بعيداً عما ورد في لوائح أو قواعد الحوكمة الخاصة بالمؤسسات العامة والهادفة للربح وغير الهادفة للربح الصادرة عن الجهات التنظيمية المختصة في مختلف الدول؛ والتي حددت في أغلبها معايير تشكيل المجلس، والحدين الأعلى والأدنى لعدد الأعضاء الإجمالي، وعدد الأعضاء غير التنفيذيين والتنفيذيين والمستقلين مع الأخذ في عين الاعتبار ضرورة مراعاة حجم وطبيعة نشاط المؤسسة، والمهام والمسؤوليات المنوطة بالمجلس وأعضائه، وكذلك التنوع في الخبرات العملية والمعرفة العلمية والمهارات المتخصصة والقدرات والسمات الشخصية (والتي يطلق عليها جميعا "الجدارات")، وغيرها، سوف أذكر في هذا المقال مجموعة من الممارسات التي يوصى بها والخاصة بها الموضوع والتي ستساعد في زيادة فاعلية المجلس.
دور لجنة الترشيحات في تشكيل مجلس الإدارة
تختلف عملية تعيين عضو المجلس عن تعيين كبار التنفيذيين في نهج رئيسي واحد، فعند تعيين التنفيذيين تقوم المؤسسة بتجميع قائمة بالمرشحين الأفضل، وإجراء المقابلات معهم، ومن ثم الاختيار من بينهم استنادا إلى التقييمات لأفضلهم كفاءةً وتأهيلاً، أما عند تعيين أعضاء المجلس؛ تجمع المؤسسة قائمة بأفضل المرشحين، وترتيبهم حسب الأفضلية، ثم تقدم القائمة أمام المساهمين للتصويت.
يقع على عاتق لجنة الترشيحات المنبثقة من مجلس الإدارة، إن وجدت، دور هام في اقتراح سياسات ومعايير واضحة للعضوية في مجلس الإدارة، والتوصية لمجلس الإدارة بترشيح أعضاء جدد فيه أو إعادة ترشيح الأعضاء الحاليين، وإعداد وصف الجدارات المطلوبة لعضوية المجلس، وعمل مراجعة دورية للاحتياجات اللازمة من الجدارات المناسبة لعضوية المجلس، ووضع وصف وظيفي لجميع الأعضاء، وتحديد جوانب الضعف والقوة في المجلس، واقتراح الحلول لمعالجتها بما يتفق مع مصلحة المؤسسة.
إن طريقة تجميع قائمة المرشحين تختلف فيما بين المؤسسات، فبعضها يعتمد بشكل كبير على شبكة العلاقات الشخصية والمهنية للرئيس التنفيذي وأعضاء المجلس الحاليين، وبعضها الآخر يعتمد على مستشار من جهة خارجية أو شركات أبحاث لتجميع قائمة المرشحين بين مجموعات أوسع، وحسب الرابطة الوطنية لأعضاء مجالس الشركات (NACD) في الولايات المتحدة إن ما يقارب نصف المؤسسات تستخدم لذلك الغرض شركة للمساعدة في البحث.
عند تجميع القائمة ينبغي مراعاة أن تكون تركيبة مجلس الإدارة تلبي التنوع الاستراتيجي والتشغيلي والاحتياجات العملية للمؤسسة، ومن المهم أيضاً أن تكون ثقافة المجلس انعكاساً لثقافة المؤسسة، وأن تكون العلاقة جيدة فيما بين أعضاء المجلس وكذلك بين المجلس وبين المسؤولين في الادارة العليا.
تأثير أبرز المخاطر التي تقلق مجالس الإدارة
الكثير من الدراسات الحديثة أشارت إلى أن المخاطر الخمسة التالية من أبرز المخاطر على المستوى الاستراتيجي والتشغيلي والتي تقلق مجالس الإدارة ولها تأثير مباشر في اختيار أعضاء مجالس الإدارة الذين سوف يديرون هذه المخاطر:
1) الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية والتي تسببت في تراجع فرص النمو.
2) التغير والتشدد في المتطلبات التشريعية والرقابية.
