مصفاة سامير المغربية ... مستنقع الإستثمارات!

29/04/2018 3
د. فيصل الفايق

كيف لمصفاة التكرير الوحيدة في المغرب والتي تقع على ساحل المحيط الأطلسي القريبة من السوق الأوروبي المتعطش للديزل والتي تملك طاقة تكريرية تصل إلى قرابة 200 ألف برميل يوميا أن تغرق في ديون أدت إلى توقف المصفاة في صيف عام 2015 - بعد أن جمدت الحكومة المغربية حساباتها المصرفية بسبب الضرائب غير المدفوعة ودخول المصفاة في هيكل ديون معقد يتعدى أربع مليارات دولار لمجموعة واسعة من الدائنين المحليين والأجانب.

وتأتي الجمارك المغربية على رأس الدائنين - بسبب تحويل النفط المستورد عن وجهته ... كون الشركة كانت تستورد المشتقات النفطية لمؤسسة وطنية معفاه من الضرائب الجمركية ، بينما كانت تخالف ذلك وتطرحه في السوق للمستهلكين بسعر مرتفع جدا.

مصفاة سامير (الشركة المغربية للصناعة والتكرير) هي المصفاة الوحيدة في المغرب - تأسست في نهاية خمسينيات القرن الماضي ، وكانت آنذاك مملوكة للمملكة المغربية - وجرت خصخصتها نهاية تسعينيات القرن الماضي لكورال بتروليوم بـ 450 مليون دولار - وبدأ الوضع المالي يتدهور منذ عام 2008 نتيجة اللجوء المفرط للإستدانة - وبطبيعة الحال توجهت مسؤولية ما آلت إليه المصفاة إلى كورال بتروليوم التي لم تفي بالتزاماتها بضخ السيولة المطلوبة علاوة على تراكم الضرائب غير المدفوعة - ولكن غياب دور الرقابة من الجهات المختصة هو الذي أدى إلى تفاقم الوضع حتى أغلقت المصفاة وصدر قرار من المحكمة بوضع الشركة تحت الحراسة القضائية بداية عام 2016 - للحفاظ على معدات التشغيل وضمان استقرار قيمتها السوقية ، حيث يشترط المغرب قيمة تقدر بـ 2.6 مليار دولار من أجل بيع مصفاة سامير - علاوة على إعادة تشغيل المصفاة والحفاظ على فرص العمل لأكثر من 800 شخصا - دون احتساب الفرص غير المباشرة التي تصل إلى أكثر من 3000 وظيفة.

الجدير بالذكر أن تدني أسعار النفط عام 2015 ليس هو السبب في إغلاق المصفاة كما أوردت بعض وكالات الأنباء - لأن أسعار المشتقات النفطية حافظت على فرق هوامش التكرير حتى رغم تدني أسعار النفط (Refining Margins).

كيف للمصفاة الوحيدة في المغرب ان تتعثر وقد كانت تؤمن احتياجات السوق المحلية في المغرب قبل الإغلاق بنسبة %65 من المنتجات النفطية - والذي يقدر بقرابة 300 الف برميل يوميا من الإستهلاك - بينما تؤمّن شركات التوزيع النسبة الباقية.

عملية بيع المصفاة قد دخلت نفقاً مسدوداً في ظل عدم الوصول إلى اتفاق مع مشترٍ يساعد على إعادة تشغيل المصفاة .. فلم تنجح المحاولات المستميتة لبيع المصفاة بعد انسحاب شركة قلينكور السويسرية وشركة كارلايل الأمريكية والعراق وغيرهم وذلك لأسباب من بينها:

* عملية بيع المصفاة اليائسة تفتقر إلى الشفافية فيما يتعلق بإجمالي الديون والضرائب المتأخرة. وسيتعين على المالك الجديد للمصفاة تحديثها وترقيتها بعد فترة توقف أكثر من عامين - وهذا سيكلف كثيرا ولم يتم إيضاحه في عروض بيع المصفاة والتي تركز على الجانب البيئي أكثر من الجانب التقني والذي سيكلف كثيرا.

 * التداعيات الإقتصادية لأزمة مصفاة سامير قد أصبحت عتيقة وحصتها السوقية قد تم تغطيتها  - وبالتالي حتى وان عادت المصفاه الى العمل فإن إستعادة الحصة السوقية السابقة من المشتقات النفطية محليا وعالميا مرة اخرى لن يكون سهلا.

* العمر الافتراضي للتقنية القديمة للشركة قد يشكل عبئا على هوامش الأرباح التشغيلية خصوصا مع وجود الدائنين الذين يسعون الى استرداد الأموال تدريجياً بعد اعادة التشغيل.

* توقف المصفاة أفضى إلى إحتكار شركات التوزيع للسوق والأسعار - وتهديد لمخزون المغرب الوطني من الوقود - وتراجع حجم الوقود المخصص لإنتاج الكهرباء مع وجود نقص في الطاقة التخزينية بعد توقف خزانات شركات التخزين التابعة للمصفاة والتي من المفترض أن توفر ثلاثة أشهر من الإستهلاك المحلي - هذا ولم تذكر عروض بيع المصفاة تبعات ذلك على المالك الجديد للمصفاة مالم تتخذ المغرب إجراءات فورية في نقل تلك المخزونات الى خارج المصفاة.

* سوف يواجه أي مستثمر صعوبة في إمدادات النفط الخام - بسبب تراكم الديون من الشركات المزودة للنفط الخام والذي قد إقرضوا المصفاة مقابل السداد نقدًا أو عن طريق منتجات مكررة في وقت لاحق.

ان تعثر عملية البيع لمصفاة سامير سوف تتسبب في زوال صناعة النفط في المغرب والتخلي عن طموحات المغرب في إنشاء صناعة تكرير. وسيكون استئناف المصفاة شرطا مسبقا للمستثمرين المهتمين بشراءها.

وبعد ذلك فإنه جدير بكل مستثمر يرغب في الإستثمار في مصفاة سامير المتعثرة والتي أصبحت مستنقع الإستثمارات في صناعة التكرير في الدول العربية ان يعيد النظر - هذا بالإضافة إلى العديد من الدروس المستفادة من هذا التعثر لصناعة التكرير في الدول العربية.