واصل مكتب الدين العام بوزارة المالية تحقيق قفزات في الإنجازات خلال فترة قصير من إنشائه، بطريقة جلبت معها إشادات من جهات حيادية دولية. لتصبح هذه الوحدة الحكومية، التي يقودها نخبة قِلة لمن سبق لهم العمل لمصارف إستثمارية غربية، رمزاً لسرعة الإصلاحات الاقتصادية. بالأمس القريب تم الإعلان عن انضمام أدوات الدين لوطننا الى 3 مؤشرات رئيسية خاصة بسندات الأسواق الناشئة (الجهة المشغلة لها هي جي بي مورغان). وكما ذكرت في مقابلة تلفازية مع قناة سكاي نيوز عربية فإن هذا "الحدث يعتبر نقطة تحول جوهرية في مسيرة التطور التي تعيشها أسواق الدين الخليجية وفوائد الانضمام للمؤشر عديدة لعل أهمها التوفير على خزانة الدولة (مع زيادة الطلب المتوقع على الديون الخليجية). وأوضحت أن أثرها سيمتد للشركات الخليجية التي تسعر أدوات دينها وفقاً لمنحنى العائد السيادي. بعبارة أخرى، فصناديق الأسواق الناشئة لن تستطيع بعد الآن تجاهل (الديون السيادية الخليجية). سيتوجب عليها الاستثمار بها من أجل تحقيق العائد الذي يتوقعه المؤشر ومع هذا الانضمام ستصبح أدوات الدين السيادية الصادرة من السعودية وأبو ظبي والصين بمثابة الملاذات الآمنة في عالم الأسواق الناشئة.
التوشح بالأخضر
ردة الفعل من المستثمرين كانت فورية، (فبعد الاعلان عن الانضمام) توشحت أدوات الدين السيادية للسعودية باللون الأخضر خلال التداولات الثانوية وتقلصت الهوامش الائتمانية للسندات الخليجية ما بين 10 الى 15 نقطة أساس. حيث انه من الطبيعي أن يشرع المستثمرون باتخاذ مراكز لهم بتلك الأوراق المالية وذلك عبر عمليات الشراء الاستباقية التي تسبق عملية الانضمام الفعلي المقرر بنهاية شهر يناير القادم.مع هذا الانضمام سيصبح اجمالي عدد الدول التي يمثلها المؤشر الرئيسي لجي بي مورجان 72 دوله مقارنة مع 32 دولة في 2006. بخصوص أوزان الدول، نجد أن السعودية تحظى بأعلى نسبة من الإصدارات بالشرق الأوسط والتي يصل وزنها بالمؤشر الى 3.1% (أما الإمارات فيصل الوزن الى 2.6% والكويت 0.8٪ والبحرين 2.1٪). للمعلومية مقدار التدفقات المتوقعة من الصناديق "السلبية"،التي تتبع المؤشر، (نحو الأصول الخليجية التي ستنضم للمؤشر) يتراوح ما بين 30 الى 45 مليار دولار. في حين يتوقع للصناديق النشطة أنها قد تمكنت من بناء مراكز لها بتلك الأصول.ولدى جيه بي مورجان أكثر من 40 مؤشر وتسيطر سلسلة الأسواق الناشئة أو فئة (EMBI ) على أكثر من 90٪ من الحصة السوقية بعالم إدارة الأصول. ما يهمنا من هذه المؤشرات،الذي انضمت له السعودية، هو (EMBI Global Diversified) الذي يحظى بشعبية أكبر بين إدارات الأصول وتتبعه استثمارات بنحو 360 مليار دولار.
تخفيض كلفة الاقتراض
نظرياً فمن الطبيعي آن تنخفض كلفة الاقتراض على خزائن الدول الخليجية وسبب ذلك هو حجم طلبات الاكتتاب الذي سيتزايد عن ذي قبل.ولكن فعلياً فإن الأمر يعتمد على قدرات وخبرات الجهات الحكومية التي ستتولى عملية إدارة الإصدار (لا سيما في مسألة اختيار التسعير المناسب لسنداتها). فعلى سبيل المثال إندونيسيا صاحبة التصنيف الائتماني المنخفض فإن تكلفة اقتراضها (في أحدى الفترات) كانت أقل من السعودية وذلك بسبب انضمامها للمؤشر.وعندما توقع البعض أن يكون الاقبال ضعيف على سندات عمان أوائل هذه السنة، قامت الصناديق السلبية التي تتبع المؤشر في المساهمة بتغطية الاصدار بنجاح لأن عمان كانت جزء من المؤشر.
