منذ بداية السبعينات إلى نهايتها (أي طوال عقد السبعينات) كان مُعظم الكتاب الذين كتبوا عن سوق البترول يصفون أوبك بأنها كارتل (أي نوع من أنواع الاحتكار)، لكن بعد نهاية عقد السبعينات وبداية الثمانينات إلى يومنا هذا لا يوجد اقتصادي واحد كتب بحثاً اقتصادياً أكاديمياً في دورية اقتصادية مُحكمة يقول أوبك منظمة مُحتكرة (كارتل).
لكن بقي الإعلام والكتاب غير الأكاديميين إلى الآن يصفون أوبك بأنها كارتل حتى أصبح يكفي أن يقال الكارتل فتتجه الأنظار إلى فيينا مقر منظمة أوبك.
والحق يقال - على حد معلوماتي - أوّل دراسة أكاديمية تم نشرها تدحض صفة الاحتكار عن منظمة أوبك هي رسالة الدكتوراه للدكتور علي الجهني الصادرة عن جامعة سانتا باربرا في العام 1978 بعنوان: OPEC is not a cartel.
ثم توالت الدراسات الأكاديمية في الدوريات الاقتصادية وفي رسائل الدكتوراه الصادرة من الجامعات الرائدة تؤكد أن أوبك ليست منظمة احتكارية. ربما أشهر هذه الدراسات نظرية: The target revenue model. التي نشرها - في الثمانينات - عدد من الاقتصاديين كل على حدة (أي لا تربطهم معرفة مُسقبة ببحوث بعضهم) وتنص النظرية أن منظمة أوبك تتكون من مجموعة دول نامية من شتى قارات العالم يجمع بينها رابط واحد، هو أنها دول فقيرة، تعتمد اعتماداً كلياً على مورد واحد (البترول) لتمويل ميزانياتها، فيضطرون إلى زيادة إنتاجهم عند انخفاض سعر البترول للصرف على شراء لقمة العيش لشعوبهم وتمويل خططهم التنموية داخل أوطانهم، ويُرشّدون إنتاجهم عند ارتفاع أسعار البترول لكي لا يستنزفون مصدر معيشتهم الوحيد قبل إيجاد مصادر دخل بديلة للبترول.
جميع الكتاب الذين تسرعوا في بداية السبعينات بقولهم أوبك كارتل كانوا يستشهدون بخاصية واحدة من خصائص الكارتل. وهي أن منظمة أوبك استطاعت أن ترفع سعر برميل البترول أعلى من التكلفة الحدية لإنتاج البرميل. وتوقعوا أن مصير أوبك سيكون كمصير جميع منظمات الكارتل، ستنهار وفقاً لنظرية الكارتل؛ لأن أعضاء الكارتل لا يستطيعون المحافظة على اتفاقهم ببقاء السعر أعلى من التكلفة الحدية لسلعتهم؛ لأنهم سيلجؤون للغش بزيادة إنتاجهم في الخفاء عن بعضهم ليستغلون فرصة ارتفاع السعر عن التكلفة الحدية.
هذه الخاصية الوحيدة للكارتل التي استشهد بها المنظرون بأن أوبك كارتل تَبيّن خطؤها عندما بدأ الاقتصاديون في نظرية الموارد الناضبة (بعضهم حاصلين على نوبل) يوضحون أن من خصائص الموارد الناضبة أن يكون سعرها أعلى كثيراً عن التكلفة الحدية لاستخراج المورد، فانهارت نظرية الكارتل في المجال الأكاديمي وبقيت في المجال الإعلامي.
لقد اقتصر بحثنا على بعض النواحي الأكاديمية.. ولكن نختم بسؤال جماهيري، هل يوجد بائع مُحتكر يحصل على جزء من قيمة سلعته أقل من الجزء الذي يحصل عليه المشترون بفرض الضرائب العالية على البترول؟.
نقلا عن الرياض