متى بدأت التحديات التنموية التي نواجهها اليوم؟

21/02/2018 0
عبد الحميد العمري

إذا كان عمرك كمواطن أو مواطنة قد تجاوز 15 عاما في عام 1975، فأنت ضمن 6.5 في المائة من السكان الذين عاصروا ذلك العام وما بعده وما زالوا على قيد الحياة، وتزيد النسبة إلى أقل من 10 في المائة إذا أضفنا من تجاوزت أعمارهم سن الـ 12 في ذلك العام. وكلما كان المرء ناضجا في ذلك العام وما زال يتمتع بصحة وذاكرة جيدتين، فستجد في الجلوس والحديث معه حول تلك الحقبة الزمنية وما تلاها بعدة أعوام فائدة عظيمة جدا، إنه الجيل الذي تبدأ أعمار أصغرهم من الـ 55، وقد تجد منهم من هو أصغر من هذا العمر الحافل بعامين إلى أربعة أعوام، لتقلب معه صفحات تاريخ مملوء بكثير جدا من التحولات الجذرية التي حدثت في بلادنا ومجتمعنا، كان لها الأثر العميق جدا في رسم وتأسيس أغلب ما تشاهده اليوم من حياتنا المعاصرة.

مثل هذا العام وجزء من العام الذي سبقه من وما تلاهما بعدة أعوام قليلة، إحدى أهم نقاط التحول محليا بكل أشكاله وعلى كل مستوياته، فمع مطلع النصف الثاني من السبعينيات الميلادية، ارتفعت أسعار النفط عالميا بنحو 262 في المائة (بلغ سعر النفط العربي الخفيف 9.8 دولار للبرميل خلال 1974، مقارنة بنحو 2.7 دولار للبرميل للعام السابق)، واستمر في الارتفاع حتى 1981 (34.2 دولار للبرميل) محققا نموا إجماليا بلغت نسبته 1168 في المائة، أي أن الأسعار قفزت بنحو 13 ضعفا خلال أقل من ثمانية أعوام! تدفقت على أثره مئات المليارات (بلغ إجمالي تدفقات عائدات النفط 1.4 تريليون ريال خلال الفترة 1974-1981)، وفتحت تلك الثروات الطائلة أمام البلاد فرصا لا نهائية من الطموحات التنموية، لكنها اصطدمت بعوائق جسيمة عديدة؛ كان من أبرزها انخفاض عدد السكان آنذاك (6.4 مليون نسمة في منتصف السبعينيات)، وانخفاض مستويات التعليم، ومحدودية الموانئ والمطارات والبنى التحتية بصورة عامة، وغيرها الكثير من العوائق من حيث الأنظمة والإجراءات المسيرة للحياة والاقتصاد بشكل عام.

اضطرت البلاد آنذاك إلى استقدام الملايين من العمالة الوافدة الماهرة من خارج الحدود، وبعض تلك العمالة أصطحب معه أسرته، وقامت فكرة الاستقدام آنذاك على أنها (مؤقتة) إلى أن يتمكن المجتمع السعودي من الوفاء بمتطلبات إدارة تلك الثروات، وبصورة أشمل إدارة موارد بلادهم على القدر اللازم من الأهلية والتعليم والخبرة والمعرفة. وبدأ مع مطلع تلك الفترة الزمنية المهمة تشكل كثير من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية (لن تجد أفضل من الشريحة العمرية التي ذكرتها لك أعلاه لينبئك عن تلك التحولات)، واستمر متوسط النمو السنوي لتدفق السكان غير السعوديين قريبا من 11 في المائة طوال عقدين زمنيين متتاليين.

دخل المجتمع السعودي طوال العقود التالية بعد تلك الحقبة الزمنية في تحولات عميقة وشاملة وواسعة جدا. كان من أبرز تلك التحولات ارتفاع مستوى التعليم والتدريب، الذي اقترن أيضا بارتفاع أعداد السكان، وتحديدا الشرائح الشابة والفتية، دون إغفال النمو الاقتصادي والتطور الذي طرأ على البنى التحتية، ودون التوسع أكثر في هذا السياق؛ أصبحت اليوم أمام نحو 90 في المائة من المجتمع المختلف تماما عن المجتمع الذي استقبل الطفرة الأولى لأسعار النفط، إلا أن المجتمع المعاصر وتحديدا الشريحة الشابة والفتية منه، التي بدأت حياتها من بعد 1995، أي بعد نحو عقدين من انطلاق الطفرة النفطية الأولى، وجدت تلك الشريحة الفتية في الوقت الراهن نفسها أمام تحديات تنموية لم يواجهها آباؤهم ولا أجدادهم، كان أبرزها المعضلة الكأداء المتمثلة في "البطالة"، وضعف القدرة على إيجاد فرصة العمل الكريمة "إن لم تكن معدومة"، وغالبا تتقاطع تلك الشريحة الشابة مع الشريحة العمرية السابقة لها في مواجهة المعضلة التنموية الكأداء الأخرى المتمثلة في "أزمة الإسكان"، ولا يغيب عنا جميعا بالتأكيد بقية التحديات التنموية الأخرى، التي أصبحت معلومة لدى الجميع، ظهر لأجل مواجهتها عديد من الخطط والبرامج التنموية، إلا أن أقوى تلك البرامج وأكثرها جدية وصرامة، تمثل في "رؤية المملكة 2030" التي أخذت على عاتقها عهدا بمواجهة تلك التحديات، والتصدي لها على القدر اللازم والكافي، بل تعهدت أن تتصدى لها بكل ما تمتلكه البلاد من موارد وجهود، حتى وإن وصل الأمر إلى حدود الصرامة والجدية التي لا ولن تلين أمام أي معوقات محتملة.

إننا اليوم باختصار شديد؛ أمام مواجهة قوية جدا، لصلابة شديدة المراس لما كان قبل عدة عقود زمنية "ظرفا مؤقتا"، تستهدف العودة بما كان هو الهدف الرئيس ليتولى زمام المبادرة في مجتمعه وبلاده، ممثلا في المجتمع السعودي وأفراده! وأمام الاعتماد بشكل أكبر وأوسع على جهود وإنتاج وعمل أفراد المجتمع السعودي، والتوجه قدما بكل جدية وحزم في هذا الطريق المملوء بالتحديات الجسيمة والشائكة، بعيدين ومستقلين قدر الإمكان عن الاعتماد المفرط على إيرادات النفط المتقلبة، وعن الاعتماد الأكثر إفراطا على اليد العاملة الوافدة! وهو الحق المشروع لأي مجتمع وبلد مهما كان حول العالم، الذي وضعته "رؤية المملكة 2030" كأحد أهم وأشجع أهدافها الاستراتيجية، استقرت القناعة بأهدافها لدى المجتمع السعودي بدرجة كبيرة جدا، وبصورة أكبر وأعمق لدى الشرائح الشابة والفتية من المجتمع السعودي، ومهما كانت المقاومة التي قد تصدر عن بعض الشرائح المحدودة جدا، التي استفادت بصورة مفرطة دون غيرها من استدامة تلك التشوهات والانحرافات التنموية العتيقة جدا، فلا شك أنها مقاومة ستسقط وكل من يغذي قوتها تحت إرادة المجتمع السعودي وطموحه. والله ولي التوفيق.

نقلا عن الاقتصادية