نعرف أن الأجور لم تزد بما يوازي معدلات التضخم. ونعرف وجود مطالبات بزيادة الرواتب مقابل التضخم. هذه مشكلة عالمية وليست لدينا فقط. ولكن الرفع ليس بسيطا. لنأخذ الدولة. سيسأل وزير المالية من أين آتي بالمال الكافي للزيادة، والميزانية أصلا فيها عجز؟ الكلام السابق يجر إلى الحديث عن كيفية رفع دخل الفرد. وهذا بدوره يجر إلى حديث عن الإصلاحات الاقتصادية، ومعروف أن بلادنا تمر بإصلاحات في الجهاز الحكومي وفي الاقتصاد عامة، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - وفقه الله لما فيه خير العباد والبلاد. قضايا الإصلاحات الاقتصادية كانت وما زالت موضع نقاشات ودراسات وندوات ومنتديات. وسبل رفع معدل دخل الفرد هي أهم أو جوهر ما يناقش.
الجواب المختصر، هو عبر التحسين الدائم للناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا يجر إلى سؤال: كيف؟ من خلال رفع إنتاجية المؤسسات الوطنية في القطاعين الحكومي والخاص وإنتاجية الفرد العامل. ويأتي السؤال: كيف؟ أي كيف نحقق إصلاحا يرفع الإنتاجية. تدور المناقشات فيما يخص بلادنا على عدة أمور إصلاحية، أجمل ما أراه أهمها: - العمل على الاستثمار في قطاعات صناعية وإنتاجية متعددة غير قطاع الطاقة. - بناء ثقافة إنتاجية، ورفع إنتاجية وتدريب السعوديين. وهناك قناعة بوجود ضعف في الإنتاجية والتدريب. - أن تعطى الفرصة للقطاع الخاص للقيام بدوره في العملية الإنتاجية الوطنية، بعد أن تقوم الحكومة بتوفير الأرضية المناسبة والظروف الخصبة المساعدة على تحقيق هذا الأمر. - تحسين مستوى المشاركة والمساءلة على مبدأ الغرم بالغنم. - أهمية البنية التحتية، واستخدام الابتكارات لمصلحة البلاد والحكومة. - تحسين التعاون فيما بين الأطراف. - تطوير أو تحسين فاعلية وأداء المنشآت الصغيرة والمتوسطة. العمل قد بدأ على تحقيق ما سبق. قد نختلف وقد نتفق على بعض التفاصيل.
لكن من المهم أن يعرف أنه لم يكن له أن يبدأ دون أن نغير مسارنا الذي اتخذناه طوال العقود الماضية إلى مسار آخر نطمح فيه أن نكون ضمن أقوى وأكبر اقتصادات العالم، وأفضلها في مجال التنافسية العالمية. هذه العبارة قيلت كثيرا عبر سنين. على سبيل المثال، اقرأوا مناقشات منتدى الرياض الاقتصادي وتوصيات ندوات حكومية اقتصادية رفيعة المستوى، وغيرهما. كما أود أن أؤكد هنا ثانية إلى أهمية رفع إنتاجية المواطنين الموظفين مع الأخذ في الحسبان معالجة أوضاع الباقين. ومن المهم أن يعرف عن قناعة تامة أن الطرق القديمة للمعالجة لم تعد صالحة. وأن اعتماد المالية العامة على مورد ناضب ومتقلب في أسعاره ليس في مصلحة الأجيال المقبلة. وخلاف كون النفط موردا ناضبا، فقد يتدنى الدخل النفطي لأي سبب، مثل تطوير مصادر طاقة أخرى والاستغناء عن النفط بصورة كبيرة، دون تنويع اقتصادي وبدائل قوية للمالية العامة. كما أنه مهم استمرارنا بلا هوادة في محاربة المحسوبية والإهمال والتسيب في الأداء. ومن جهة أخرى، معروف أن معظم موظفي الشركات الصغيرة والمتوسطة متدنية دخولهم، وهم أكبر عددا من موظفي الحكومة، واعتمادنا على الوافدين زاد على حده.
وما يسمى "المناطق النائية" لم تنل حظها من التطوير. وكل هذه نقاط للمعالجة. علينا جميعا بذل الجهد والاهتمام البالغ برفع الإنتاجية لتنتج لنا زيادة دخول وتحسينا في معيشة عامة الناس. علينا أن نوزع التنمية بين المناطق والمحافظات، وأن نحارب كل ما من شأنه إعاقة رفع مستوى الأداء والإنتاجية. باختصار، لا يمكن لنا أن نحسن من الدخول، كالرواتب، ونتجاهل شدة اعتمادنا على دخل النفط. لا يمكن مناقشة ارتفاع الأجور بمعزل عن ارتفاع الإنتاجية، وما كان ممكنا أن ترتفع الأجور في الدول الصناعية لو لم ترتفع الإنتاجية. زيادة الدخل تأتي تبعا لزيادة الإنتاجية. وهذا ليس بأمر جديد، بل يدركه جيدا ليس فقط المتخصصون في مجالات التنمية والاقتصاد والإنتاجية والسياسات العامة، بل يدركه كل من أعطاه الله وعيا وفهما واهتماما بكيفية تطور الاقتصادات ونموها، وعلى أساسه قيل "لا تطعمني سمكة، لكن علمني كيف أصطاد". وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية