مع نشر مؤسسة «سيديغاز» الفرنسية تقديراتها الأولية لأسواق الغاز العالمية خلال 2017، تبين أن الطلب العالمي على الغاز سجل رقماً قياسياً خلال 2017 بارتفاعه 3.3 في المئة ليصل 3.040 بليون متر مكعب.
يعود السبب للارتفاع ليس فقط لتحسن النمو الاقتصادي العالمي، بل أيضاً للسياسات الداعمة لاستهلاك الغاز، بالذات لاستعماله بدلا من الفحم في توليد الكهرباء من أجل تقليص التلوث البيئي، خاصة في الصين، حيث ارتفع الطلب 15 في المئة، أو 30 بليون متر مكعب خلال 2017. وارتفع استهلاك الغاز في الشرق الأوسط وافريقيا أيضاً للاعتماد المتزايد على الغاز لتوليد الكهرباء، لكونه الوقود الهيدروكربوني الأقل تلوثاً.وتدل التوقعات على أن يشكل الغاز الوقود الذي يربط ما بين العصر الهيدروكربوني الذي هيمن على طاقة القرن العشرين وعصر الطاقات المستدامة المتوقع أن ينطلق بشكل واسع مع حلول منتصف القرن العشرين. ويتصاعد دور الغاز نظراً إلى الاهتمام العالمي بانخفاض كل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ومنافسته السعرية.
تم اهمال الغاز طوال النصف الأول من القرن العشرين. لكن بدأ الاهتمام به بعد زيادة الأسعار النفطية في أوائل عقد السبعينات، فأخذ يحل محل المنتجات البترولية والفحم المستعمل في توليد الكهرباء. وازداد الطلب على الغاز، مع الاهتمام العالمي بالاحتباس الحراري والتلوث البيئي. ومثال على ذلك المحاولات الأخيرة لاستعمال الغاز المسال بديلاً من الديزل والوقود البحري للسفن حيث يتوقع تخفيض التلوث الناتج عن مرور السفن بالقرب من السواحل.
من الجدير بالذكر أن وزير البحرية البريطاني الشاب ونستون تشرشل قرر أثناء الحرب العالمية الأولى استعمال المنتجات البترولية بدلاً من الفحم كوقود للسفن نظراً إلى السرعة التي وفرتها المنتجات للأسطول. وكانت هذه بداية هيمنة النفط في القرن الماضي، بالإضافة إلى استخدامه في سيارة «ت-فورد» ذات محرك الاحتراق الداخلي التي غزت الأسواق في حينه.
أدت زيادة استهلاك الغاز الحالية إلى تكثيف محاولات اكتشافه. ومن أحدث الاكتشافات الضخمة تلك في القطب الشمالي. وبالفعل وصلت أولى شحنتين من الغاز المسال القطبي الروسية إلى الصين خلال الأسابيع الأخيرة بواسطة شركة «نوفاتيك» الروسية. تم ابحار الناقلات من طريق «الشمال البحري» القطبي الذي اختصر المسافة نصف الوقت عن إبحار الناقلات عبر المحيط الهندي.
تزود شركة «غاز بروم» الروسية الغاز للدول الأوروبية من حقول «سيبيريا الغربية» عبر خطوط أنابيب ضخمة وطويلة المدى تم تشييدها خلال منتصف عقد الثمانينات.
تشكل الامدادات الغازية الروسية نحو 30-40 بالمئة من الطلب على الغاز في أوروبا. ولم تحصل أي عوائق لتصدير الغاز الروسي سوى في السنوات الأخيرة، نظراً إلى الخلافات السياسية والاقتصادية بين موسكو وبعض دول المجموعة الأوروبية الاشتراكية السابقة التي تمر عبرها الأنابيب، وبالذات أوكرانيا. أدى الخلاف الروسي- الأوكراني إلى توقف مرور الغاز إلى الدول الأوروبية لفترات قصيرة محدودة. قررت روسيا وألمانيا منذ سنوات تشييد خطين لأنابيب الغاز «نورد ستريم-2» يمران في مياه بحر البلطيق ليربط روسيا وألمانيا مباشرة، من دون المرور (ترانزيت) في أراضي دولة ثالثة.
