توطين صانع القرار في القطاع الخاص

19/02/2018 3
عبد الحميد العمري

بداية؛ أشد على يد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في تأكيدها مجددا، على مضيها قدما في تطبيق قرارات التوطين، وأنها لن تتراجع مهما كانت الأعذار والحجج الصادرة عن منشآت القطاع الخاص، أو حتى الصادرة عن الغرف التجارية والصناعية الممثلة لتلك المنشآت. في الوقت ذاته، وكما أن كثيرا من المواطنين والمواطنات يتطلعون إلى نجاح الوزارة في جهود التوطين، فإن على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أن تتقبل بصدر رحب أي انتقادات بناءة، تستهدف أولا وآخرا إنجاح برامج التوطين ورفع كفاءتها وفعاليتها، وهو الأمر الذي فيه الجميع على اتفاق كبير حول مضمونه وهدفه النهائي، وإن اختلفت الآراء والأفكار حول أجزاء منه هي أقرب إلى الإجراءات أو الآليات المتبعة لتحقيق أهداف التوطين.

لقد ثبت لدى وزارة العمل قبل غيرها من الأطراف، تأخر وبطء برامج التوطين السابقة عن تحقيق الأهداف المنشودة، وأول تلك البرامج "نطاقات" باختلاف تطبيقاته التي تم تطويرها طوال المرحلة الزمنية 2011ــ2017، ودليل ذلك قيام الوزارة ذاتها بإقرار عديد من برامج التوطين البديلة، التي على الرغم من نجاحها بدرجات أفضل بكثير من "نطاقات" وأقرانه من البرامج السابقة، إلا أن تلك البرامج لم تتمكن حتى تاريخه من خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، الذي استمر بالتزامن مع تطبيق "نطاقات" في الارتفاع من 11.2 في المائة بنهاية 2010 إلى أن بلغ بنهاية الربع الثالث من 2017 إلى 12.8 في المائة، تخلله ارتفاع معدل البطالة للشرائح العمرية 20ــ29 إلى 31.2 في المائة، وارتفاعه أيضا لحملة الشهادة الجامعية فأعلى إلى 17.2 في المائة.

سبق أن تم الحديث طويلا عن الثغرات الكامنة في "نطاقات" طوال الأعوام الماضية، وكيف أن منشآت القطاع الخاص نجحت في تجاوزه بكل يسر وسهولة، عبر اعتمادها المفرط على التوطين الوهمي، وما ترتب عليه من زيادة دخول كثير من المنشآت في النطاق الأخضر، الذي مكنها من زيادة الاستقدام بصورة أكبر مما كان عليه الوضع قبل تطبيق "نطاقات"، زادت معه أعداد تأشيرات العمل للقطاع الخاص خلال الفترة 2011ــ2017 إلى أعلى من 9.6 مليون تأشيرة عمل.

ينبغي لوزارة العمل التأكد أن رسوم العمالة الوافدة ليست إلا جزءا من حلول أكبر، تقتضي الإسراع من قبلها في اتجاه تطبيقها، تشمل تلك الحلول في مجملها: ضرورة استدراك الأوضاع المعقدة التي يواجهها العاملون والعاملات من المواطنين، وأهمية مراجعة وتطوير نظام العمل الراهن، مرورا بتكثيف جولاتها التفتيشية على منشآت القطاع الخاص، والتصدي الصارم للممارسات التعسفية التي تعانيها العمالة الوطنية، تلك الممارسات التي تستهدف "تطفيشهم" من أعمالهم، والتنازل قسرا عن مصدر دخلهم الثابت، وأهمية تأسيس مركز اتصال لحماية العمالة الوطنية من تلك الممارسات القسرية المحتملة، يتولى استقبال الشكاوى والتعامل معها في سرية تامة، والعمل على تسويتها حال ثبوتها.

الأهم من كل ذلك؛ أن تعمل وزارة العمل على تصميم برامج مختصة ونافذة، تستهدف تحديدا زيادة "توطين المناصب القيادية والتنفيذية في القطاع الخاص"، فما جرى ويجري على أرض الميدان في وظائف القطاع الخاص، من زيادة مفرطة لتوظيف العمالة الوافدة، وتعيينها في أعلى المناصب القيادية والتنفيذية في الشركات والمؤسسات، كل ذلك جاء على حساب الكفاءات الوطنية التي تزخر بها الشركات والمؤسسات نفسها، حيث ارتفعت بالتزامن مع "نطاقات" أعداد المقاعد المسيطر عليها من قبل العمالة الوافدة في المناصب التنفيذية والقيادية للقطاع الخاص، من واحد لكل عشرة مديرين إلى أربعة مديرين من كل عشرة، والعدد قابل للزيادة مستقبلا إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة اللافتة.

