جرت عادة صندوق النقد الدولي مع غالبية أعضائه من الدول، على ضخ كثير من توصياته القاسية إلى الأجهزة الاقتصادية والمالية في تلك الدول، وأحيانا تتصاعد تلك التوصيات إلى مستويات بالغة القساوة؛ قد تراها تأتي بعديد من الآثار العكسية على مجتمعات تلك الدول، ما ينتج عنها عديد من الأزمات الاقتصادية لدى شرائح اجتماعية واسعة النطاق، الذي نتج عنه طوال عقود طويلة من تجارب الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي مع توصياته الصارمة، تشكل ردة فعل تميل إلى عدم الرضا والقبول بها من قبل مجتمعات الدول الأعضاء، بل تصل أحيانا إلى نشوء أزمات اقتصادية وأمنية فيها، تعبيرا عن رفض تلك التوصيات جملة وتفصيلا، ولم يخرج من عباءة تلك التوصيات إلا دول قليلة جدا تعد على أصابع اليد الواحدة، واللافت أن تلك الدول وصلت إلى نتائج أفضل بكثير مما كان يستهدفه الصندوق الدولي، فاقت بجودتها ما وصلت إليه دول أخرى التزمت توصيات الصندوق، التي لم يكن لديها خيارات أخرى إلا تنفيذها، خاصة إذا كانت قد حصلت تلك الدول على قروض من الصندوق، وفي المجمل تعد الأهداف التي تحققت لتلك الدول أفضل بكثير وإن نتج عنها بعض النتائج القاسية اجتماعيا، مقارنة بما لو كانت قد بقيت على أوضاعها السابقة قبل الإصلاحات، وما هذا إلا ضريبة لافتقارها الاعتماد على كوادرها المحلية، وعدم إقرارها سياسات وبرامج إصلاح كان مفترضا أن تبادر بها قبل تدخل غيرها.
بالنسبة إلى المملكة؛ جاءت نتائج "مشاورات المادة الرابعة 2018" التي صدرت أخيرا، مؤيدة للعام الثاني على التوالي لبرامج الإصلاح الواسعة التي أقرتها الحكومة تحت مظلة "رؤية المملكة 2030"، وهي الرؤية التي ولدت محليا، وخضعت للتأسيس والرسم والتنفيذ والمراجعة المستمرة من قبل كوادر وأجهزة محلية منذ منتصف 2016، ولا تزال تلك البرامج التنفيذية تحت مظلة "رؤية المملكة 2030" تتوسع وتتعدد، أسهمت أولا في امتصاص كثير من آثار انخفاض أسعار النفط عالميا، وثانيا في المضي بمسار الاقتصاد الوطني وتحريكه للوقوف ومن ثم المضي قدما على قاعدة أكثر صلابة، وتقليلا للاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد متقلب الأسعار.
طريق كان معلوما ومحتسبة له مسبقا آثاره المؤلمة في الأجلين القصير والمتوسط، تم العمل على وضع الأحزمة اللازمة لامتصاص تلك الآثار العكسية، سواء تلك الآثار المحتملة على المجتمع أو القطاع الخاص، تم توقعها في وقت مبكر من بدء الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، أن تطبيقها ستصاحبه بكل تأكيد آلام مرحلية على الاقتصاد والمجتمع، وأنها في الوقت ذاته لا ولن تقارن بحجم الآثار الكارثية المحتملة إذا استمر ترسب التشوهات الخطيرة السابقة في الاقتصاد "الفساد، الاحتكار، الاعتماد المفرط على النفط، تأخر تنويع قاعدة الإنتاج، المضاربات، والاعتماد المفرط على العمالة الوافدة... إلخ"، ولا مجال للمقارنة بين الآثار العكسية لعملية الإصلاح الاقتصادي مهما بلغت أوجاعها من جانب، ومن جانب آخر تلك النتائج الوخيمة والصادمة إن تركت الأمور على أوضاعها العتيقة، المصابة بكثير من الأمراض والتشوهات الهيكلية. شهدنا خلالها تباطؤ النمو الحقيقي في البداية، ثم كيف بدأ في التحسن التدريجي فترة بعد فترة، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، مشيرا إلى تحسن توقعاته بخصوص النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي، أن يصل إلى 1.9 في المائة بحلول نهاية العام الجاري، مقارنة بانخفاضه خلال العام الماضي بنسبة 0.9، وأن يرتفع النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بنسبة 2.3 في المائة، مقارنة بنموه الأقل بنسبة 1.1 في المائة خلال العام الماضي.