لقد أثار هذا المشروع بقيادة «غازبروم» ومشاركة شركات أوروبية، غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر «ناتو» الأخير، حيث اتهم ترمب ألمانيا بأنها «تحت السيطرة المباشرة لروسيا»، لاعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية. الأمر الذي أثار غضب السياسيين الألمان، ليعود ترامب إلى تعديل انتقاداته والتصريح لاحقاً بعد لقائه الرئيس بوتين في موسكو، بأن روسيا ليست صديقة أو عدوة، بل دولة منافسة في حقل الغاز، من ضمن منافسات أخرى.
وأضاف ترامب: «أتمنى لهم حظاً جيداً بالنسبة إلى مشروع نورد ستريم-2»، معقباً أنه ليس متأكداً من أن المشروع لمصلحة ألمانيا». وقال: «هذا قرار قد اتخذوه هم وسنتنافس مع هذا المشروع».
يتضح أن المنافسة الأميركية مع مشروع «نورد ستريم-2» ذي الطاقة 55 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز يعتمد على أمرين أساسيين. الأول هو عبر أسعار منخفضة للغاز المسال الأميركي المنوي تصديره إلى أوروبا، وذلك نتيجة الفائض الغازي الذي بدأ يتوافر للولايات المتحدة مع ارتفاع إنتاج الغاز الصخري.
بدأ شحن صادرات الغاز المسال الأميركية للأسواق العالمية فعلاً، ولكن بشكل محدود. وتتوقع زيادة الصادرات خلال العقد المقبل عند الانتهاء من تشييد الموانئ والناقلات المتخصصة لتسييل الغاز وشحنه إلى الأسواق العالمية بأسعار منافسة. اعتبر الرئيس بوتين في خطاب سابق له أن موضوع تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا هو أمر حيوي للأمن القومي لبلاده. واعتبر أن الأمر سيعتمد على المعادلة السعرية التي ستعتمدها الشركات الأميركية للغاز المسال في الأسواق الأوروبية، مقارنة بالمعادلة الروسية المعمول بها منذ منتصف عقد الثمانينات والتي تستعملها بقية الدول المصدرة للغاز إلى أوروبا. وصرح أخيراً وزير الطاقة الأميركي ريك بيري لوفد من الاتحاد الأوروبي يزور واشنطن: «عندما تفكرون عن مصدر لإمدادات جديدة، وعندما تفكرون بشريك مع أفكار جديدة، نريدكم أن تفكروا بأميركا أولاً».
تعتمد المنافسة الأميركية ثانياً على سلاح العقوبات، بالذات على الشركات التي لها عقود مشاركة أو تعاون مع مشاريع أنابيب الصادرات الروسية . وبالفعل، فقد شرع الكونغرس منذ سنوات قوانين للعقوبات على الشركات الأوروبية المشتركة مالياً مع «غاز بروم» في مشروع «نورد ستريم-2» (شل، أو أم في النمساوية، شركة الطاقة الفرنسية إينجي والشركتان الالمانيتان يونيبر وونترشال). وهناك محاولات أولية في الكونغرس الآن لزيادة العقوبات على هذه الشركات لردعها عن الاستمرار في المشروع. لكن من غير الواضح حتى الآن موقف الرئيس ترامب من تصعيد العقوبات، بالذات بعد الاجتماع الثنائي الذي عقده مع الرئيس بوتين في هلسنكي، الذي لا تزال تفاصيله غامضة وغير معروفة.
من الواضح أن هناك معركة مصالح متناقضة بين القطبين الكبيرين حول أسواق الغاز، شبيهه في صراع المصالح النفطية ما بين الدول الكبرى خلال النصف الأول من القرن العشرين.
نقلا عن الحياة
طبيعة روسيا الجغرافية و طبيعة الاجواء و مناطق تواجد الغاز فيها تطرح تحديات امام الانتاج و تتسبب برفع التكلفة لاكن السوق قريب و هناك حلول منخفضة التكلفه لنقله بعكس الامريكان الغاز لديهم سهل الانتاج و منخفض التكلفه لاكن السوق بعيد