كارول دويك أصدر كتابا جميلا اسمه العقلية Mindset، تحدث فيه عن أن هناك نوعين من العقليات: الأولى عقلية الثبات fixed mindset، والأخرى عقلية النمو growth mindset، ويقصد بالأولى عقلية الأشخاص الذين يعتقدون أن القدرات الشخصية ثابتة وصعبة التغيير، بينما على النقيض عقلية النمو تؤمن أن القدرات والمميزات الشخصية قابلة للتحسن مع الوقت والعمل، بعد ذلك تطرق الكاتب إلى تأثير عقلية النمو في الشركات من خلال الرؤساء التنفيذيين، وكيف أنهم استطاعوا قيادة شركاتهم إلى النمو عبر الزمن، بينما على العكس قاد الرؤساء التنفيذيون ذوو العقليات الثابتة شركاتهم إلى الأسوأ، وفي أفضل الحالات لم يحققوا نجاحا يذكر.
قد يتبادر إلى ذهنك - أخي القارئ - أن هذا الاستنتاج بدهي وسهل، لكن الواقع أصعب بكثير، وقد تعتقد أن الجميع أو الأغلب يملك عقلية النمو، لكن قد تصطدم بالنتيجة أنها لا، والتفصيل في هذا موجود في الكتاب. وعلى الجانب الآخر، ذكر جيم كولينز في كتابه الشهير والرائع "من جيد إلى عظيم Good to great" نتائج دراسته التي عمل عليها سنين على الشركات محاولا الإجابة عن السؤال التالي: لماذا هناك شركات كانت تعتبر جيدة لكن مع الوقت أصبحت شركات عظيمة؟ وليجيب عن هذا السؤال قام بدراسة 1435 شركة، ورجع إلى أدائها على مدى 15 سنة؛ حتى وجد أن هناك 11 شركة فقط حققت النجاح حسب المعايير التي وضعها، والتي منها أن تكون الشركة قد حققت عوائد في قيمة أسهمها أعلى من السوق بمعدل ثلاثة أضعاف على الأقل خلال مدة الـ15 سنة، لكن ولكي يعزل أثر تطور القطاع، الذي تعمل به فيجب أن يلغي أثر تطور القطاع عنها، فمثلا لو الشركة كانت تعمل في قطاع انتعش بالكامل وشهد ازدهارا استثنائيا لأي سبب كان فلا يعتد به، النتيجة كانت مفاجئة، حيث ضمت القائمة شركات غير معروفة أو غير متوقعة.
في كلا الكتابين وصل الكاتبان إلى أن العنصر البشري أهم عنصر لنجاح الشركات، وهو من يقود الشركات من المستوى الجيد إلى العظيم، وفي الوقت نفسه هو من يقود الشركات من العظيم أو الجيد إلى الإفلاس، طبعا إضافة إلى عوامل أخرى، لكن كلها تأتي بعد العنصر البشري أو بعد الإدارة الممتازة، فحسب كولينز فإن من أهم صفات الرؤساء الناجحين كان الانضباط والتواضع! وهذا حقيقة أكيدة فالغرور هو عدو النجاح ومهدم الشركات، مع التواضع يأتي حب التعلم والتطور وعدم الخجل من الاعتراف بالجهل في بعض المواضيع، أو الخجل من الاعتراف بالأخطاء الإدارية وغيرها، فكم من شركة انهارت بسبب غرور الإدارة التنفيذية وعدم اعترافها بالتقصير أو خطأ قراراتها.
هناك مقولة معروفة في السوق؛ هي الاستثمار في شركة ذات إدارة جيدة وسوق تعاني مقبول، لكن من الخطر الاستثمار في شركة ذات سوق جيدة لكن هناك إدارة سيئة، وهذه واحدة من أهم قواعد الاستثمار في السوق، لدينا في السعودية شواهد كثيرة لشركات تعمل في قطاعات جيدة لكن الإدارة سيئة، ولذلك شهدنا هبوطا كبيرا في أرباحها إلى حد الخسائر، وعلى العكس لدينا شركات "وإن كانت قليلة" تعمل في قطاعات قد لا تكون واعدة، ومع ذلك حققت أداء فاق التوقعات، وذلك بفضل الله ثم الإدارة الجيدة، ولعل واحدة من أبرز هذه الشركات هي شركة جرير؛ حيث إنه وعلى الرغم من التغيرات القوية في القطاعات الفرعية التي تعمل فيها الشركة داخل قطاع التجزئة، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على نمو سنوي رائع.
ختاما، تزداد أهمية اختيار الأشخاص المناسبين في هذا الوقت وفي هذا الوضع الاقتصادي الذي نمر به في السعودية، حيث كثير من الثوابت الاقتصادية والأعراف في السوق تتغير بشكل قوي وتزداد الصعوبات، وهنا تبرز أهمية الإدارة ذات الكفاءة في تحول الشركات وقيادتها من أداء متعثر إلى أداء قوي ونمو مستدام في الأعمال والمبيعات والنتائج، حيث سابقا كانت الشركات تتمتع بالنمو والأداء الجيد؛ بسبب أداء السوق والاقتصاد عموما، اليوم كل شيء تغير فلا مكان للإدارة ذات الأداء العادي أو المتوسط، فالمنافسة ارتفعت، والتكاليف تغيرت، والدعم اختلف وأصبح موجها بدل ما كان مطلقا، والتنافس على الكفاءات يشتد، فمن يملك العقليات ذات النمو - كما ذكر دويك -، والانضباط في الأداء والتواضع - كما ذكر كولينز -، والتحفيز من خلال الإنجازات ومعرفة الهدف والغاية والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، فسيحقق التغيير، ويحقق التحول من جيد إلى عظيم، ولدي ثقة بأننا سنشهد عدة شركات محلية تتحول وتصبح شركات عظيمة عالميا خلال السنوات الخمس المقبلة؛ وذلك لما نملكه اليوم من قادة شباب أتوقع لهم نجاحا في تحقيق هذه التحولات.
نقلا عن الاقتصادية