للعملة قيمتان، قيمة محلية وقيمة دولية. ونعني بالقيمة المحلية أي القوة الشرائية للعملة داخل سوقها، (ومن العملات ما قد يغلب على سوق غيرها كالدولار في بعض الدول). وتعويم العملة، مصطلح يلحق بها، في السوق الدولية، لا في السوق المحلية. فلا توجد عملة معومة في سوقها المحلي، فكل أسواق النقد مربوطة بسياسات البنك المركزي.
والقيمة المحلية للعملة، كالفلوس التي كانت قديما من نحاس ونيكل، وكنقود اليوم، تكتسب مصداقيتها ابتداء بفرض سلطان الدولة، ثم تكتسب قيمتها بعد ذلك من السوق، بمقدار ضخ البنك المركزي لها. فإن ضاعف كميتها، فستنزل قيمتها بمقدار زيادتها على الأقل، والغالب أنها تُهجر من التعامل، ويلجأ السوق إلى التعامل بعملة أجنبية. ولن تفلح أي جهود في إجبار السوق على التعامل بها، أو في حفظ قيمتها مهما بذلت الدولة من سلطة بوليسية ودموية لتحقيق ذلك. والدول الاشتراكية، ومن دار في فلكها، أظهر تجربة شاهدة على ذلك.
وأما القيمة الدولية فنعني بها، سعر صرفها أمام العملات الدولية. فالعملة ذات سيادة وطنية في سوقها، فلا تتعدى عملة أجنبية على سوقها إلا لضعف سيادتها الوطنية أمام العملة الأجنبية. والضعف قد يكون ناتجا عن اضطرابات في الأمن أو ضحالة في الإنتاج أو ضآلة في حجم سوقها. وفي السوق الدولية، تهيمن عملة الاحتياط الدولية، على التجارة العالمية بين تبادلات الدول ذات العملات الضعيفة، وعلى تبادل البضائع القياسية المتجانسة، كالطاقة والحبوب والمعادن.
وقديما لم تكن هناك عملات معومة، فقد كانت العملة قديما، تكتسب هيمنتها في السوق الدولية من تاريخ مصداقيتها في الالتزام بمدى دقة سكها وصفاء ذهبها، كالجنيه البريطاني. وبعد ظهور العملات الورقية، في أوربا في آواخر القرن السابع عشر ميلادية، أصبحت العملة، تكتسب هيمنتها في السوق الدولية من تاريخ مصداقية بنكها المركزي في الالتزام بمعدل ربط صرفها بالذهب. ومع الحرب العالمية الأولى، غدت السوق الدولية خالية من أي عملة ذات مصداقية للتعامل، فتعطلت التجارة الدولية، حتى دخول الدولار زمن نهايات الحرب العالمية الثانية كعملة ذات مصداقية للسوق الدولية. ولم تدم مصداقية الدولار في التزامه بسعر صرفه مع الذهب. فالطفرة الهائلة، في الإنتاج وبناء أوربا، أتت على مخزون الذهب الأمريكي فاستهلكته في أقل من ثلاثة عقود.
وآنذاك، ما كان هناك من بديل عن الدولار. فالعالم الحر، كان معتمدا بكل ثقله على الألة الامريكية، والاختراعات الأمريكية والحماية العسكرية الأمريكية. فبغياب المنافس للدولار، وبوجود الحاجة الملحة للتجارة الدولية، ظهرت فرصة اختبار نظرية تعويم العملة، مع ظهور الأهمية الاستراتيجية للنفط. فالدولار الأمريكي وإن ما عاد قادرا على الوفاء بقيمته من الذهب، إلا أنه مازال قادرا على الوفاء بقيمته من السلع القياسية المتجانسة، وعلى رأسها النفط. (وهذه مرحلة قد انقضت وانتهت، فما عاد الدولار بحاجة لسلع تقيمه، بل السلع هي التي بحاجة للدولار كمركبة مالية في التبادلات الدولية).
فالدولار إذا أصبح عائما في السوق الدولية. قيمة صرفه، تُكتسب من قيمة ما يأتي به من بضائع وخدمات. فما عاد البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفدرالي) ملتزما بالذهب في السوق الدولية. فلقد انتقل الالتزام بقيمة الدولار، من البنك المركزي، إلى التاجر المُنتج المصدر للبضاعة. فالأمريكي يُسعر بضاعته بالدولار، لان أجور عمالته بالدولار. والياباني بالين، لأن عمالته تأخذ أجرها بالين. فقام مُصدر السيارة الياباني، مقام البنك المركزي في استبدال العملة بالذهب -وهو سلعة قياسية-، وذلك في استبدال الين بسلعة -بسيارة-، لها قيمة تقابلها من السلع الأخرى في السوق اليابانية.
ولضيق المقام، فأترك القارئ الكريم هنا، أمام هذا الارتباط الواضح بين القيمة الشرائية للعملة محليا وقيمتها دوليا. ولكن أذكر، بأننا ندور -في مقالنا هذا- في فلك النقد، ومنه التضخم النقدي. فلا يُدخل التضخم التنموي في قيمة العملة محليا، ليرى الأثر على سعر الصرف، فيجد نفسه تائها، في بلاد واق الواق.
نقلا عن الجزيرة
كلامك صحيح لو كانت الدولة مصدرة ولكن عندما تكون الدولة مستوردة فإن القيمة العالمية للعملة ستؤثر على قيمتها المحلية وقوتها الشرائية .... مثلا كليو الارز الآن بأربعة ريالات .... لو فقد الريال نصف قيمته العالمية فقدرة الريال الشرائية محليا ستقل وسيصبح الأرز بثمانية ريالات على الاقل لإن الأرز يتم استيراده من الخارج بالدولار