شدني مقال لكيسنجر نشرته مجلة "الأتلانتك" بهذا العنوان الرئيس وعنوان فرعي يقول: فلسفيا وفكريا ـــ وبكل الطرق ـــ البشر ليسوا مستعدين للذكاء الصناعي.
حاول صديق ترجمة المقال عن طريق أحد بيوت الترجمة، ولكن الترجمة أفقدت المقال روحه إن لم يكن بعض محتواه، ولذلك رأيت اختصاره في عمودين. ولدت فكرة مقاله حين استمع إلى محاضرة عن الموضوع، حيث ذكر المحاضر أنه بواسطة الذكاء الصناعي أصبح الحاسب الآلي يتغلب ليس على أمهر لاعب في لعبة GO، التي هي أصعب بكثير من الشطرنج فقط، وإنما أصبح يتعلم من تجربته وتزيد كفاءته تباعا، أصبح الحاسب يستطيع أن "يتعلم" ويصبح أكثر مهارة مع الوقت والتجربة؛ إذ تعدى حالة أن يبرمج بأنظمة وقوانين اللعبة، يقول حين استمعت لهذا الطرح خطر على بالي ما ذكر حول قدرة هذه الآلات التي تستطيع تعليم نفسها على التواصل معا، التواصل بين هذه الآلات سيتعدى الخيارات والحصيلة المعرفية تاريخيا، التي كمؤرخ وسياسي كانت تشغلني، فيقول نحن أمام باب جديد، حيث قرارات مهمة ستأتي من برامج أكثر ذكاء من البشر "إذا عرف الذكاء بالقدرة على استحضار الذاكرة وتحليل معلوماتي سريع ودقيق، واختيار الأمثل دون اعتبارات تاريخية أو عاطفية"، يقول قفزت إلى ذهني طبيعة الخيارات التي واجهت الإسبان حين قابلوا حضارة الإنكا، على أثر المحاضرة وقلة معلوماته جمع لفيفا من المختصين لمناقشة الموضوع ما أشعل اهتمامه أكثر.
أهم تقدم تقني في التاريخ الحديث كان اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، الذي مكن البحث عن المعرفة التجريبية أن تأخذ تدريجيا مكان التعاليم الطقوسية، التأمل الفردي والمعرفة العلمية بدأت تأخذ مكان الإيمان كالمعيار المنظم لوعي البشر، أصبح تخزين المعلومات منظما وعمليا عن طريق المكتبات، ما غلب المنطق على الدين "يتحدث عن التجربة الغربية"؛ فعصر المنطق أسس للأفكار التي تشكل الترتيب العالمي المعاصر، ولكن هذا الترتيب يتعرض لهزة قوية علمية وفنية تتجة للاعتماد على آلات تأخذ بالمعلومات والبرمجيات غير محكومة بقواعد أخلاقية أو فلسفية، حين تكون المعرفة وتوظيفها من خلال تراكم وتعامل مع كم هائل من المعلومات المتنامية يبدأ الإدراك الإنساني في انحسار ميزاته الشخصية، فالبشر يتحولون إلى معلومات، والمعلومات تكون كل شيء.
تأثير الشبكة العنكبوتية في السياسة واضح وفي تزايد، فالقدرة على استهداف مجموعات صغيرة يكسر محاولات الإجماع على الأولويات، حيث يسمح بالتركيز على شكاوى وأهداف محددة، المجموعات الصغيرة بأهداف محددة تنهك القيادات السياسية في سعيها إلى إيجاد الطرح والسياق المناسب، ما يحد من قدرتهم على تطوير رؤى مقبولة ومتماسكة. العالم الرقمي يطالب بالسرعة، ولذلك يحاصر التأمل، فعلى الرغم من جميع إنجازاته إلا أنه يفرض منظومته الخاصة، تراكم وتحليل المعلومات قاد إلى الذكاء الصناعي ـــ تقنية تستطيع التعامل مع المسائل المجردة بطريقة يبدو أنها تماثل العقل البشري، هذا التطور يأخذنا أبعد من "الأتمتة" كما نعرفها، الأتمتة تتعامل مع الوسائل، حيث تنجز الأهداف من خلال تسخير الآلات، على خلاف ذلك الذكاء الصناعي الذي يحدد أهدافه الخاصة، كما أنها تجد نظاما غير مستقر في الأساس؛ بسبب أنها تضيف وتحلل معلومات لتظهر بقرار جديد أسرع من قدرة الإنسان على الاستيعاب والتعامل مع النتائج.. في الأسبوع المقبل نستعرض التبعات الفكرية والفلسفية.
نقلا عن الاقتصادية
حاول صديق ترجمة المقال عن طريق أحد بيوت الترجمة، ولكن الترجمة أفقدت المقال روحه إن لم يكن بعض محتواه، ولذلك رأيت اختصاره في عمودين. ولدت فكرة مقاله حين استمع إلى محاضرة عن الموضوع، حيث ذكر المحاضر أنه بواسطة الذكاء الصناعي أصبح الحاسب الآلي يتغلب ليس على أمهر لاعب في لعبة GO، التي هي أصعب بكثير من الشطرنج فقط، وإنما أصبح يتعلم من تجربته وتزيد كفاءته تباعا، أصبح الحاسب يستطيع أن "يتعلم" ويصبح أكثر مهارة مع الوقت والتجربة؛ إذ تعدى حالة أن يبرمج بأنظمة وقوانين اللعبة، يقول حين استمعت لهذا الطرح خطر على بالي ما ذكر حول قدرة هذه الآلات التي تستطيع تعليم نفسها على التواصل معا، التواصل بين هذه الآلات سيتعدى الخيارات والحصيلة المعرفية تاريخيا، التي كمؤرخ وسياسي كانت تشغلني، فيقول نحن أمام باب جديد، حيث قرارات مهمة ستأتي من برامج أكثر ذكاء من البشر "إذا عرف الذكاء بالقدرة على استحضار الذاكرة وتحليل معلوماتي سريع ودقيق، واختيار الأمثل دون اعتبارات تاريخية أو عاطفية"، يقول قفزت إلى ذهني طبيعة الخيارات التي واجهت الإسبان حين قابلوا حضارة الإنكا، على أثر المحاضرة وقلة معلوماته جمع لفيفا من المختصين لمناقشة الموضوع ما أشعل اهتمامه أكثر.
أهم تقدم تقني في التاريخ الحديث كان اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، الذي مكن البحث عن المعرفة التجريبية أن تأخذ تدريجيا مكان التعاليم الطقوسية، التأمل الفردي والمعرفة العلمية بدأت تأخذ مكان الإيمان كالمعيار المنظم لوعي البشر، أصبح تخزين المعلومات منظما وعمليا عن طريق المكتبات، ما غلب المنطق على الدين "يتحدث عن التجربة الغربية"؛ فعصر المنطق أسس للأفكار التي تشكل الترتيب العالمي المعاصر، ولكن هذا الترتيب يتعرض لهزة قوية علمية وفنية تتجة للاعتماد على آلات تأخذ بالمعلومات والبرمجيات غير محكومة بقواعد أخلاقية أو فلسفية، حين تكون المعرفة وتوظيفها من خلال تراكم وتعامل مع كم هائل من المعلومات المتنامية يبدأ الإدراك الإنساني في انحسار ميزاته الشخصية، فالبشر يتحولون إلى معلومات، والمعلومات تكون كل شيء.
تأثير الشبكة العنكبوتية في السياسة واضح وفي تزايد، فالقدرة على استهداف مجموعات صغيرة يكسر محاولات الإجماع على الأولويات، حيث يسمح بالتركيز على شكاوى وأهداف محددة، المجموعات الصغيرة بأهداف محددة تنهك القيادات السياسية في سعيها إلى إيجاد الطرح والسياق المناسب، ما يحد من قدرتهم على تطوير رؤى مقبولة ومتماسكة. العالم الرقمي يطالب بالسرعة، ولذلك يحاصر التأمل، فعلى الرغم من جميع إنجازاته إلا أنه يفرض منظومته الخاصة، تراكم وتحليل المعلومات قاد إلى الذكاء الصناعي ـــ تقنية تستطيع التعامل مع المسائل المجردة بطريقة يبدو أنها تماثل العقل البشري، هذا التطور يأخذنا أبعد من "الأتمتة" كما نعرفها، الأتمتة تتعامل مع الوسائل، حيث تنجز الأهداف من خلال تسخير الآلات، على خلاف ذلك الذكاء الصناعي الذي يحدد أهدافه الخاصة، كما أنها تجد نظاما غير مستقر في الأساس؛ بسبب أنها تضيف وتحلل معلومات لتظهر بقرار جديد أسرع من قدرة الإنسان على الاستيعاب والتعامل مع النتائج.. في الأسبوع المقبل نستعرض التبعات الفكرية والفلسفية.
نقلا عن الاقتصادية