ما زالت الإعلانات تنادي الجميع للتعامل مع العملات الافتراضية الجديدة، وهذه الإعلانات تجد آذانا مصغية من أعداد كبيرة من المستثمرين وشريحة كبيرة من الشباب الباحث عن الثروة والجميع يتكالبون وهم في زيادة يومية ويحلمون بجني الأرباح الطائلة في وقت قصير وبدون عناء يذكر أو عمل يرهق. ومن الجانب الآخر، هناك من ينادي بالابتعاد التام عن التعامل مع هذه العملات للمخاطر العديدة التي ترتبط بالتعامل بهذه النوعية من العملات خاصة وأنها غير قانونية أو غير رسمية ولا تصدر من جهات رسمية قانونية لها الصلاحيات القانونية المطلوبة لإصدار العملات ومنحها الصفة القانونية والقوة لإبراء الذمة عند السداد.
في تقرير فني صدر أخيرا من “بنك التسويات الدولي”، وتداولته العديد من الجهات المختصة، أشار إلى أن العملات الرقمية الافتراضية مثل بتكوين وإيثريوم ولايتكوين وغيرها من العملات الافتراضية التي أصبحت لا تحصى ولا تعد، بأنها جميعها خطرة وضارة وعديمة القيمة إضافة إلى أنها وسيلة فاعلة لانهيار قيمة الأصول، ويجب الابتعاد تماما عن التعامل بها. ولقد خصص التقرير السنوي لهذا البنك، المعروف بأنه البنك المركزي العالمي للبنوك المركزية الوطنية، فصلا كاملا عن العملات الافتراضية ومدى ما تشكله من خطورة مباشرة على النظام المالي العالمي وعلى ثروات الأفراد بصفة خاصة. وما تضمنه التقرير يعتبر مؤشرا خطيرا كبيرا ضارا، ولا بد من التعامل الفوري معه بكل جدية إذا كانت هناك آذان مصغية وعقول تفكر لتدارك الموقف قبل فوات الأوان.
ومن المعلوم أن هذه العملات الافتراضية الرقمية، ومن أشهرها بتكوين، بدأت تنتشر أخيرا كأداة تداول خاصة في ما يسمى بـ”الإنترنت المخفي” أو “الإنترنت الأسود” الذي أشرنا له بتفاصيل في مقال سابق. وهذا الإنترنت المخفي أو الأسود، لا يستطيع أي شخص الوصول إليه إلا عبر إجراءات عالية التعقيد وفي الغالب يستخدمه المجرمون واللصوص من عصابات المافيا العالمية المشهورة بتجارة البشر والمخدرات والأسلحة وغيرها، وأيضا يستخدمه زعماء غسل الأموال للتخلص من أموالهم القذرة وتبييضها للاستفادة الفعلية منها.. والخطورة تكمن الآن في أن تداول هذه العملات الافتراضية، التي لا يسندها القانون، قد بدأ في الانتشار عبر “الإنترنت العادي” في السنوات الأخيرة وهذا في الغالب قد يكون رد فعل مباشر على الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم قبل حوالي عشر سنوات، وأصبح الجميع يلهثون ويبحثون عما يعوضهم الخسائر التي تكبدوها.
من الناحية الفنية البحتة تشير الكثير من التقارير إلى أن العملات الرقمية الافتراضية تصبح “بلا قيمة” من خلال عمليات الغش أو الاختراق الرقمي. وهذا يعود لأن التداول في هذه العملات غالبا يتم عبر “صناديق وهمية” غير حقيقية تضر وتهوي بثروة المتعاملين وذلك بعيدا عن قواعد التعامل الرسمية المقننة وفق القانون والمتعارف عليها في الممارسات التجارية. ومن سلبيات هذه العملة الافتراضية أيضا أن “عنصر الثقة” والذي يعد القيمة الأهم للتعامل والاتجار بالعملات، يمكن أن ينهار بكل بساطة وفي أي لحظة ويجعل العملة بلا قيمة ذات وزن. وهذا يتم نظرا لأنه، وبكل بساطة، يمكن “للثقة” المطلوب توفرها أن تتبخر في أي لحظة نتيجة هشاشة عملية التدقيق التي تضمن إتمام المعاملات، وفي مثل هذه الحالات من الارتباك يمكن لهذه العملة الرقمية أن تتوقف تماما وهذا يعني خسارة القيمة بالكامل. فهل يستوعب المتعاملون هذه المخاطر الخطيرة المحدقة بهذه التعاملات في عالم الأثير المجهول غير المنظم.