حينما نكتشف أن صناعة القرار في منشآت القطاع الخاص مسيطر عليها بهذه القوة من قبل العمالة الوافدة، ما المتوقع حينئذ تجاه مصير برامج التوطين الراهنة ومستقبلا؟ إلا أنها لا شك ستبوء بكثير من الفشل وعدم التقدم، ولن تذهب بعيدا في التنبؤ بنتيجة واقع كهذا نراه عيانا بيانا على قمم صنع القرار في منشآت القطاع الخاص، فإذا كان أغلبية صناعة القرار هنا تقع في قبضة غير المواطنين؟! فلا غرابة إذا أن يتفشى التوظيف الوهمي للمواطنين كما حدث سابقا خلال 2011ــ2016، ولا غرابة أيضا أمام الزيادة المفرطة في استقدام العمالة الوافدة، ولا غرابة أيضا تجاه استمرار معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات في الارتفاع، ولا غرابة أن يتركز توظيف العمالة المواطنة في الوظائف الهامشية، التي أكدت بيانات وزارة العمل ارتفاع التوطين في الوظائف المتوسطة من 10 في المائة بنهاية 2010 إلى 17.5 في المائة بنهاية 2016، وارتفاع التوطين في الوظائف الدنيا من 9.1 في المائة بنهاية 2010 إلى 12.9 في المائة بنهاية 2016، مقابل انخفاض التوطين للوظائف القيادية من 90 في المائة بنهاية 2010 إلى 67.2 في المائة بنهاية 2016، ولا غرابة أيضا في تفاقم ترك العمالة المواطنة لوظائفها في القطاع الخاص إما بالاستقالة الجبرية أو الفصل الصريح. نعم قد لا تتحمل تلك القيادات التنفيذية من العمالة الوافدة كامل مسؤولية تلك الفواجع، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن أن تكون أدنى من وقوعها كمسببات في المرتبة الثانية على أقل تقدير، إن لم تكن في المرتبة الأولى في سلم المسؤولية تجاه تلك الظواهر والتطورات السلبية في وظائف القطاع الخاص.

إنه الوقت المناسب جدا لتبدأ الوزارة بإقرار الإجراءات اللازمة الهادفة إلى سعودة تلك المستويات الإدارية العليا، والإسراع بتطبيقها على وجه السرعة، وهو ما سيسهم في المستقبل القريب جدا في زيادة التوطين في بقية المستويات الأدنى بالصورة الصحيحة بعيدا عن التوطين الوهمي أو الهامشي، كون الصلاحيات والقرارات العليا في القطاع الخاص قد أصبحت بيد عمالة مواطنة. وهنا يجب أن تنظر الوزارة حال بدئها في تحقيق هذا التوجه المهم، بالتركيز على القطاعات الاقتصادية الأعلى عائدا ودخلا كالقطاع المصرفي والتمويلي والتأمين بالتنسيق المباشر والمستمر مع مؤسسة النقد العربي السعودي، وقطاع شركات الاستثمار المرخصة بالتنسيق المباشر والمستمر مع هيئة السوق المالية، وهي القطاعات التي تنتسب إلى نشاط الخدمات "يشمل هذا النشاط: تجارة الجملة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات والتخزين، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وخدمات جماعية وشخصية، ومنتجي الخدمات الحكومية"، الذي يتصف بسهولة توفير الوظائف أكثر من غيره، مقارنة بنشاطي الصناعة والزراعة، وكون نشاط الخدمات من أكثر النشاطات التي تورطت في التوطين الوهمي، وفي الوقت ذاته تورطت في زيادة الاستقدام من الخارج، يضاف إليه قطاع والتشييد والبناء، كأكبر قطاع تورط أيضا في التوطين الوهمي وزيادة الاستقدام. والله ولي التوفيق.

نقلا عن الاقتصادية