وبغض النظر عن إشادة صندوق النقد الدولي، فقد دشنت المملكة خلال أكثر من عامين مضيا عديدا من الأنظمة وإجراءات الإصلاح الاقتصادي الواسعة النطاق، إضافة إلى مشروعات تنموية عملاقة بمئات المليارات من الريالات، كل ذلك جرى ضمن سياق البرامج التنفيذية لـ "رؤية المملكة 2030"، ووضعت برامج صارمة للتعامل مع كثير من التحديات التنموية الجسيمة، سواء تلك التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014، أو تلك التي نتجت عن استدامة كثير من التشوهات في الاقتصاد الوطني طوال خمسة عقود مضت، استطاع الاقتصاد امتصاص أغلب آثارها والتكيف معها، والآن تتقدم خطواته نحو تجاوزها تدريجيا، المتوقع اكتمال نجاحاتها بعد نهاية 2020، تمهيدا لاستمراره بنجاح منشود في تجاوز بقية تحدياته التنموية الكأداء بعد ذلك التاريخ، والوقوف مجددا على أرضية أكثر صلابة، تتمتع بمزيد من تنوع ركائز الإنتاج المحلية، وانفتاح أكبر على مستوى اقتناص فرص الاستثمار المحلية، التي ستسهم مجتمعة في زيادة معدل نمو الاقتصاد، وإيجاد مزيد من فرص العمل أمام جموع الباحثين والباحثات عنها.
لم يكن ممكنا على الإطلاق للاقتصاد الوطني النجاح في تحقيق ما أنجزه حتى تاريخه، في حال استمرت التشوهات الهيكلية التي عاناها طوال عدة عقود مضت، بدءا من تفاقم أشكال الاحتكار، وتحديدا احتكار الأراضي البيضاء والمضاربات المحمومة عليها، مرورا بترهل أداء الأجهزة العامة، وغياب الرقابة الصارمة عليها، وخضوع بيئة القطاع الخاص لعديد من التشوهات كسيطرة العمالة الوافدة عليها، وتفاقم أشكال التستر التجاري في عموم أروقته، إضافة إلى اعتماده المفرط على الدعم والإنفاق الحكوميين، تلك التشوهات التي أوجدت أمامنا قطاعا غير قادر في أغلبه على الوفاء بمتطلبات شراكته الحقيقية للنهوض بمقدرات الاقتصاد الوطني، وانتهاء بانتشار كثير من أشكال الفساد الإداري والمالي في مختلف أروقة الاقتصاد.
لم يعد غائبا على أحد منا ما يواجهه اقتصادنا ومجتمعنا من تشوهات تنموية راهنة، تحولت إلى تحديات جسيمة تعوق تقدم التنمية الشاملة لدينا، بدءا من ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الإسكان، وتعثر تنفيذ المشاريع التنموية، وتلوث كثير من الأعمال برزايا الفساد المالي والإداري وأشكال الاحتكار والتلاعب بالأسعار والتستر والغش التجاريين، وتأخرنا في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وغيرها من التشوهات المعوقة لأي اقتصاد ومجتمع. كل هذا وغيره من التحديات التنموية هو اليوم ضمن أهداف برامج الإصلاح الراهنة، وستستمر - بإذن الله تعالى - إلى أن يتم القضاء عليها، أو خفضها إلى أدنى مستوياتها الممكن القبول بها، مع التأكيد على أهمية المواجهة الأكثر حزما لأكبر تحديين تنمويين لدينا في الوقت الراهن، ممثلين في تحدي البطالة وأزمة تملك المساكن، التي تقتضي ضخ مزيد من القرارات والإجراءات الصارمة، ولما يمثله استدامتهما من مخاطر اقتصادية واجتماعية واسعة، وهو أيضا ما أكدته توصيات التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي.
بالنسبة إلى المملكة؛ جاءت نتائج "مشاورات المادة الرابعة 2018" التي صدرت أخيرا، مؤيدة للعام الثاني على التوالي لبرامج الإصلاح الواسعة التي أقرتها الحكومة تحت مظلة "رؤية المملكة 2030"، وهي الرؤية التي ولدت محليا، وخضعت للتأسيس والرسم والتنفيذ والمراجعة المستمرة من قبل كوادر وأجهزة محلية منذ منتصف 2016، ولا تزال تلك البرامج التنفيذية تحت مظلة "رؤية المملكة 2030" تتوسع وتتعدد، أسهمت أولا في امتصاص كثير من آثار انخفاض أسعار النفط عالميا، وثانيا في المضي بمسار الاقتصاد الوطني وتحريكه للوقوف ومن ثم المضي قدما على قاعدة أكثر صلابة، وتقليلا للاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد متقلب الأسعار.
طريق كان معلوما ومحتسبة له مسبقا آثاره المؤلمة في الأجلين القصير والمتوسط، تم العمل على وضع الأحزمة اللازمة لامتصاص تلك الآثار العكسية، سواء تلك الآثار المحتملة على المجتمع أو القطاع الخاص، تم توقعها في وقت مبكر من بدء الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، أن تطبيقها ستصاحبه بكل تأكيد آلام مرحلية على الاقتصاد والمجتمع، وأنها في الوقت ذاته لا ولن تقارن بحجم الآثار الكارثية المحتملة إذا استمر ترسب التشوهات الخطيرة السابقة في الاقتصاد "الفساد، الاحتكار، الاعتماد المفرط على النفط، تأخر تنويع قاعدة الإنتاج، المضاربات، والاعتماد المفرط على العمالة الوافدة... إلخ"، ولا مجال للمقارنة بين الآثار العكسية لعملية الإصلاح الاقتصادي مهما بلغت أوجاعها من جانب، ومن جانب آخر تلك النتائج الوخيمة والصادمة إن تركت الأمور على أوضاعها العتيقة، المصابة بكثير من الأمراض والتشوهات الهيكلية. شهدنا خلالها تباطؤ النمو الحقيقي في البداية، ثم كيف بدأ في التحسن التدريجي فترة بعد فترة، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، مشيرا إلى تحسن توقعاته بخصوص النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي، أن يصل إلى 1.9 في المائة بحلول نهاية العام الجاري، مقارنة بانخفاضه خلال العام الماضي بنسبة 0.9، وأن يرتفع النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بنسبة 2.3 في المائة، مقارنة بنموه الأقل بنسبة 1.1 في المائة خلال العام الماضي.
