لم يكن يخطر ببال درو هيوستن أن فكرة مشروع العمر ستخطر على باله وهو مسافر على متن حافلة سنة 2006. فبعد أن خطط هيوستن للعمل على تطوير مشروع أثناء الرحلة ذات الثلاث ساعات، تذكر وبعد أن تحركت الحافلة أنه نسي جهاز الذاكرة الخارجية المحتوية على المشروع في منزله، واكتشف أنه سيبقى ثلاث ساعات دون أن يتمكن من تطوير مشروعه البرمجي. انزعج هيوستن كثيرا من فكرة عدم قدرته على الوصول لمشروعه بسبب نسيانه للذاكرة، وفكر أن الوصول له سيكون أسهل لو توفر هذا المشروع على شبكة الإنترنت بدلا من جهاز الذاكرة، فما كان منه إلا أن بدأ في كتابة خوارزمية تتيح له تخزين الملفات على الشبكة، وتحول هذا البرنامج لمشروعه الجديد الذي نجح في الحصول على تمويل له بمبلغ لا يزيد على 15 ألف دولار، مكّنه من استئجار شقة صغيرة وشراء حاسوب، والآن وبعد ما يقارب 11 سنة من هذه القصة، أصبحت تسمى هذه الشركة «دروب بوكس» إحدى أكبر شركات التخزين السحابي على مستوى العالم.
شركة «دروب بوكس» هي حديث عالم الأعمال في الأيام القليلة الماضية، حيث طُرحت للاكتتاب العام يوم الجمعة 23 مارس (آذار) الجاري بعد 11 سنة من تأسيسها. وقد كشف هيوستن قبل سنوات أن ستيف جوبز مؤسس شركة «أبل» سبق أن عرض عليه شراء «دروب بوكس» في عام 2009 بما يقارب 800 مليون دولار، إلا أن هيوستن رفض البيع في ذلك الوقت، وقرر أن يستمر في تطوير شركته، لا سيما أن جوبز كان يهدف لوأد «دروب بوكس» حتى لا تنافس خدمة «آي كلاود» المقدمة من شركة «أبل».
وبعد 9 سنوات من هذا العرض، قُيمت «دروب بوكس» بما يقارب 9 مليارات دولار، بعد أن تغير السعر المقترح للسهم أكثر من مرة، من 16 إلى 18، وحتى وصل للسعر النهائي وهو 21 دولارا. هذا السعر لم يعجب كثيرا من المحللين، وقد وصفه كثير منهم بالسعر المبالغ فيه، إلا أن الرقم بدا منطقيا للكثير من المستثمرين، لا سيما أن مبيعات الشركة خلال السنة الماضية بلغت ما يقارب 1.1 مليار دولار.
وكما هو الحال مع تقييم الشركات، فإن السوق هي من تقيم الشركة بشكل حيادي حال بدء تداول السهم، بعيدا عن تثمين الشركات المالية والقانونية المتخصصة، وهذا ما حدث يوم الجمعة الماضي أول أيام تداول السهم. والمفاجأة هنا أن سعر السهم ارتفع بما يقارب 40 في المائة ليصل إلى أكثر من 31 دولارا، وأقفلت السوق على سعر 28.5 دولار بعيدا عن توقعات غالبية متابعي السوق المالية.
فما سبب تفاؤل المستثمرين بهذه الشركة حتى تصل نسبة الارتفاع لهذا الحد مع أول يوم للتداول؟ يُعزى هذا التفاؤل للفاعلية العالية التي تعمل بها هذه الشركة، فهي تعمل بعدد قليل من الموظفين، فحينما كانت قيمة الشركة 800 مليون دولار عام 2009. كان عدد الموظفين لا يزيد على 80 موظفا، وفي عام 2017 كان العدد التقريبي للموظفين 1850 موظفا، وهذا ما جعل «دروب بوكس» مصدرا جيدا للتدفق النقدي. إضافة إلى ذلك، يرى الكثير من المستثمرين في شركات التقنية أن هناك المزيد من الفرص لزيادة الاستثمار في مجال التخزين السحابي حتى مع كثرة المنافسين أمثال «أبل» و«أمازون» و«غوغل».
«دروب بوكس» مثال ناجح لما يسمى في عالم الأعمال بشركات «يونيكورن»، وهي الشركات الناشئة ذات القيمة العالية، فالشركة استطاعت استغلال ثورة الهواتف الذكية خلال العقد الماضي بابتكار تطبيق يستغل أحد عوامل الضعف في هذه الهواتف، ألا وهو مساحة التخزين. وتزيد الحسابات المسجلة في الشركة على 500 مليون حساب من 180 دولة، إلا أن المشتركين منهم لا يزيدون على 2 بالمائة، أي 11 مليون مشترك، وهو ما دفع الشركة للتركيز على قطاع الأعمال خلال السنوات الماضية أكثر من قطاع الأفراد، هذه الخطوة كانت سببا رئيسيا في استمرار التقييم العالي للشركة، وفي منافستها للشركات العملاقة. وهو أيضا ما زاد ثقة المستثمرين في إدارة الشركة.
نجاح الطرح العام للشركة يشجع الشركات المثيلة لهذه الخطوة، وهو إثبات أن حاضنات الشركات الناشئة في وادي السيلكون تقوم بعمل جبار لدعم الشركات الناشئة، لتكون السماء هي سقف طموحاتها، كما هو الحال مع الشركة السحابية «دروب بوكس».
نقلا عن الشرق الأوسط