صحيفة الجزيرة والدور الإعلامي الوطني
يلعب الإعلام الوطني دور مهم مع الجهات الحكومية في مجال التوعية وكذلك في مجال زيادة الثقافة الاقتصادية بين أفراد المجتمع. وهذا "الدور التكاملي" بين الجهات الحكومية والإعلام الاقتصادي يجتمع نحو غاية واحدة وهو المصلحة الوطنية. صحيفة الجزيرة كانت من أوائل المنصات الإعلامية التي شجعت الجهات الحكومية من أجل بذل الجهود الرامية نحو ضم أدوات الدين السيادية لمؤشرات "جي بي مورغان للأسواق الناشئة.فقبل ما يقارب 3 أشهر (وبالتحديد في 5 يوليو) ذكرت في مقابلة مع صحيفة الجزيرة أن المستثمرون يستغربون حول "كيف لدولة من مجموعة العشرين وأحد أبرز مُصدري أدوات الدين بالعالم وهي غير موجودة بأي مؤشر للسندات" وذكرت أنه من "المفترض الشروع بإجراء محادثات الانضمام لهذه المؤشرات منذ أوائل 2017، وتم تشجيع الجهات الحكومية لتولي زمام هذه الملف الذي سيعني للسعودية جلب العديد من المليارات لسنداتنا الدولارية .وذكرنا حينها أنه لما لا نطلب من البنوك التي رتبت إصداراتنا المليارية بأن يتحدثوا مع المستثمرين الذين اشتروا ديوننا وذلك من أجل الضغط على جيه.بي مورجان بخصوص إجراء تعديل على أحد أهم القواعد الصارمة لديهم والتي تدور حول أن مستويات الدخل بالخليج تعتبر مرتفعة نسبياً وعليه فهي غير متناسبة مع التعريف النمطي للسوق الناشئة. على العموم الجهة المشغلة لهذه السندات اضطرت لعمل الاستثناء لدول الخليج بعد أن استبدلت ذلك المعيار الصارم بنسب تعادل القوة الشرائية..
دعم المستثمرين
هناك لجنة إشرافيه خاصة بالمؤشر وهي لها الحق في طلب المشورة الخارجية حول الدول التي ترى بأن لديها الإمكانيات للانضمام للمؤشر. ولذلك ،،فعلياً المستثمرون ليس لديهم تأثير مباشر على صناعة القرار النهائي. ولكنهم مع هذا فقد لعبوا دوراً فعالاً (ولو كان جزئياً) في التأثير في صناعة هذا القرار. فخلال الفترة الماضية توالت التقارير الصادرة من كبرى شركات الأصول العالمية التي تشجع الجهة المُشغلة لأهم مؤشرات أدوات الدخل الثابت على ضم دول الخليج لمؤشراتها.
"عدوى" الأسواق الناشئة
أدوات الدين الخليجية لا تزال صامدة بشكل فاجأ المتابعين وذلك بسبب الانضمام للمؤشر وثبات أسعار النفط فوق 80 دولار للبرميل. وحتى الآن فالضرر كان مقصوراً على سندات تركيا والأرجنتين (مصنفة كدرجة غير استثمارية وتشكل أقل من 5% من إجمالي سندات الأسواق الصاعدة) أما الآن فقد ظهرت بوادر لتأثر سندات إندونيسيا والهند (درجة استثمارية ) .أي أنه وبحسب مذكرة بحثية لشركة إدارة الأصول أشمور فإن 96% من سندات الأسواق الناشئة تتداول بمستويات معقولة وعليه فتركيا والأرجنتين لا يمكن لنا النظر اليهم كمؤشر أداء لسندات الأسواق الصاعدة.أعتقد أن على المستثمرين يكون أكثر انتقاء للدول الذين يستثمرون بها ويتحاشون الدول التي تتأثر عملتهم بارتفاع الدولار (ولديهم كذلك ديون دولارية) لأن هذه الدول أكثر عرضة لمسألة مخاطر عدم السداد.
مشاء الله اصبحنا اكبر دولة محملة بديون خارجية في الشرق الأوسط والبعض يصفق ويهلل لهذا الإنجاز الغير مسبوق ؟؟