3) أمن المعلومات والخصوصية وتهديدات الاختراقات الإلكترونية والتي قد تعطل العمليات التشغيلية الأساسية و/أو تضر بالسمعة.
4) سرعة التطور في التقنيات وظهور أخرى جديدة مما قد يعطل نموذج عمل المؤسسة.
5) جذب والمحافظة على أصحاب الكفاءات والقيادات وصعوبات الاحلال الوظيفي.
تخطيط التعاقب (Succession Planning)
التخطيط للتعاقب في المجلس من المسؤوليات الرئيسية للجنة الترشيحات. فالكثير من المؤسسات لا تحتفظ بقائمة محدثة للمرشحين المحتملين للمجلس تحسباً لخلافة طارئة وغير مخطط لها، وتشعر بأن المجلس يمكن أن يواصل العمل مع فقدان عضو واحد من أعضائه. لذلك من الأمور التي يوصى بأخذها في الاعتبار قيام لجنة الترشيحات بتحديد الأدوار الحرجة و/أو الهامة في مجلس إدارة المؤسسة وتحديد وتقييم الخلفاء المحتملين للفرص المستقبلية.
تخطيط التعاقب يضمن سلاسة سير العمل في المجلس ويساعد في استدامتها، من خلال تمكين المجلس من النظر في الأهداف المستقبلية للمؤسسة ككل.
تدوير الأعضاء
أشارت العديد من الدراسات إلى أنه في الدول المتقدمة في ممارسات الحوكمة؛ 20-30% من الأعضاء الجدد في مجالس الإدارات هم أعضاء لأول مرة.
نشرت مجلة الأمريكية Chief executive في شهر يونيو 2016 نتائج دراسة العلاقة بين "القيمة السوقية للشركات" و "مدة خدمة أعضاء مجلس الإدارة في تلك الشركات" لعدد 3000 شركة، وكان من أبرز نتائج الدراسة أن هناك علاقة قوية بين "القيمة السوقية لشركة" و "مدة خدمة أعضاء مجلس إدارتها"، فكلما زاد متوسط خدمة أعضاء مجلس الإدارة زادت قيمة الشركة السوقية، ولكن هذه الزيادة سوف تستمر حتى متوسط 8-9 سنوات وبعد ذلك تبدأ بالانخفاض السريع.
أبرز العوامل التي تؤثر في عدد أعضاء مجلس الإدارة
حسب الممارسات التي يوصى بها يفضل عمل مراجعة دورية للائحة عمل مجلس الإدارة على الأقل مرة واحدة كل 1-3 سنة، ومن ضمن الأمور التي يتم التركيز عليها العدد المناسب لأعضاء المجلس أخذاً بعين الاعتبار التالي:
1) المتطلبات النظامية.
2) مستوى نضج المؤسسة وبيئة العمل.
3) حجم المؤسسة وتنوع أنشطتها وصعوبتها.
4) مستوى جدارة الأعضاء.
5) مستوى صعوبة اكتمال النصاب.
6) التكلفة.
الجدارات المطلوبة من أعضاء مجلس الإدارة على المستوى الفردي والجماعي
تعد عملية ترشيح أعضاء للمجلس مسؤولية رئيسية للجنة الترشيحات. وعادةً ما تبدأ العملية بتقييم احتياجات المؤسسة وتحديد النواقص في الجدارات المستهدفة في المجلس، ومن ثم يتم تجميع قائمة بالمرشحين المحتملين الذين تلائم جداراتهم النواقص المحددة حتى لو لم يكن لديهم سابق عضوية في مجلس إدارة، وربما لهذا السبب أكثر من نصف المؤسسات في الدول المتقدمة منفتحين على توظيف أعضاء مجالس إدارات ليس لديهم خبرات سابقة في عضوية مجلس الإدارة لأنه بسهولة يمكن تعلم الامتثال التنظيمي (مسؤوليات مجلس الإدارة واختصاصاته، وبالتزاماته كعضو، وحقوقه) مقارنة بباقي الجدارات في المجال.
