كيف نجمت عن مغادرة وافدين بطالة مواطنين؟

16/07/2018 7
د.صالح السلطان

الأصل أن مغادرة وافدين من القطاع الخاص تجلب وظائف للمواطنين، ولو قلَّت. لكن لدينا حالة عكسية؛ أي أنها تجلب بطالة. وهذه الحالة تبدو غريبة كاللغز، لكن لا لغز ولا غرابة في الموضوع لمن يتأمل بعمق بنية سوق العمل في بلادنا. والكلام كله عن المديين القصير والمتوسط. أما على المدى البعيد والبعيد جدا، فكل شيء في بنية سوق العمل ممكن تغيره أو تغييره.

ما بنية وخصائص سوق العمل السعودية، التي تشكلت خلال عشرات السنين، التي لها علاقة بموضوع المقال؟ وهي خصائص أسهمت في قوة اعتمادنا على الوافدين. وللتوضيح؛ يجب أن يُفهم أن هذه الخصائص تنطبق على الوضع العام على مدى هذه السنين، وليس على كل حالة، وكل وقت، وكل ظرف.

1. تجزئة: رغم أن نظام العمل واحد، لكن نظام الإقامة يفرض قيودا وواجبات على الوافد، تقلل من تكلفته الشاملة «من استقدامه حتى مغادرته»، وتزيد من الرغبة في استقدامه وتوظيفه، مقارنة بالمواطن، حتى لو تشابه راتبه بالمواطن، فكيف إذا كان أقل في الغالبية العظمى. وكلامي عن توظيف وافد بطريقة نظامية، وليس عن تستر.

2. حِرَفية: أكثرية الحرف الحالية لم تكن معروفة لدى أجدادنا، بل دخلت بلادنا تدريجيا بعد ظهور ثروة النفط. ومع الأسف، أُهمِل تدريب المواطنين الحرفي خلال عشرات السنين الماضية، بل تدهورت حرف كانت قائمة من قبل، وأصبحنا لا نعرفها إلا في مناسبات كمهرجان الجنادرية.

3. أَنَفَة: احتقر عبر القرون بعض عرب شبه الجزيرة العربية الحرف القائمة على العمل بآلة بمعناها البسيط. كثرت واتسعت الوظائف الحرفية المرتبطة بالآلة، وأصبحت تشكل نسبة كبيرة من الوظائف. في المقابل، لم تُبذَل جهود معتبرة لتغيير ثقافة المجتمع، بل عُمل العكس أحيانا.

4. تعليمية: خاصة تخصصات جامعية وشبه جامعية تطلبها سوق العمل بكثرة، لكن إدخالها في تعليمنا حديث نسبيا، ولا شك أنه قد بُذلت جهود كبيرة للتوسع في هذه التخصصات، ولكن تبقى مشكلة تحقيق الاستفادة المبتغاة.

5. دخل النفط: حوَّل البلاد - بحمد الله - من فقر إلى غنى، لكن الحصول على المال بسهولة، أو ما عبَّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالإدمان على النفط، كما أن له منافع - قلل منزلة الجهد والعمل في الكسب عند غالبية الناس. وهذه مسألة سلوكية نفسية واجتماعية مشاهَدة في البشر.

عندما تأتي قرارات وبرامج بهدف السعودة أو التوطين أيا كان الاسم، لا شك أنها جهود مقدرة ولها فوائد كبيرة، لكن في المقابل لها ردود فعل بثمن أو تكلفة، ذلك أن الاقتصاد كالفيزياء: "لكل فعل رد فعل".

هناك ثلاثة اعتبارات أساسية في تكلفة ردود الفعل والآثار، في ظل خصائص سوق العمل السعودية السابقة:
الأول، مدى تأهل سوق العمل والمواطنين للسعودة أو التوطين.

الثاني، مدى جودة التدرج في تطبيق برامج السعودة أو التوطين.

الثالث، مدى جودة التدرج في تقليل الاعتماد على النفط، ويشمل هذا التقليل إصلاح المالية العامة، وتخفيض حجم الدعم والإعانات الحكومية.

قاعدة؛ كلما قل مستوى التأهل أو التدرج، كانت تكلفة السعودة أو التوطين أعلى.

إحدى نتائج الخصائص الخمس السابقة لسوق العمل السعودي، وجود منشآت كثيرة صغيرة غالبا في القطاع الخاص، لكن جدوى هذه المنشآت أصلا مستند إلى أن أغلبية مَن يعمل فيها وافدون. والكلام على التي تعمل وفق النظام، فإذا جاءت أنظمة وتسببت في رفع تكلفة بقاء هؤلاء الوافدين أو مغادرتهم، فإن بعض هذه المنشآت ستغلق، أو تتقلص أعمالها، والنتيجة بطالة بعض مَن كان يعمل فيها من سعوديين، حتى إن كانوا أقلية. وبعض أصحاب تلك المنشآت تحولوا إلى عاطلين، هذا ليس كلاما خياليا محضا، بل وقع بالفعل.
المطلوب؟

يجب أن تراعى الاعتبارات الثلاثة السابقة. وفي هذا، يجب أن تتزامن مع برامج السعودة والتوطين جهود قوية لتخفيف حدة العوامل الثلاثة الأولى: التجزئة والحداثة الحرفية والأنفة. وسأتحدث فقط عن الأول لضيق المقام عن التفصيل في الثاني والثالث.

مطلوب مثلا تعديل نظام الإقامة، بما يسهل على الوافد تغيير صاحب العمل، حتى لو لم يوافق صاحب العمل، بعد مضي فترة عمل تُقرر. طبعا لا بد أن يتزامن مع تسهيل تغيير صاحب العمل ما يسمى شعبيا "نقل الكفالة" أمران: وضع ضوابط للعملية، وتشديد قوي جدا في منح تأشيرات جديدة.

المثال التالي يسهل فهم كيف يحفز نظام الإقامة الحالي على تفضيل توظيف وافدين: تخيل أنك ذهبت إلى معرض لشراء آلة معمرة كالثلاجة. وتخيل وجود ثلاجة مستوردة عليها ضمان ثلاث سنوات وثلاجة مصنوعة محليا عليها ضمان بضعة أشهر فقط. وتخيل أن مواصفات وسعر كل ثلاجة هو نفسه. وأن استهلاك المحلية للكهرباء ليس أقل من المستوردة. وتخيل أن أوضاع السوق تتيح لك لاحقا أن تستغني عن الثلاجة المستوردة بطريقة أقل تكلفة مقارنة بالمصنعة محليا.

والسؤال إذن: أي الثلاجتين ستشتري؟ بالتأكيد المستوردة، والسبب أن الواحد منا يقدم مصلحته. وإذا كان سعر المستوردة أقل، فتفضيلك لها سيزيد. وهذا التصرف ينطبق على سوق العمل.

نقلا عن الاقتصادية