صناديق الريت .. والتصحيح الحتمي

11/04/2018 7
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

مضى على بدء تداول أول صندوق عقاري متداول ما يقارب سنة وستة أشهر خلالها شهدت السوق والمتداولون أحداثا متعددة وأطروحات كثيرة وتغير وتقلب نظرة المستثمرين والمتداولين لها، وكنتيجة يوجد في السوق اليوم 12 صندوقا يتم تداولها حاليا منها صندوقان أعلى من القيمة الاسمية وثلاثة صناديق أقل من العشرة وأعلى من التسعة والصناديق العشرة المتبقية أقل من تسعة ريالات، كذلك وخلال الفترة نفسها تم إلغاء اكتتاب صندوقين وصندوق سوف يدرج قريبا بعد نجاح اكتتابه وجار حاليا الاكتتاب بثلاثة صناديق جديدة، ليصل عدد الأطروحات خلال السنة ونصف السنة 19 صندوقا.

تصل عوائد الصناديق التي تتداول حاليا في السوق إلى 7.16 في المائة تقريبا إذا استثنينا صندوق الجزيرة الذي يعتبر "حسب تقييمي" حالة شاذة، بالطبع هنالك صناديق أصبح العائد لديها 8.78 في المائة بسبب تدني سعرها في السوق، وهذا يعتبر أعلى عائد "حاليا"، لكن كي نفهم الوضع جيدا يجب أن نعرف لماذا انخفضت الأسعار بالأساس؟، هنالك حجر زاوية في الاستثمار والتقييم وهو العلاقة بين المخاطرة والعائد، أو حساب العائد المطلوب بناء على درجة المخاطرة، حيث إن العلاقة بينهما هي علاقة طردية، بحيث إنه كلما انخفضت المخاطر قل العائد من هذا الاستثمار، على سبيل المثال السندات الحكومية الأمريكية التي تعتبر الأقل مخاطر ولذلك هي الأقل عوائد مقارنة بالسندات الأخرى ومع الأصول الأخرى فلا يمكن مقارنة مخاطر وعوائد السندات الحكومية الأمريكية بسندات شركة لديها مشاكل وتحديات مالية وسوقية، وعلى الجانب الآخر إذا ارتفعت المخاطر زاد العائد المطلوب لهذا الاستثمار .

فالاستثمار في الأسهم أعلى مخاطرة من السندات الحكومية والشركات ذات التصنيف الائتماني العالي ولذلك العائد المطلوب من الأسهم "بشكل عام" أعلى من السندات، بالنسبة إلى الصناديق العقارية المتداولة فهي تصنف بشكل عام باستثمار ذي مخاطر متوسطة على عكس الأسهم التي تصنف ذات مخاطر عالية؛ ولذلك نتوقع من الصناديق العقارية المتداولة عوائد متوسطة أقل من السوق بشكل عام، لكن وحسب حركة السوق وتقييم المستثمرين والمتداولين لها ما زالت السوق ترى أن العائد لا يتناسب بشكل جيد مع سعر الاكتتاب أو القيمة الاسمية، طبعا بسبب المخاطر، حيث ترى السوق أن المخاطر لم تنعكس كاملة في التقييم الأولي وأن التغطية في الاكتتاب لا تعكس رأي السوق في شاشة التداول، وكأن السوق انقسمت إلى قسمين، فلدينا اكتتابات نجحت في تغطية الاكتتاب لكن وبمجرد نزول الصندوق بالسوق الثانوي "شاشة التداول" انخفض وبشكل لافت إلى ما دون العشرة وإلى ما دون التسعة في أغلب الحالات، وهذا يعكس وبكل تأكيد بحث السوق عن العائد المناسب للمخاطر الحالية للصندوق والعقار بشكل عام حسب رأي المتداولين، بمعنى آخر كلما زاد العائد على صندوق ما عبر تخفيض سعره فهذا يعكس ارتفاع المخاطر عليه حاليا حسب تقييم السوق، طبعا إذا تحسنت أو زال جزء من هذه المخاطر سوف يرتفع السعر وينخفض العائد، إذن ليست العملية أنه يجب أن تكون أسعار هذه الصناديق بسعر ثمانية ريالات أو تسعة لأجل أن هذا الرقم هو المناسب، بل لأن انخفاض السعر عن سعر القيمة الاسمية يرفع العائد وبالتالي يتناسب مع المخاطر وإلا كنا نرى صناديق تطرح صناديقها بسعر خمسة ريالات كقيمة اسمية، لكن يظل العائد إلى المخاطر الشيء نفسه كما كان على سعر عشرة ريالات.