أولاً: الجدارات المطلوبة على المستوى الفردي:
على المستوى الفردي؛ يجب على أعضاء مجلس الإدارة امتلاك المعرفة وفق لثلاثة مستويات:
1) البراعة (Proficiency): تعني القدرة على استخدام المعرفة في المواقف التي يرجح أن يتم التعرض لها، بحيث يتسنى التصرف إزاءها دون الحاجة إلى الرجوع بشكل مكثف إلى الأبحاث والمساعدة الفنية. ولذلك يفضل أن يكون عضو مجلس الإدارة متمكن وعلى معرفة تامة بإحدى المجالات الثمانية التالية: الأسواق المحلية والعالمية، والصناعة، والعمليات والتشغيل، والقوانين والأنظمة، والتكنولوجيا، والمحاسبة والمالية، والرقابة، وإدارة المخاطر.
2) الفهم (Understanding): يعني القدرة على استخدام المعرفة العامة في المواقف التي يرجح التعرض لها، وذلك للتعرف على الانحرافات الجسيمة عن الأعراف وأساليب العمل الصحيحة، والتمكن من القيام بالأبحاث اللازمة للتوصل إلى حلول معقولة لها. ولذلك يفضل أن يكون عضو مجلس الإدارة على معرفة متوسطة بمجالين على الأقل من المجالات الثمانية التالية: الأسواق المحلية والعالمية، والصناعة، والعمليات والتشغيل، والقوانين والأنظمة، والتكنولوجيا، والمحاسبة والمالية، والرقابة، وإدارة المخاطر.
3) الإلمام (Appreciation): يعني القدرة على التعرف على وجود المشاكل أو توقع حدوثها، وتحديد الأبحاث الإضافية اللازم إجراؤها أو المساعدة التي يلزم الحصول عليها. ولذلك يفضل أن يتمتع كل عضو من أعضاء المجلس (ولا يتوقع منهم أن يكونوا متمكنين) بفهم مبادئ الإدارة (التنظيم والتخطيط والتوجيه والرقابة)، وبمهارات قيادية واتصال وتفكير نقدي، وبالإلمام بمواد علمية معينة مثل الحوكمة، وقراءة البيانات والتقارير المالية وفهمهما، والاقتصاد، والقانون التجاري، والضرائب، وتقنية المعلومات.
أعضاء مجلس الإدارة مدعوون لإثبات جداراتهم بتنمية مهاراتهم ومعارفهم وخبراتهم في المجالات ذات العلاقة بأنشطة المؤسسة.
ثانياً: الجدارات المطلوبة على المستوى الجماعي
على المستوى الجماعي يفضل أن يمتلك أعضاء مجلس الإدارة، مجتمعين، المعلومات والخبرات والمهارات الضرورية للقيام بمسؤولياتهم المحددة في أنظمة ولوائح الحوكمة على أكمل وجه.
بناء على ما سبق؛ لو افترضنا أننا نريد تشكيل مجلس إدارة من تسعة أعضاء، فالجدول التالي يوضح توزيع مجالات المعرفة والخبرة المتوقعة منهم على افتراض أن لديهم جميعا إلمام (المستوى الثالث) في الحوكمة وقراءة البيانات والتقارير المالية وفهمهما، والتخطيط الاستراتيجي، وغيرها من العلوم.
من الأمور التي ركزت عليها الكثير من قواعد الحوكمة: التدريب والتأهيل المستمر لأعضاء مجلس الإدارة، ورحم الله الفاروق (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) حين قال: " تفقهوا قبل أن تسودوا ".
قد يكون تشكيل مجالس الإدارة في العالم العربي من أكثر الموضوعات التي لم تجد حظاً وافرا من الجهات المسؤولة، أو مراكز البحث والتطوير؛ لذلك أوصي بأن يتم توجيه النظر لهذا العنصر الهام لتحقيق مستويات أعلى من حوكمة المؤسسات، والذي سيعود بالنفع على بقية مناشط الحياة الاقتصادية في أي دولة.
في الختام، لا يوجد هناك مؤسسة ناجحة وأخرى فاشلة، وإنما هناك مجلس إدارة ناجح ومجلس إدارة فاشل.