال الذي يرد: ما الدافع أو الحافز أو المخاوف التي ستدفع بالمماطل أن يسدد في الوقت المتفق عليه أو في الوقت الذي يكون مستحقا عليه بموجب العقد إذا كان المماطل لا يهتم بمسألة السمعة التجارية لأي سبب؟! ولا سيما أنه يمكن أن يحصل على حماية قانونية تطيل أمد بقاء المال في حوزته، هذه المماطلة وإن كان لا يقصد القانون ولا القضاء حمايتها بل وجدت القوانين والمحاكم لإعطاء صاحب الحق حقه، إلا أنه في مثل الصورة التي ذكرت يمكن تسميتها بـ "المماطلة المحمية".
موطن الإشكال في هذا الموضوع والمعني في هذه المقالة هو أنه قد يطلب من صاحب الحق بيان الضرر الذي لحق به، لكن قد يصعب على صاحب الحق إثبات أو الإقناع بضرر مادي ظاهر، إلا أن بقاء المال ولا سيما في حال كان محل المطالبة أموالا كبيرة في يد المماطل بحد ذاته ضرر لصاحب الحق، لكونه حرم الاستفادة من ماله حقيقة، ومنفعة للمماطل، بحيث يمكنه الاستفادة من هذه الأموال، ومن المعلوم في العرف المحاسبي والمالي والاقتصادي والتجاري أن توافر "النقد" بحد ذاته يمثل منفعة أو قيمة لا يمكن تجاهلها، ما يحفز المماطل لحبس المبالغ في يده حتى يحقق أكبر فائدة ممكنة قبل أن يلزم بسدادها قضاء دون وجود رادع.
ختاما، مع التسليم بصعوبة هذه المسألة والنقاش الشرعي حول موضوع "المنفعة الفائتة"، إلا أن تعقد مسائل التجارة وأهمية وجود البيئة الجاذبة للاستثمار وأهمية السعي نحو حماية المستثمر، الذي من المهم أن يدرك ويقتنع تماما أن المماطلة ليست سهلة ومحفزة، فإنها تتطلب اعتبارها من النوازل الفقهية، والسعي نحو معالجة هذه المسألة المهمة، بحيث تضمن لصاحب الحق ألا يضار في حقه، وتسعى لتزيل الحافز للمماطل في مماطلته، وتضمن ألا تستغل من أي طرف في عقد تجاري لمصلحته.
نقلا عن الاقتصادية