إذن ما الذي جعل المتداولين يرون وجود مخاطر أكبر في أغلب هذه الصناديق لم تدخل في التقييم؟ إنها عدة عوامل متداخلة، سوف أذكر جزءا منها بشكل مختصر: أولا: حالة العقار اليوم ليست بأفضل حالاته خصوصا مع وجود اعتقاد لدى شريحة كبيرة من المتداولين أن العقار سوف يستمر بالنزول "رغم نزوله خلال الفترة السابقة". ثانيا: شكوك وعدم ثقة لدى الكثيرين حول ممارسات بعض مديري الصناديق والعقاريين بشأن طريقة التقييم لهذه العقارات وأنها مجرد تصريف وبأسعار عالية. ثالثا: وجود حالات مؤكدة عن بيع أصحاب العقارات لوحداتهم بالسوق في أول يوم تداول أثر وبشكل كبير في أداء أسعار هذه الصناديق من جهة ومن جهة أخرى عكس ما يخشاه الكثيرون عن نية التخارج الكامل من قبل ملاك العقارات. رابعا: انعدام أو ضعف الضمانات المقدمة لضمان الالتزام بالإيجارات، وأخيرا ضعف نوعية المستأجرين وعدم تميز نوعية بعض العقارات، فعلى سبيل المثال عقار مؤجر لشركة مثل "أرامكو" ليس كعقار مؤجر إلى مؤسسة فردية أو شركة صغيرة، أو عقار على موقع مميز مثل طريق الملك فهد لا يقارن بعقار على شارع صغير "طبعا مع الأخذ بالاعتبار الفوارق المتعلقة بكل عقار".

ختاما وكي يتم تصحيح وضع هذا القطاع المهم جدا يجب أن يأتي هذا التصحيح من قبل مديري الصناديق ومن قبل هيئة سوق المال، بحيث يجب أولا زيادة الثقة بالممارسات من قبل المديرين وضبط التقييم بالتعاون طبعا مع الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، بحيث يتم التقييم بطريقة أكثر صرامة وعدلا لكل الأطراف، ثانيا يجب زيادة الضمانات على الالتزام بالإيجار أو البحث عن عقارات مؤجرة إلى أطراف أعلى موثوقية مثل الحكومة والشركات الكبيرة أو الشركات شبه الحكومية التي أتساءل لماذا لا نشاهد مثل هذه العقارات لدى هذه الصناديق؟ ثالثا: يجب إيجاد حل لبيع ملاك العقارات لوحداتهم بشكل سريع في السوق ففيه أضرار كبيرة للصندوق ولهم؛ ولذلك يجب وضع حظر لمدة معقولة على بيعهم، وهنا أشيد ببعض الصناديق التي اتخذت مثل هذه القرارات مسبقا، رابعا: زيادة الثقة من قبل مدير الصندوق عبر استثماره بصندوقه مع فترة حظر عليه لبيع وحداته، أخيرا الالتزام بضمان حد معين من العوائد يعزز من الثقة وهذا ما شاهدناه لدى أحد الصناديق، إن تطبيق بعض هذه الاقتراحات من قبل بعض هذه الصناديق يدل على أن السوق ومديري هذه الصناديق بدأوا الآن بالاتجاه الصحيح نحو تصحيح وضع القطاع ورفع المنافسة لتقديم صناديق عقارية متداولة أكثر جاذبية من الصناديق السابقة؛ وهذا ما أتوقعه خلال الفترة المقبلة.

 

نقلا عن الاقتصادية