وبغض النظر عن إشادة صندوق النقد الدولي، فقد دشنت المملكة خلال أكثر من عامين مضيا عديدا من الأنظمة وإجراءات الإصلاح الاقتصادي الواسعة النطاق، إضافة إلى مشروعات تنموية عملاقة بمئات المليارات من الريالات، كل ذلك جرى ضمن سياق البرامج التنفيذية لـ "رؤية المملكة 2030"، ووضعت برامج صارمة للتعامل مع كثير من التحديات التنموية الجسيمة، سواء تلك التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014، أو تلك التي نتجت عن استدامة كثير من التشوهات في الاقتصاد الوطني طوال خمسة عقود مضت، استطاع الاقتصاد امتصاص أغلب آثارها والتكيف معها، والآن تتقدم خطواته نحو تجاوزها تدريجيا، المتوقع اكتمال نجاحاتها بعد نهاية 2020، تمهيدا لاستمراره بنجاح منشود في تجاوز بقية تحدياته التنموية الكأداء بعد ذلك التاريخ، والوقوف مجددا على أرضية أكثر صلابة، تتمتع بمزيد من تنوع ركائز الإنتاج المحلية، وانفتاح أكبر على مستوى اقتناص فرص الاستثمار المحلية، التي ستسهم مجتمعة في زيادة معدل نمو الاقتصاد، وإيجاد مزيد من فرص العمل أمام جموع الباحثين والباحثات عنها.
لم يكن ممكنا على الإطلاق للاقتصاد الوطني النجاح في تحقيق ما أنجزه حتى تاريخه، في حال استمرت التشوهات الهيكلية التي عاناها طوال عدة عقود مضت، بدءا من تفاقم أشكال الاحتكار، وتحديدا احتكار الأراضي البيضاء والمضاربات المحمومة عليها، مرورا بترهل أداء الأجهزة العامة، وغياب الرقابة الصارمة عليها، وخضوع بيئة القطاع الخاص لعديد من التشوهات كسيطرة العمالة الوافدة عليها، وتفاقم أشكال التستر التجاري في عموم أروقته، إضافة إلى اعتماده المفرط على الدعم والإنفاق الحكوميين، تلك التشوهات التي أوجدت أمامنا قطاعا غير قادر في أغلبه على الوفاء بمتطلبات شراكته الحقيقية للنهوض بمقدرات الاقتصاد الوطني، وانتهاء بانتشار كثير من أشكال الفساد الإداري والمالي في مختلف أروقة الاقتصاد.
لم يعد غائبا على أحد منا ما يواجهه اقتصادنا ومجتمعنا من تشوهات تنموية راهنة، تحولت إلى تحديات جسيمة تعوق تقدم التنمية الشاملة لدينا، بدءا من ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الإسكان، وتعثر تنفيذ المشاريع التنموية، وتلوث كثير من الأعمال برزايا الفساد المالي والإداري وأشكال الاحتكار والتلاعب بالأسعار والتستر والغش التجاريين، وتأخرنا في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وغيرها من التشوهات المعوقة لأي اقتصاد ومجتمع. كل هذا وغيره من التحديات التنموية هو اليوم ضمن أهداف برامج الإصلاح الراهنة، وستستمر - بإذن الله تعالى - إلى أن يتم القضاء عليها، أو خفضها إلى أدنى مستوياتها الممكن القبول بها، مع التأكيد على أهمية المواجهة الأكثر حزما لأكبر تحديين تنمويين لدينا في الوقت الراهن، ممثلين في تحدي البطالة وأزمة تملك المساكن، التي تقتضي ضخ مزيد من القرارات والإجراءات الصارمة، ولما يمثله استدامتهما من مخاطر اقتصادية واجتماعية واسعة، وهو أيضا ما أكدته توصيات التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي.
السلا عليكم كل سنة وانت طيب أستاذ عبدالحميد صحيح مثل ماتفظلت اهم شيء الاستمرار في زخم الإصلاحات خصوصا مايتعلق بإصلاحات سوق العمل وتشوهاته الواضحة لداخل قبل الخارج ومعالجة الاحتكار بكل أنواعه سواء أراضي أو غيرها وإصدار قرارات أكثر فيما يخص البطالة للقضاء عليها أو احتوائها والحد منها.. وشكراً