ولا بد من الإشارة أيضا، ألى أن التقارير الفنية تتناول المزيد من النقاط الحساسة في مواجهة العملات الافتراضية وفي هذا الإطار فإنها تتجرأ وتقوم بالرد الواضح على المزاعم و”الأوهام العالقة في أذهان البعض” والتي تتباهى دائما بسرعة التعامل بالعملات الرقمية الافتراضية وذلك بسبب أنها تتم بعيدا عن الأنظمة المالية الرسمية؛ لأنه في الواقع تبين من التدقيق والمراجعة وفي أي معاملة أن التباطؤ يأخذ دوره مع كل عملية على حدة، فكلما ارتفع عدد العملات المتداولة كلما زاد الوقت المطلوب للتداول وصولا إلى عدة ساعات. وكمثال فعلي وللمقارنة، فان شركتي بطاقات الائتمان “فيزا” و”ماستركارد” تنتهيان من عشرات الآلاف من العمليات في الثانية الواحدة وبكلفة لا تكاد تذكر، أما بالنسبة لمعاملات العملة الرقمية بتكوين وأمثالها فإن كلفة المعاملة الواحدة تأخذ وقتا أطول كما أن قيمتها ترتفع لتصل إلى بعض الدولارات.
وهناك خطر فني قانوني آخر يحيط بهذه العملات وهو احتمال عدم إتمام المعاملة لأي سبب مما يعني خسارة المتداول بالعملات الرقمية الافتراضية لكل أو جزء كبير من الثروة التي يملكها في لحظات فورية سريعة. ولأن العملات الافتراضية وتداولها لا يخضع لأي لوائح أو قواعد أو ضوابط قانونية فإنه بالتالي لا يوجد لها أي سند قانوني أو ضمان مهني في حال خسارة المتعامل لثروته. وهذا الأمر في حد ذاته يعتبر خطرا حقيقيا ماثلا في أي لحظة خاصة مع وجود آخرين في العالم الافتراضي الخفي لديهم أفكار إجرامية ومهارات اختراق أوسع تمكنهم من “خطف” ثروة غيرهم.
وللعلم، تظهر بعض الإعلانات التي تشير إلى أنها صادرة من “بورصات” تداول العملات الرقمية الافتراضية، ولقد تبين أنها لا تعدو عن عمليات نصب مبرمجة منظمة تستخدم التكنولوجيا لنهب ثروات الأفراد. وفي النهاية يتضح جليا، أن مشكلة العملات الرقمية الافتراضية لها علاقة مباشرة بالتكنولوجيا من ناحية الأمان أو سهولة الاختراق، وهي أيضا مشكلة نحتاج في حلها لإخضاعها للقواعد القانونية والتنظيم المؤسسي. مع الأخذ في الاعتبار، أن خسائر العملات الرقمية، وفي مقدمتها بتكوين، زادت كثيرا وتضاعفت خلال الفترة الماضية، وارتفع إجمالي الخسائر الشهرية لتتجاوز مئات المليارات من الدولار وهذه الخسارة توازي ما يقرب من ربع قيمة العملات الافتراضية الإجمالية في السوق.
وبالإضافة للمخاطر الفنية والمالية أعلاه، اتضح أن البحث المكثف عن العملات الافتراضية عبر الإنترنت بغرض التداول أصبح كارثة بيئية عالمية لما يحتاجه من طاقة، حيث تستنزف عملة بتكوين وحدها طاقة تساوي ما تستهلكه دولة بحالها. وفي هذا هدر كبير للطاقة مما ينتج عنه أضرار كبيرة للبيئة..
ومع مرور الأيام يتضح مدى الخطورة المرتبطة باستخدام هذه العمليات الافتراضية والاستثمار فيها، وكل هذه المخاطر على حساب المستثمر وحده نظرا لأن الجهات الرسمية لا يمكن أن تقدم أي ضمانات لهذا الاستثمار الذي يصفه البعض بالتهور وعدم الروية. ولذا ننصح بضرورة الاستثمار في المنتجات القانونية المعروفة، وقد يكون عائدها قليلا لكنه مضمون بقوة القانون. هناك من يقول بأن كل الاستثمارات محفوفة بالمخاطر فلماذا نركز على هذا الوتر بالنسبة للعملات الافتراضية. ونجيب أن هذا النشاط تحديدا لم يأت عبر المنافذ القانونية أو الجهات القانونية ويظل مجهول الأب، فهل ترتبط به ؟
نقلا عن عُمان
بالفعل نشاط مريب وغير نظامي ، واستغرب كيف سكت عنه من البنوك المركزية في الدول المتقدمة ، بل ان بعضها يمكن اقر التعامل بتلك العملات للأسف . شكرًا ارقام والشكر موصول للدكتور عبدالقادر.