غادر ولي العهد السعودي المملكة المتحدة بعد زيارة امتدت ليومين تم خلالها إقامة ما يقارب 14 ورشة عمل جمعت أكثر من 160 شركة وانتهت بتوقيع ما يزيد على 18 اتفاقية بين البلدين بمبالغ تزيد على ملياري دولار.
ويرى المحللون أن السنوات القليلة المقبلة تحمل تبادلا تجاريا بين البلدين يفوق 90 مليار دولار. ولعل التبادل التجاري بين السعودية وبريطانيا ليس بالشيء الجديد، إلا أن المستقبل المشترك يحمل أهمية مختلفة هذه المرة، ذلك بأن المستقبل الاقتصادي للمملكة يتسم بخطة واضحة للتغيير، والسعودية في هذه المرحلة تحتاج تكوين شراكات اقتصادية متينة لتضمن نجاح رؤيتها الاقتصادية، كما أن المملكة المتحدة أيضا مقبلة على مرحلة حرجة وهي الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، الذي سيفرض تغييرات اقتصادية كبيرة عليها، وقد يكون ملف أرامكو هو الملف الأكثر أهمية على الطاولة الاقتصادية بين البلدين لأسباب كثيرة، خاصة على المستوى البريطاني.
بداية يجب توضيح التأثر الاقتصادي لبريطانيا بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، فللمملكة المتحدة ارتباط اقتصادي وثيق بالاتحاد الأوروبي، يجعل عملية الطلاق بين الطرفين شديدة الإيلام وكبيرة التكلفة. فما يقارب 63 في المائة من الصادرات البريطانية مرتبطة بالسوق الأوروبية، وعليه فإن سوق الشركات البريطانية نفسها ستتأثر بشكل سلبي، إضافة إلى ذلك، سيتأثر الاستثمار الأجنبي في بريطانيا بشكل أكيد جراء هذا الخروج، وستشد الكثير من الشركات رحالها إلى أوروبا حاملة معها الفرص الوظيفية ومخلفة وراءها بطالة في المملكة المتحدة. وتقدر تكلفة «بريكست» بحسب مصادر بريطانية ما يقارب 55 مليار دولار، بينما صرحت مصادر أوروبية أن التكلفة تزيد على ذلك كثيرا. إذن فالمملكة المتحدة بحاجة الآن إلى البحث عن فرص استثمارية جديدة تعوض هذا الفراغ الذي سيخلفه الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن هنا تنبع الأهمية الاقتصادية للزيارة السعودية لبريطانيا بالشراكات الاستراتيجية كافة، وتحديداً في ملف أرامكو.
والطرح العام لشركة أرامكو هو الأكبر تاريخيا بمبلغ يقدر بـ100 مليار دولار، ولعل طرح موقع «علي بابا» عام 2014 هو الأكبر حتى الآن بما يقارب 26 مليار دولار، والفارق بين المبلغين جلي. وعليه، فإن الطرح إن تم في المملكة المتحدة فسوف تستفيد منه بشكل كبير على عدة أصعدة. أولها أن أجور المؤسسات المالية والقانونية وشركات الوساطة ستكون ضخمة جدا، وتشكل المؤسسات البنكية والمالية ضغطا على الحكومة البريطانية لجلب الطرح للسوق اللندنية. وتسعى أغلب الأسواق العالمية في الوقت الحالي لجذب شركات دولية لأسواقها المحلية، فكيف بشركة عملاقة مثل أرامكو. ويمكن الإشكال البريطاني حاليا في كون نسبة الطرح المقررة بخمسة في المائة فقط، في حين تشترط لوائح السوق أن لا تقل هذه النسبة عن 30 في المائة. ومما لا شك فيه، أن السوق اللندنية تحتاج إلى خبر إيجابي في هذا الوقت، في خضم الأخبار السلبية السائدة هذه الأيام عن الشركات التي تعلن عن خطط لنقل أعمالها ومقراتها إلى دول أوروبية بسبب «بريكست».
وزاد تصريح وزير الطاقة السعودي الضغوط بعد أن أوضح أن الطرح الدولي لأرامكو هو خيار مطروح، إلا أن المملكة لن تستعجله في حال وجود ضرر على المستثمرين. وهذا الضرر تحديدا يكمن في تقييم الشركة البترولية. والواقع أن التشكيك عن تقييم أرامكو لم يعد مجالا للحديث كما كان في السابق، والسبب الرئيسي في ذلك، وجود خيار الطرح المحلي لأرامكو في سوق «تداول» السعودية. وقد صرح الفالح أن الطرح المحلي شبه أكيد، ومن هنا تغيرت اللغة المستخدمة عن أرامكو، فبعد أن كانت سوقا نيويورك ولندن الخيارين الوحيدين للطرح في الأسواق العالمية، أصبحا خيارا ثانيا، وانتقل الحديث من التشكيك في تقييم أرامكو، إلى الحديث عن مدى إمكانية الطرح في هذه الأسواق من عدمها.
ولم يستبعد الفالح أن يكون الطرح الدولي في العام المقبل بدلا من هذا العام، وهو ما لا يطمئن البريطانيين بكل تأكيد، إضافة إلى ذلك، فإن ولي العهد السعودي سيزور الولايات المتحدة الأميركية هذا الشهر، ولم يخف الرئيس الأميركي رغبته الشديدة في أن يكون طرح أرامكو في الولايات المتحدة. فبين وجود الخيار المحلي لطرح أرامكو، وجود خيارين على الأقل في الطرح الدولي، يطرح السؤال، هل تغيرت النظرتان الأميركية والبريطانية نحو أرامكو فعليا من التشكيك في تقييمها إلى التفكير في كيفية جذبها في ظل التنافس الواضح بينهما؟
نقلا عن الشرق الأوسط