«لم ولن أفقد الأمل في انضمام بقية الدول الخليجية وعودة الشقيقتين الإمارات وعمان إلى الاتحاد النقدي الخليجي». هذا ما جاء على لسان محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، في تصريح صحافي على هامش فعاليات «منتدى جدة الاقتصادي»، من دون أن يلمح إلى أي سبب يمنحه هذه الثقة بـ«عودة الشقيقتين»، ولا حتى إلى المدى الزمني الذي يتوقعه على هذا الصعيد. لقد اكتفى فقط بالتوضيح أن «التفاؤل دائماً موجود، وهو ديدننا».
تصريح الجاسر هذا حول الاتحاد النقدي، يتشابه إلى حد بعيد مع تصريحاته السابقة بشأن أزمة ديون مجموعتي «سعد» و«القصيبي» السعوديتين، وتطميناته المتكررة تجاه عدم تأثر القطاع المصرفي السعودي والخليجي بهذه الأزمة. فقد أوحى مراراً بأن أزمة ديون المجموعتين تحت السيطرة، وبأن الحل بات قريباً، في ظل وجود لجنة مشكلة من قبل (ساما) «ستتخذ ما يلزم من إجراءات». إلا أن الحقيقة تظهر أن لا إجراءات فعلية اتخذت بعد تجميد حسابات المجموعتين المصرفية في المملكة في إبريل الماضي، ولا توجد كذلك أي مؤشرات تفيد بقرب انتهاء الأزمة، على الرغم من مرور قرابة العام على تفجرها.
لقد صدق الدكتور الجاسر قولاً عندما أشار إلى أن التفاؤل موجود دائماً، لكن التفاؤل وحده - ما لم يقترن بفعل - لا يمكنه أن يبدّل من قرارات الدول، ولا أن يخلق مؤسسات وكيانات فاعلة وناجحة، حتى وإن كانت تلك المؤسسات فردية، وليست إقليمية أو دولية.
إن أي تفاؤل بشأن «عودة الشقيقتين» - كالذي لدى الدكتور الجاسر - لا بد أن يكون نتاجاً لعمل ما على الأرض، وليس العكس.
وبالتالي، لو افترضنا أن هناك تفاؤلاً حقيقياً، فمعنى ذلك أن بحثاً وعملاً وإجراءات فعلية قد أخذت طريقها على أرض الواقع، من أجل إزالة الأسباب التي أدت إلى انسحاب الإمارات، ومن قبلها عمان، من مشروع الوحدة النقدية الخليجية. لكن -وللأسف- هذا لم يحصل حتى الآن، أو على الأقل لم يسمع به أحد.
فإذا أخذنا حالة عمان، التي أعلنت انسحابها رسمياً في العام 2007، وجدنا أن تلك الخطوة جاءت نتيجة إدراك حكومة السلطنة عدم قدرتها على تلبية شروط الوحدة النقدية (كل ما يتعلق بالعجز والتضخم والدين العام)، لا، بل إنها لم تخف تخوفها بشأن المعايير المحددة في اتفاقية الوحدة هذه. وحتى اليوم، أي بعد مضي ثلاث سنوات على قرار الانسحاب، لم تتلق السلطنة أي مساعدات لتوفيق أوضاعها مع متطلبات الاتحاد النقدي، فيما المخاوف التي صرحت بها على حالها.
أما في حالة الإمارات، والتي أعلنت مراراً أن أسباب انسحابها لا تقتصر على «القرار السياسي» باختيار الرياض مقراً لـ«المصرف المركزي الخليجي» المزمع إنشاؤه، بل تشمل أيضاً جملة من التحفظات حول آلية الدخول في العملة الحسابية لدول التعاون، ودور المجلس النقدي الخليجي في السياسة النقدية العامة، ومقياس التضخم واحتياط العملة وغير ذلك، فإننا وحتى اليوم، لم نسمع بأي خطوات مقبلة - أو على الأقل توجه نحو خطوات محتملة - لإعادة النظر في بنود الاتفاقية التي أثيرت حولها التحفظات، ولا يبدو أن في الأفق نية لإجراء دراسة واقعية تعيد تقويم مسيرة الاتحاد النقدي والقرارات المتخذة بشأنها، بما يعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي.
الكل يعلم أن الاتحاد النقدي الخليجي من دون الإمارات لن يكون في يوم من الأيام بالقوة والمكانة والفاعلية التي يفترض أن يكون بها.
وإذا كانت دعوة الإمارات بحجمها وثقلها من أجل تصحيح المسار ومعالجة الاختلالات قبل فوات الأوان، لم تلق حتى الآن الاستجابة المنطقية والبديهية لها، فلا داعي إذاً لأي تفاؤل.
عسى أن يكون تفاؤل الجاسر مقروناً بعمل جديّ يجري في مكان ما نجهله، ويعلمه هو نفسه، كي يكون تفاؤله في محله، وكي يعود هذا المشروع إلى الطريق الذي يتحقق معه حلم أبناء الخليج، والذين بدورهم لم يفقدوا الأمل بعد.