النمو الاقتصادي والرسوخ البيئي لجائزة نوبل

15/10/2018 0
د.صالح السلطان

منحت جائزة نوبل 2018 للاقتصاد لعالمي الاقتصاد البروفيسور بول رومر والبروفيسور ويليام نوردهس. الأول عن إسهاماته العلمية في توضيح ديناميكية الأفكار والنمو الاقتصادي؛ حيث بين كيف أن تراكم الأفكار يقود إلى نمو اقتصادي على المدى البعيد. أما الآخر فقد طور نماذج تشرح تكلفة التغير المناخي؛ إذ شرح كيف يجري التفاعل بين النشاط الاقتصادي مع الكيمياء والفيزياء للتسبب في التغير المناخي. وكلا الجهدين يسهمان في فهم النمو المستدام الطويل الأمد في الاقتصاد العالمي.

تلك الإسهامات تجر إلى حديث عن طبيعة النمو الاقتصادي وما أصابه أخيرا.

من الملاحظ أن النمو في الدول الغنية المتطورة اقتصاديا قد تباطأ مع مطلع العقد الماضي. وطبعا أثر ذلك سلبا في الاقتصاد العالمي واقتصادات غالبية الدول في سنوات مضت. ذلك أن نمو اقتصادات تلك الدول الغنية يعني ضمن ما يعني قدرة أعلى على شراء صادرات الدول الأخرى. وتحقيق النمو ليس من نوع فائز وخاسر؛ ذلك أن طبيعة النمو تجعله فوزا أو مكسبا للأطراف كلها.

سؤال جوهري

ما سبب/أسباب تباطؤ النمو في الدول الغنية المتطورة اقتصاديا منذ مطلع هذا القرن الميلادي؟

جزء منه عائد إلى الأزمة المالية العالمية، لكن الجزء الأكبر يتوقع أنه بسبب تباطؤ معدل نمو الإنتاجية.

ولكن ما نعني بالإنتاجية؟ هي المحرك الأساسي لنمو أي اقتصاد على المدى البعيد. كيف؟ يشتغل الناس مستعملين ما توافر لهم من مهارات ومعدات. وعلى قدر ما يتوافر من مهارات ومعدات يحصل نمو. ويهم دولة مثل بلادنا تحقيق درجة كبيرة من النمو الذاتي. وأقول الذاتي؛ أي نمو يتحقق بذاته؛ أي ليس فقط من خلال إنفاق أموال مصدرها تصدير موارد طبيعية.

طبعا نعرف أن الدول النامية تأخذ من الدول المتطورة الغنية، التقنية وطرائق وكيفيات تسيير الاقتصاد والأعمال.

حسنا، كيف تحقق نمو اقتصادات تلك الدول المتطورة؟

عبر تحسين التقنية وتسيير الأعمال وسياسات الدولة.

وكل هذه الثلاثة معتمدة على حدوث تطور ونمو تقني. تخيل وجود دولة متطورة قبل 100 عام، وتخيل أنها لم تواكب تطور ونمو التقنية، هل تبقى متطورة اقتصاديا؟ طبعا، لا.

التطور والنمو التقني يعتمدان على تطور سلوكي بشري. هناك علاقة قوية بين الاثنين. وهذا موضوع يستحق وحده مقالا.

وللتطور والنمو التقني عدة مظاهر: اختراعات وتحسين إجراءات وخطوات الإنتاج وتقنية المعرفة والمواد المستخدمة.

كيف نزيد معدل النمو التقني؟ سؤال الإجابة عنه صعبة.

قد يقول قائل عبر حرية الأسواق. قد يدافع آخر عن سياسات حكومية تحفز القطاع الخاص على رفع مستواه التقني. هناك مشكلة أو اعتراض على كل قول أو رأي من هذه الآراء. ضعف النمو العالمي الذي ذكرته سابقا قد حل بدول متنوعة في درجة حرية الأسواق، وفي طبيعة سياسات حكوماتها وحوافزها. الاعتراض السابق جر إلى تبني رأي مختلف آخر. هذا الرأي كان موضع اهتمام أحد الفائزين بجائزة نوبل هذا العام وهو بول. المطلوب زيادة إنفاق على الأبحاث، هذه توصية أبحاثه التي فاز بها بجائزة نوبل.

في ورقتين بحثيتين مشهورتين، وضع وشرح نموذجا اقتصاديا رياضيا أوضح من خلاله أن الإنفاق البحثي جلب أفكارا جديدة، وتلك الأفكار جلبت مزيدا من النمو الاقتصادي. واختبار أي نموذج رياضي صعب جدا كما يعرف ذلك أهل الاختصاص.

مما أوضحه بول رومر أن التمويل الحكومي لأفكار حديثة عهد، أسهم بقوة في ظهور وتوسع تطورات تقنية كـ"النت والجوال". التمويل الحكومي عن طريق دوائر حكومية، كوزارة الدفاع الأمريكية، وعن طريق دعم أبحاث علمية.

هناك جانب آخر. التقنية أساس لمزج أو تشكل خلطة من النمو الاقتصادي والرسوخ البيئي. كانت تلك موضع اهتمام الفائز الآخر بالجائزة، ويليام. بين هذا الفائز أن تحقيق نمو اقتصادي راسخ يتطلب رسوخا بيئيا. وتحقيق هذا الرسوخ البيئي يتطلب ضمن ما يتطلب مزيدا من التحسين والفعالية لاستخدام موارد الأرض، خاصة عبر تحسين التقنية البيئية. وفي هذا رسم عدة نماذج أو تصاميم بين فيها التكلفة في حال عدم تدخل الدولة، والتكلفة في حال دفعت الدولة. دافع عما يسمى ضريبة الكربون، وهذه الضريبة أحد أسباب غلاء سلع بعينها في الغرب.

أشير في نهاية المقال إلى أن ويليام صاحب نظرية تدعى "نظرية دورة الأعمال السياسية"، حيث يشير إلى أن السياسيين المنتخبين يتصرفون في شؤون الاقتصاد بما يدعم إعادة انتخابهم.

 

نقلا عن الاقتصادية