عند استقلال سنغافورة كانت معدلات البطالة فيها عالية تزامناً مع ضعف أدائها الاقتصادي، وكانت إحدى إستراتيجياتها الاقتصادية تتركز في الحد من معدلات البطالة، وبعد سنوات عملت على تحويل وتطوير اقتصادها للصناعات عالية التقنية مما أدى لتوليد وظائف تطويرية عديدة عالية الدخل ومناسبة لعمالتها الوطنية، فالتجربة السنغافورية في حماية مواطنيها في سوق العمل تعتبر من التجارب المميزة التي كان لها أثر إيجابي على الاقتصاد السنغافوري، وهذه التجربة كانت نموذجاً جاذباً لبعض الدول للاطلاع عليها وتطبيقها على أسواق عملهم، ولكن هل يعني نجاح هذه التجربة أن تطبيقها في أسواق عمل الدول الأخرى سينجح بنفس المستوى؟.
بعد سنوات اكتشفت سنغافورة أنها تحتاج لإجراءات أكثر لحماية عمالتها المحلية في سوق العمل من المنافسات غير العادلة بسبب العمالة الوافدة التي تقبل بأجور متدنية، واتجهت لفرض رسوم عالية عند توظيف العمالة الوافدة ويتحملها صاحب العمل، وكانت تلك الرسوم تعمل على آلية معينة وفقاً «لطبيعة الاقتصاد السنغافوري»، فنجدها ترتفع مع تدني أجر ومهارات العمالة الوافدة، وترتفع مع زيادة نسبة تلك العمالة من إجمالي العاملين في المنشأة الواحدة، وإضافة لذلك تم تحديد سقف أعلى لنسبة العمالة الوافدة يختلف من نشاط لآخر وذلك بالاعتماد على إحصائيات للمتعطلين لديها من المواطنين.
ما قامت به سنغافورة كان له دور كبير لكثير من القرارات التي تم تطبيقها في السوق السعودي خلال السنوات القريبة السابقة، وقبل الخوض أكثر في ذلك ينبغي أن نوضح مبدأ مهما في أي اقتصاد، فأحياناً يضطر الاقتصاد في أي دولة لتطبيق توجهات مؤلمة مُجبر عليها لفترة زمنية محددة، وهذا لا يعني أنه اختار تطبيق التوجه الخطأ، ولكن الأوضاع المحيطة لها تأثير كبير في اتخاذ تلك التوجهات بهذا الوقت، والتأثير الإيجابي سيكون واضح الملامح على المدى القريب ومن ثم تبدأ عملية مراجعة تلك التوجهات والعمل على توازن فيها.
أي تجربة عالمية في سوق العمل لا يمكن ضمان نجاحها عند استنساخها على السوق السعودي، فالتجربة السنغافورية على سبيل المثال من أنجح التجارب لحماية العمالة المحلية ولكن لا يعني ذلك أن تطبيقها حرفياً بالسوق السعودي سيكون ناجحاً، فنحن في اقتصاد لا يوجد فيه حد أدنى للأجور، ومن الصعب تطبيق الحد الأدنى للأجور فيه بالوقت الحالي لأن الأقلية في سوق العمل هي للعمالة السعودية، وتركيبة السوق مدمنة على الوظائف متدنية الأجر والوظائف التكميلية التي قد تقضي التكنولوجيا على أغلبها في أي وقت مستقبلاً، ومن هنا أرى أننا نحتاج لإعادة النظر في إستراتيجية حماية العمالة المحلية ولكن بطريقة مغايرة لما قامت به سنغافورة مع التركيز على التفرقة بين «الوظائف التي من الصعب توظيف العمالة المحلية فيها» وَ «الوظائف التي يتوافر فيها أيد عاملة محلية» مع مراعاة طبيعة الأنشطة، وأيضاً التفرقة بين تقسيمات الوظائف «التكميلية، التطويرية، المؤقتة، وظائف زيادة الدخل، عن بعد».
ختاماً: من المهم أن يكون هناك ربط وتفرقة للرسوم والسياسات وفقاً «للمهن والأنشطة» حتى لا يكون هناك خلل كبير في سوق العمل، وبدون هذا الربط فلن ننجح في التعامل مع قضية البطالة بتخفيضها للمستويات المستهدفة، وسيصعب تعاملنا مع المستجدين لسوق العمل، وسيكون هناك ضعف في تطور القطاع الخاص، وأنا شخصياً أتفق مع التحفيز لتوظيف الأيدي العاملة المحلية في المهن التطويرية والقيادية، ومبدأ التوازن من المهم تواجده لحماية العامل وصاحب العمل حتى يكون القطاع الخاص شريكا قويا للتنمية يساهم بشكل حقيقي في الناتج المحلي.
نقلا عن اليوم
استاذ خالد اغلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة منها مملوكة للاجانب السعودي يملك العقار فقط..