جرت العادة أن تكون زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمواقع المشروعات الضخمة مرتبطة بوضع حجر الأساس؛ أي أن تكون زيارات بروتوكولية قصيرة يُعلن من خلالها إطلاق المشروع على أرض الواقع.
الأمر كان مختلفًا في زيارته -حفظه الله- لمشروع «نيوم» السياحي التنموي؛ فالزيارة لم تكن لسويعات قصيرة، بل لأيام عدة بهدف الراحة والاستجمام، في الموقع السياحي الفريد الذي بدأ العمل به قبل عشرة أشهر تقريبًا. لم يدر بخلد أكثر المتفائلين قدرة الهيئة الخاصة والمسؤولة عن مشروع نيوم على تجهيز مواقع سكن ملكية، وأخرى لاحتضان مجلس الوزراء، ومجلس الاقتصاد والتنمية، والاجتماعات الرسمية، والوفود المرافقة والمتوقع زيارتهم الموقع، إضافة إلى المطار الذي يخدم المنطقة ويربطها بالعالم الخارجي.
فالمشروعات الضخمة تحتاج إلى فترات طويلة للانتهاء من تجهيزاتها الأساسية والبنى التحتية قبل البدء في تنفيذ بعض المباني الخارجية، وهذا بخلاف ما رأيناه في نيوم. قد يكون هناك أهداف محددة لتنفيذ نواة المنطقة الجديدة في فترة زمنية قصيرة، كمحور الانطلاقة، ونموذج البناء، ومركز الإيواء والترفيه للوفود العالمية المعنية بالاستثمار والحريصة على استكشاف الموقع وتقييم الالتزام الحكومي بالتنفيذ وتحقيق الرؤية الإستراتيجية؛ غير أن متطلبات الإقامة الملكية ربما تحتاج إلى تجهيزات نوعية وكمية تفوق في مضمونها ما يمكن أن يطلق عليه نواة المشروع، ومركز الإدارة والتنفيذ.
نجحت الهيئة الخاصة لمشروع نيوم برئاسة سمو ولي العهد في استكمال بعض المواقع الأولية في فترة زمنية قصيرة مهدت لاختيار خادم الحرمين الشريفين قضاء إجازته فيها؛ وأعادت الأضواء لمشروع «نيوم» محليًا وعالميًا؛ وأسهمت في الرد على الأصوات المشككة بالقدرات السعودية وبرامجها التطويرية؛ وأهدافها الإستراتيجية.
قدمت زيارة خادم الحرمين الشريفين لنيوم دعمًا معنويًا وإعلاميًا غير مسبوق؛ ولفت أنظار العالم للمنطقة المستهدفة بالتطوير والاستثمار والحاضنة لأهم مشروعات التقنية والطاقة المتجددة والسياحة العالمية.
نيوم اليوم ليست كنيوم الأمس؛ فأنظار المراقبين والمهتمين بشؤون التنمية والاستثمار ستتوجه إليها؛ وستكثر الأسئلة حولها وستتلقى الهيئة طلبات الراغبين في زيارتها؛ كما أن المتربصين سيكونون أكثر حرصًا على التشكيك فيما أنجز فيها؛ لذا يجب أن تعمل «هيئة نيوم» بضعف طاقتها لضمان استكمال بعض المشروعات السياحية المهمة التي يمكن تشغيلها. تنفيذ قرية سياحية مكتملة خدمات الإيواء والترفيه وخلق برامج داعمة للمجموعات السياحية إضافة إلى سفن التنقل بين المنطقة والمواقع السياحية المقابلة من الأدوات المهمة.
هل يمكن لمدينة «نيوم» احتضان قمة مجموعة العشرين التي ستحتضنها المملكة العام 2020؟؛ سؤال تردد في ذهني منذ الإعلان عن إنشاء المدينة. هي أمنية للجميع وتحد كبير للمنفذين؛ وأحسب أن القدرة على تجهيز مواقع محددة، كالقرى السياحية المصغرة؛ متاحة عطفًا على ما أُحدث فيها خلال عشرة أشهر فقط. أثق بقدرات المملكة؛ ودعم خادم الحرمين، وإمكانات ومبادرات سمو ولي العهد وحرصه على الإنجاز وتقديم المملكة بأجمل صورها للعالم؛ ما يحملني على التفاؤل بإمكانية تحقيق الأمنية أو على الأقل جانب منها، كأن تكون نيوم مقرًا لاجتماعات اللجان المنبثقة عن مجموعة العشرين؛ فتحظى بالثقة العالمية والترويج الإعلامي، والجذب الاستثماري وتحفيز المشروعات.
نقلا عن الجزيرة