لماذا تستثمر الشركات الأجنبية في السوق السعودية؟

09/04/2018 0
د. عبدالله الردادي

خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، العديد من الشركات والمؤسسات، وأثمر بعض هذه الزيارات عن توقيع مذكرات تفاهم أو عقود نهائية لاستثمارات سعودية مشتركة. ليس بالجديد على المملكة أن توقع استثمارات مع شركات بتروكيماوية كما حدث في هيوستن، فالعلاقة النفطية بين السعودية والولايات المتحدة ليست بالخبر الجديد، إلا أن هذه الزيارة اشتملت على توقيع اتفاقيات وعقود قد تكون الأولى من نوعها للمملكة مع شركات غير متعلقة بالنفط أو حتى الصناعة.

وقد يسهل فهم الدافع وراء رغبة المملكة في توقيع عقود استثمارية مع شركات أجنبية، وذلك لجلب استثمارات أجنبية للبلد تساعد في تدعيم الاقتصاد المحلي وإنعاشه بعيداً عن تقلبات أسعار النفط، إضافة إلى تقليل نسبة البطالة وزيادة العمق الاستراتيجي للمملكة بوجود استثمارات أجنبية فيها. ولكن على الطرف المقابل، هل تعد السوق السعودية استثماراً مغرياً للشركات الأجنبية؟

إجابة هذا السؤال تأتي من خلال عدة أمثلة، أولها شركة «أمازون»، التي التقى ولي العهد السعودي مسؤوليها خلال الأيام القليلة الماضية في زيارته لوادي السيلكون، وتتركز الاستثمارات المرتقبة بين المملكة و«أمازون» في قطاعين، القطاع الأول هو بناء مراكز للبيانات للخدمات السحابية، وتعد شركة «أمازون» إحدى كبرى الشركات في العالم في الخدمات السحابية، ولذلك فهي تتوسع باستمرار في هذا المجال. أما القطاع الثاني فهي المبيعات الإلكترونية، ويشكل الشرق الأوسط سوقاً مهمة لـ«أمازون»، فعلى الرغم من شرائها «سوق دوت كوم»، فإن الشرق الأوسط ما زال باستطاعته استيعاب شركات أكثر، وتقدر المبيعات الإلكترونية اليوم في منطقة الشرق الأوسط بـ29 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 49 مليار دولار في عام 2021. وهنا تأتي أهمية دخول «أمازون» للسوق السعودية التي تشكل حصة لا بأس بها من سوق الشرق الأوسط، فـ«أمازون» تعاني بشكل كبير في التوسع في المبيعات الإلكترونية، فموقع «علي بابا» يكتسح الصين بشكل كبير، والمتاجر المحلية تملك حصة كبيرة في الأسواق الأخرى كالهند والبرازيل. أما منطقة الشرق الأوسط فهي سوق لم تُستثمر بعد بشكل كافٍ، ولذلك فإن الأسبقية بالدخول إلى هذه السوق مهمة جداً لـ«أمازون».

أما المثال الثاني فهي شركة «آي إم سي» السينمائية الأميركية، فإن كانت سوق المتاجر الإلكترونية في المملكة غير مستثمَرة بشكل كافٍ، فإن السوق السينمائية في المملكة غير مستثمرة على الإطلاق، و«آي إم سي» هي إحدى كبىر شركات صالات السينما على مستوى العالم بما يزيد على 1000 صالة سينما. وفي الوقت الحالي ومع الثورة الإلكترونية واتجاه المستهلكين إلى مشاهدة الأفلام عبر الشبكة، فإن محافظة الشبكة على مبيعاتها من خلال صالات السينما أمر شديد الصعوبة، ناهيك بالتوسع. ولذا كان توقيع الشركة الكبرى لاستثمار قطاع السينما في المملكة أمراً منطقياً، بإنشاء 40 صالة خلال السنوات الخمس القادمة في 10 مدن سعودية، ويتوقع أن يكون الإنفاق المحلي على قطاع السينما بين 3 و6% من الناتج القومي. وما يعطي هذه الأرقام شيئاً من الواقعية، هي زيادة نسبة الشباب من سكان المملكة، وهو ما يبرر إيمان الشركة الأميركية بجدوى الاستثمار في المملكة على المدى الطويل، بل هو ما يوفر لها خطة توسعية على مدى السنوات العشر المقبلة، في صناعة أصبح التوسع فيها أمراً شبه مستحيل.

المثال الأخير هو في شركة «سيكس فلاغز» التي وقّعت عقداً لبناء مدينة ألعاب ترفيهية ضمن مشروع القدية الواقع جنوب العاصمة الرياض، و«سيكس فلاغز» هي أكبر شركة من نوعها على مستوى العالم بعائدات تزيد على 1.4 مليار دولار سنوياً وأكثر من 20 مدينة ترفيهية في أميركا الشمالية، وهي الأولى من نوعها في المملكة، وحتى بعد افتتاحها المتوقع في عام 2022 ستكون متفردة بالقرب من عاصمةٍ عدد سكانها يربو على 6 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم من الشباب.

دخول هذه الشركات دليل واضح على مدى جاذبية السوق السعودية للاستثمار، وهي ليست شركات صغرى أو مجهولة على مستوى العالم، بل هي شركات رائدة في مجالها وتكاد تسيطر على الصناعات المختصة بها في الأسواق العالمية، بل إن نتائج هذه الاستثمارات أصبحت موجودة على أرض الواقع، فـ«أمازون» أعلنت فعلياً عن عدد من الوظائف الشاغرة في المملكة، و«سيكس فلاغز» أضافت مدينة الرياض في موقعها الإلكتروني كإحدى المدن المحتوية على مدينة ألعاب ترفيهية، و«آي إم سي» قد تفتتح أولى صالات السينما في المملكة في شهر أبريل (نيسان) الجاري، في مركز المؤتمرات بمركز الملك عبد الله المالي، وحددت أيضاً الفيلم الافتتاحي للصالة. وكل ما كانت تحتاج إليه هذه الشركات الكبرى، هو توضيح يبين جاذبية البيئة الاستثمارية للسوق السعودية، وهو أحد الأهداف التي تحققت بجولة ولي العهد في الولايات المتحدة بلا أدنى شك، ولعل هذه الاستثمارات هي الخطوة الأولى لإقدام المزيد من الشركات العالمية على الاستثمار في السوق السعودية.

 

نقلا عن الشرق الأوسط