انتهت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى كل من أمريكا وفرنسا وإسبانيا في رحلة حافلة ونادرة الحدوث في حجم التفاعل أو الأنشطة وعدد اللقاءات والاتفاقيات وحتى المدة، إن أي شخص يمارس الأعمال ويعقد اجتماعات عمل يعرف تمام المعرفة حجم التعب والصعوبة في عقد اجتماعات متوالية ولعدة أيام فهي تحتاج إلى تركيز شديد وقدرة عالية على المفاوضات وتحقيق الأهداف المرجوة من الاجتماعات، عموما تكللت الزيارة بتوقيع اتفاقيات كثيرة يغلب عليها الطابع الاقتصادي وبما يتماشى مع "الرؤية"، كل ذلك سوف يقود إلى التغير الكبير القادم "أو بالأصح قد بدأ بالفعل" في الاقتصاد وهو يرسم وينفذ بواسطة الحكومة والقطاع الخاص يتحرك تبعا له وهذا يعكس نسبة اعتماد الاقتصاد على السياسات والإنفاق الحكومي وضعف دور القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام في هذا الشأن وهو ما تنوي الحكومة تغييره مستقبلا برفع نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي.
خلال السنتين الماضيتين حدث كثير من الأحداث الاقتصادية وتغير كبير في السياسات المالية غيرت كثيرا وفي وقت قياسي قطاعات اقتصادية متعددة اختلفت معها التكاليف الاقتصادية والمالية لها وجاذبيتها مستقبلا، بدءا من رفع الدعم التدريجي عن الطاقة والوقود والمياه، رفع رسوم العمالة، إعادة توجيه الدعم للأفراد، تغير طريقة الدعم للقطاع الخاص، زيادة الاهتمام بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وغيرها من القرارات، هذا كله من جهة ومن جهة أخرى يلعب صندوق الاستثمارات العامة دورا بالغ الأهمية في الاقتصاد السعودي سوف يتضح أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة، فبمناسبة تدشين مشروع القدية "باكورة مشاريع الصندوق الكبرى" الذي سوف يضع حجر الأساس له خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله، سوف يشهد القطاع الخاص سلسلة من التطورات والمشاريع يتبناها الصندوق، هذه المشاريع ليست عادية بل هي نوعية وتحمل أهداف "الرؤية" وفي الوقت نفسه هي ضخمة، وطبعا القطاع الخاص سوف ينفذها وبذلك يحقق الصندوق هدفا آخر وهو زيادة المحتوى المحلي، وكما أعلن سابقا في موازنة المملكة 2018 إذا جمعنا ما سوف ينفق عن طريق وزارة المالية وصندوق الاستثمارات العامة فسوف نحصل على أعلى إنفاق حكومي في تاريخ المملكة، وهذا الإنفاق العالي لن يقتصر على هذه السنة بل سوف يستمر للسنوات المقبلة ما يبشر بالخير لمن عرف كيف يستفيد من هذا التغير الحاصل ومن هذا الإنفاق العالي، وهنا مربط الفرس، حيث ما زال كثيرون من المستثمرين غير مدركين لحجم التغير ولا مدركين كيف يتغيرون أو يعدلون من استثماراتهم وأنظمة العمل في شركاتهم ليتواكبوا مع كل ما يحدث من حولهم، طبعا هم يعلمون أن هنالك تغيرات لكن لم يستوعبوها جيدا ومن ثم لم يترجموها إلى خطط عمل جديدة، ولذلك إذا استمروا كذلك فلا عجب في خروج كثير منهم من السوق وإغلاق أنشطتهم لكن لا يصح منهم لوم الاقتصاد بل يجب أن يلوموا أنفسهم بسبب إدراكهم بعد فوات الأوان ما حدث.
في كل زمان وفي كل مكان هنالك المتشائمون الذين لا يرون إلا الخسائر المرتقبة وهنالك المتفائلون الذين يرون نصف الكأس المملوءة، وعن تجربة لا تجد أبدا تاجرا "كسب ثروته من عرق جبينه وليس إرثا أو غيره" من النوع المتشائم، فالمتشائم دائما تجده في مكانه لا يتحرك ولا يغامر والمتفائل يجرب ويغامر، إذا درس خطواته جيدا سوف ينجح إذا وفقه الله، عموما نحن موعودون باقتصاد جديد أكثر كفاءة طبعا يحمل تحديا أكبر لكن النجاح حليف من يجتهد ويتكيف، فإذا كانت الدولة بجميع أجهزتها تتجه نحو التغير ورفع الكفاءة فلا يقبل أبدا من الشركات والقطاع الخاص بشكل عام أن تكون أقل سرعة ومرونة من الدولة في إحداث وتقبل التغير في منشآتها، والطبيعي أن القطاع الخاص أسرع بكثير من القطاع العام في تقبل التغيرات واكتساب المرونة، وفي النهاية البقاء لمن يستطيع التكيف والتحلي بالمرونة ليواكب الدولة أو يكون أسرع منها.
نقلا عن الاقتصادية