لم يصل سعر برميل النفط لهذا المستوى منذ نوفمبر 2014، فالأعوام الأربعة التي مضت كانت صعبة جدًا على المنتجين خصوصًا عندما وصلت الأسعار قبل أكثر من عامين تقريبًا إلى 27 دولارًا للبرميل، لكن التعاون بين الدول المنتجة للنفط من داخل أوبك وخارجها أسهم بإعادة التوازن بنسبة كبيرة للسوق، وهو ما أعاد الأسعار لمستوياتها الحالية التي تعد مقبولة للمنتجين والمستهلكين، لكن يبقى السؤال الأهم ماذا بعد تجاوز حاجز 80 دولارًا للبرميل؟
فتسارع الارتفاعات في الأسعار هذا العام جاء نتيجة لعوامل عدة من أهمها تراجع أنتاج فنزويلا لمستوى هو الأقل خلال 30 عامًا، حيث تنتج ما يقارب 1.5 مليون برميل حاليًا بينما كانت تنتج قبل عامين 2.3 مليون برميل، أما العامل الآخر فهو قرب تطبيق العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني بحلول نوفمبر المقبل، وهو ما يخوف الأسواق بأن تنخفض الإمدادات بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميًا، يضاف لهذه العوامل زيادة الطلب العالمي على النفط لما يقارب 99.3 مليون برميل يوميًا لهذا العام ارتفاعًا من مستوى 97.8 مليون برميل في العام الماضي بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
أما جواباً على التساؤل: ماذا سيحدث لأسعار النفط في المستقبل القريب؟ فكل التوقعات تشير أنها تتجه لمستويات 90 و100 دولار خلال مدة قد لا تتجاوز عامًا من تاريخنا الحالي، وذلك بحسب توقعات «بنك اوف أميركا ميري لنش» و»جي بي مورغان تيش» أكبر بنوك العالم من حيث الحجم وإدارة الأصول، بل إنهم رفعوا توقعاتهم بنسب تقارب عشرة بالمئة لمتوسط أسعار 2019 لتكون بين 80 و90 دولارًا بين أدنى وأعلى المستويات، فتوقعاتهم منذ العام الماضي حول الاتجاهات الصاعدة لأسعار النفط لما وصلت له حالياً رغم أنها كانت دون مستوى 60 دولارًا في وقتها قد تحققت.
أما على صعيد آراء المنتجين من أوبك وخارجها حول أوضاع السوق، فقد جاء اجتماع الجزائر قبل أيام مناسبًا بتوقيته للتعامل مع مستقبل السوق، وأوضحوا بأنه لا يوجد مشكلة في الإمدادات، فكل من يطلب النفط يتم تلبية طلبه، وبذلك يكون السوق قد حقق التوازن المطلوب حاليًا، ولم تلتفت الدول المجتمعة بالجزائر لدعوات خفض الأسعار من قبل الحكومة الأمريكية، فالسوق عرض وطلب والمنتجون يلبون احتياجات السوق وجاهزون لتعويض أي نقص في الإمدادات ولا يتدخلون مباشرة في الأسعار، فلو تماشوا مع الطلب الأمريكي فإنهم سيعيدون الاختلال للسوق ويفقدون ميزة التنسيق غير المسبوقة بين أوبك والمنتجين من خارجها، فتدخل أوبك في الأسعار يزيد من حجة من يتهمونها في الغرب بالتلاعب بالسوق والتأثير على الأسعار، وهو أمر غير دقيق لأن أوبك إنتاجها لا يمثل أكثر من 32% من الإنتاج العالمي، فأميركا يبلغ إنتاجها 30% من إنتاج دول أوبك مجتمعة.
فالأسعار المنخفضة جدًا ستكون مفيدة للمستهلكين لفترة قصيرة، لأن عزوف المستثمرين عن التوسع في الإنتاج سيؤدي لنقص هائل بالمعروض مع نمو الطلب العالمي مما يؤدي لارتفاعات سريعة وكبيرة في الأسعار، وهو يوازي الارتفاع المبالغ فيه للأسعار، إذ إنه يفيد المنتجين لفترة قصيرة لأنه يؤدي لتأثير سلبي على نمو الاقتصاد العالمي وبالتالي تراجع الطلب، وكذلك يفتح الأمل لزيادة إنتاج الطاقة من مصادر بديلة منافسة للنفط ويجعلها أقل تكلفة منه، لذلك فالمصلحة للطرفين هي بسوق متوازنة وأسعار مقبولة لهم تخدم مصالحهم وتدعم نمو الاقتصاد العالمي.
أسعار النفط تقترب أكثر من تحقيق مستويات أعلى مما هي عليه الآن وقد تصل إلى 100 دولار، وهذا ما يتوقعه متعاملون ببورصات النفط عالميًا، لكن يبقى لتحرك المنتجين ومدى استجابة الاقتصاد العالمي لأي أسعار مرتفعة الدور الأكبر في تحديد اتجاهها لسنوات قادمة بعد أن تنتهي المؤثرات الحالية على السوق ويعود للتعامل مع المعطيات التقليدية المحددة لاتجاهات الأسعار وتحديدًا وضع الاقتصاد العالمي.
نقلا عن الجزيرة