تعطي معظم دول العالم أهمية بالغة لإنشاء شبكات للنقل العام من قطارات كهربائية ومترو أنفاق وحافلات، لتغطي هذه الشبكات كل نقطة من نقاط التجمع في الشوارع والميادين العامة، فلا يحتاج إنسان للانتقال من مكان لآخر في أي من تلك المدن إلا ويجد في أقرب موقع من وقوفه نوعاً من أنواع النقل الجماعي، لذلك تجدهم قلما يستخدمون سيارات الأجرة (التاكسي)، ناهيك عن استخدامهم لسياراتهم الخاصة داخل المدن، وإن فعل ذلك نسبة منهم فعلى سبيل الاضطرار في أوقات محددة من الأسبوع وفي أضيق نطاق، ولذلك فإن ثقافة النقل الجماعي قد نمت لديهم وترسخت، لأنهم وجدوه وسيلة نقل مثلى تحقق لهم أغراضهم وتوصلهم إلى حيث يريدون وبتكلفة لا تزيد عن عشر ما قد يدفعونه لسيارة أجرة، فضلاً عن اقتناء سيارة تحتاج لوقود وزيوت وصيانة وتأمين شامل وبلاوٍ كثيرة.
وأذكر أنني كنت ذات عام في مدينة أوروبية جئتها بالقطار قادماً من دولة أوروبية أخرى، فلما نزلت من القطار وخرجت من المحطة سألت شاباً عربياً عن مواقف سيارات الأجرة، فبادرني قائلاً: أين وجهتك فحددت له وجهتي، فأشار إلى محطة للمترو تبعد عني 50 متراً، وقال خذ المترو رقم 7 وأنزل في المحطة السادسة، ولن يكلفك الأمر سوى 3 يورو بدل دفع 20 يورو لسيارة الأجرة، ففعلت وتعلمت !
إن مثل هذه الشبكات المغطية للمدن الكبرى والمتوسطة لديهم، أغنت الغالبية منهم عن التنقل بسيارة خاصة، ولذلك فإن ارتفاع أسعار الوقود لا ينعكس عليهم بالشكل الذي ينعكس على من يضطر لاستخدام نقل خاص، لعدم توفر شبكات كافية ومنظمة وآمنة ومأمونة للنقل الجماعي بجميع أنواعه المستخدمة في دول العالم، كما أن وجود نقل جماعي جزئي لا يغطي إلا بعض الشوارع الكبرى، ويصعب على الناس استخدامه لتغطية مشاويرهم اليومية في ذهابهم للعمل أو الدراسة لن يؤدي إلى نمو ثقافة النقل الجماعي، وبالتالي يؤثر على مستخدمي النقل الخاص أي زيادة تطرأ على أسعار الوقود، ولن ينفع معهم اللوم والحث على استخدام النقل الجماعي، لأنه غير متوفر أصلاً أو متوفر بشكل لا يلبي الحاجة، فلا يكون هناك بد من اللجوء للنقل الخاص وتحمل أعبائه الجسيمة، ويكون اللائمون في هذه الحالة من الذين ينطبق عليهم قول الشاعر: «ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك.. إياك أن تبتل بالماء».
نقلا عكاظ