عمليات النصب والاحتيال لم ولن تنتهي، فهي في ازدياد مستمر، وتتخذ أشكالا جديدة، وتستخدم طرقا مُبتكرة، تتذكرون معي عمليات النصب التقليدية، التي مازالت تمارسها عصابات أفريقية ساذجة، عبر الاتصال على مواطنين، ويدّعي المُتصل بأن الاختيار وقع على الشخص، للفوز بجائزة ضخمة، قد تتجاوز مليون ريال، ولكن على هذا الشخص أن يرسل "أولاً" رسوم تحويل الجائزة إلى حسابه البنكي، ويساور الشك، الفائز الوهمي، عندما يعلم أن الجهة التي ستمنحه مليون ريال، عاجزة عن تأمين 150 دولاراً فقط كرسوم لتحويل الجائزة.
وتطورت عمليات النصب، واتسع نطاقها، فلم تعد تقتصر على "أفريقيا"، وإنما تنطلق من قلب أوروبا أيضا، وبدلا من أن يديرها أفراد سُذج بدرجة "نصابين"، يختبئون خلف الاتصالات الهاتفية، أصبحت تديرها - في وضح النهار - شركات تسويق معروفة، تستهدف هذه المرة مديري الصناديق الاستثمارية في المملكة.
وتبدو فكرة النصب والاحتيال لدى العصابات الأفريقية، وشركات التسويق الأوروبية، متشابهة إلى حد كبير، ولكن آلية الشركات الأوروبية، تتميز بالإتقان والمهارة في حبك قصة النصب من البداية للنهاية.
القصة تتلخص في اتصالات، صادرة من مندوب شركة التسويق، إلى مدير الصندوق، يهنئ فيها المندوب مدير الصندوق لاختيار صندوقه للفوز بجائزة أحسن أداء لهذا العام، ويرحب به لتسلم جائزة في حفل كبير، تحضره شخصيات اقتصادية، ويشترط المندوب على مدير الصندوق، بأن تقوم شركته "الأوروبية" بجميع الترتيبات اللازمة، من حجز تذاكر السفر، وحجز الفندق، لحضوره إلى البلد الذي سيقام به حفل توزيع الجوائز، ويطلب منه تحويل نحو 50 ألف ريال أو أكثر، لإنهاء هذه الإجراءات في أسرع وقت ممكن، وإلا ستنتقل الجائزة "تلقائيا" إلى مدير صندوق آخر، فلا يجد مدير الصندوق بُدا سوى الموافقة، وإلا ضاعت عليه فرصة الفوز بجائزة عالمية، يتباهى بها أمام الآخرين. ومن ثم يتم الاعلان عن هذه الجائزة بعد استلامها في الصحف السعودية وفي وسائل الإعلام الأخرى من قبل مدير الصندوق.
عملية النصب بهذا السيناريو، تبدو وكأنها عملية بيع جوائز، وعلى الفائز أن يدفع ثمن الجائزة التي يحصل عليها. وبالطبع، لا ينطبق هذا السيناريو على جميع شركات التسويق، كما أنه لا ينطبق على جميع مديري الصناديق، فهناك شركات ذات سمعة حسنة، تتبع معايير فنية عالمية في منح جوائزها، وهناك مديرو صناديق لا يقبلون أن يشتروا الجوائز التي يحصلون عليها.
وهنا، أتساءل.. لماذا لا يأتي التكريم من "الداخل"، بدلا من "الخارج"، ولماذا لا تكون هناك جهة سعودية إعلامية تتابع نشاط الصناديق الاستثمارية وتقيم أداءها، ليس على مستوى المملكة فحسب، وإنما على مستوى الخليج والمنطقة العربية، وتكرم الصناديق ذات الأداء الجيد، وفق معايير معينة؟
والتكريم من الداخل، بمثابة حلم للجميع، وإلى أن يتحقق، على مديري الصناديق، أن يكونوا حذرين في كل خطوة يخطونها وحذرين مع كل من يحاول أن يلعب على وتر الفوز بالجوائز العالمية، وحذرين مع كل من يخلط الأوراق أمامهم، ويحاول أن يبيع لهم الوهم على أنه حقيقة.
نقلا عن الرياض
اتفق معك والتكريم الحقيقي هو ثقة المستثمرين في الصناديق بناء على الشفاية وحسن الأداء. للأسف أغلب الصناديق في الأسهم السعودية كان أدائها أسوأ من أداء المؤشر في ٢٠١٧.