تمثل مجتمعة العوامل التالية: إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص والاستثمار التجاري والإنفاق الحكومي والصادرات غير النفطية "بالنسبة لاقتصادنا الوطني"، أبرز محركات النمو الاقتصادي لأي اقتصاد حول العالم، التي تكشف عن قوة أو ضعف النمو الاقتصادي، والأسباب قياسا على أداء تلك العوامل التي أدت إلى تحقيق معدل النمو للاقتصاد سلبا أو إيجابا، وحسبما يسهم به كل عامل من تلك العوامل في الاقتصاد الوطني، التي يشكل أكبرها من حيث المساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص، بلغت مساهمته في الاقتصاد الوطني بنهاية 2017 نحو 41.5 في المائة "1.1 تريليون ريال"، مقارنة بمساهمته البالغة 42.7 في المائة بنهاية 2016 "1.0 تريليون ريال"، يليه الإنفاق الحكومي بنسبة مساهمة بلغت 36.1 في المائة "926 مليار ريال" بنهاية 2017، مقارنة بنسبة مساهمة للإنفاق الحكومي 32.0 في المائة "775.9 مليار ريال" مع نهاية 2016.
وحسبما تظهر البيانات الاقتصادية أعلاه، أن الإنفاقين الاستهلاكيين الخاص والحكومي يشكلان مجتمعين الوزن النسبي الأكبر اقتصاديا، بما تصل نسبته إلى 77.6 في المائة، أي ما يشكل أعلى من ثلاثة أرباع حجم الاقتصاد الوطني، وتأتي تباعا بقية العوامل الأخرى الاستثمار التجاري "المخزون، المباني، المعدات" التي لم تتوافر حتى تاريخه بياناتها لعام 2017، ثم الصادرات غير النفطية "190.5 مليار ريال" التي شكلت ما نسبته 7.4 في المائة بنهاية 2017، مقارنة بنسبتها 7.3 في المائة "176.4 مليار ريال" بنهاية 2016. طبعا لا يمكن تجاهل أهمية بيانات التضخم والبطالة ونمو التوظيف، التي تعد مؤشراتها من أهم انعكاسات عمل تلك العوامل على الأرض، وكيف أن استقراءها مجتمعة خلال الفترة، يتيح للمخطط الاقتصادي التعرف على الوضع الاقتصادي الراهن، وإمكانية التنبؤ قدر الإمكان إلى أين يتجه الاقتصاد الوطني، وما إذا كان يتجه لمزيد من النشاط والنمو أم يتجه نحو الركود أو الاستقرار.
يعكس أداء تلك العوامل والمؤشرات خلال الأعوام الأخيرة هبوطا ملموسا في الأداء الاقتصادي، كان نتيجة للتراجع الحاد الذي طرأ على الأسعار العالمية للنفط مع منتصف 2014، كما يشير أداء ذات العوامل على المستوى ربع السنوي، وتحديدا خلال عام 2017 عودة التحسن وبعض التعافي إلى تلك العوامل والمؤشرات، فعلى الرغم من تراجع النمو السنوي للإنفاق الاستهلاكي الخاص من 8.7 في المائة خلال 2015، إلى نحو 4.7 في المائة بنهاية 2016، ثم إلى 2.7 في بنهاية 2017، إلا أنه أظهر تحسنا في أدائه خلال النصف الثاني من العام الماضي، رغم أنه بدأ الربع الأول من 2017 على نمو سنوي ضئيل لم تتجاوز نسبته 0.1 في المائة، ثم 0.8 بنهاية الربع الثاني من 2017، ثم ليصل إلى 2.9 في المائة بنهاية الربع الثالث، إلى أن بلغ 7.0 في المائة بنهاية الربع الرابع من 2017. كذلك الحال بالنسبة للإنفاق الحكومي، الذي افتتح الربع الأول من العام الماضي على انخفاض سنوي بلغت نسبته 2.5 في المائة، إلا أنه أنهى الربع الأخير من العام على نمو سنوي وصل إلى 71.5 في المائة، ولينهي العام المالي 2017 على نمو سنوي فاق 19.3 في المائة، مقارنة بانخفاضه بنسبة 20.7 في المائة خلال 2016، وانخفاض بنسبة 11.9 في المائة بنهاية 2015، جاء التغير الأكبر خلال تلك الفترة على مستوى الإنفاق الرأسمالي، الذي سجل نموا سنويا 45.7 في المائة خلال 2017، مقارنة بانخفاضه خلال العامين السابقين بنسبة 53.1 في المائة خلال 2016، وانخفاض بنحو 28.8 في المائة خلال 2015.
كما مضت التطورات بالنسبة للصادرات غير النفطية على نحو مشابه، حيث بدأت العام الماضي على ارتفاع خلال الربع الأول من العام بلغت نسبته 6.9 في المائة، كان الارتفاع الأول بعد تسعة أرباع متتالية من الانخفاض، بدأتها مع نهاية الربع الأول من 2014 حتى نهاية الربع الأخير من 2016، ثم انخفضت بشكل طفيف خلال الربع الثاني من 2017 بنسبة 1.5 في المائة، لتعود مجددا إلى النمو خلال الربع الثالث بنحو 10.4 في المائة، ثم بنمو ربع سنوي بلغ 16.1 في المائة خلال الربع الأخير من 2017، لتنهي العام الماضي على نمو سنوي بلغ 8.0 في المائة، مقارنة بانخفاضها خلال الأعوام الثلاثة السابقة -7.1 في المائة خلال 2016.
أفضت تلك التطورات في العوامل المذكورة أعلاه خلال العامين الماضيين إلى تراجع النمو الاقتصادي بنهاية 2017 بنسبة 0.8 في المائة، وقياسا على تحسنها وفقا لما أظهرته بياناتها الرسمية خلال النصف الثاني من العام الماضي، يتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي خلال العام الجاري، وأن يسهم في زيادة قدرة ومتانة الاقتصاد الوطني على تحمل آثار إعادة الهيكلة والإصلاحات الراهنة، تلك الإصلاحات الأهم في تاريخ الاقتصاد الوطني، بهدف زيادة تنويع قاعدته الإنتاجية، وزيادة قدرته على توطين فرص العمل الكريمة أمام المواطنين والمواطنات، بما يسهم في رفع مستويات دخولهم وظروفهم المعيشية، سيصاحبها كثير من الصعوبات والضغوط على القطاع الخاص بالدرجة الأولى، وعلى غيره من أشكال التشوهات التي كانت قائمة في مختلف أنشطة الاقتصاد الوطني "التستر والغش التجاريين، الاحتكار، والتلاعب بالأسعار، المضاربات على الأراضي والأصول غير المنتجة"، إلا أنها في النتيجة النهائية ستعيد تشكيل الاقتصاد الوطني بما يتوافق ويلبي احتياجات البلاد والعباد، وبما يوفر كثيرا من فرص النمو الاقتصادي المستدام والشامل، ويقلص من تفاوت مستويات الدخل بين شرائح المجتمع، ويقضي على كثير من التشوهات وأشكال الفساد المالي والإداري، ويتقدم بمنجزات التنمية الشاملة لعموم أفراد المجتمع بتوفيق الله، وهي الأهداف التي واجهت كثيرا من المعوقات الكأداء طوال عقود سابقة، تأكد للجميع استحالة الارتقاء بالأداء الاقتصادي دون القضاء على تلك المعوقات، وهو الجاري العمل عليه خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل القريب. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية