تشير معظم التوقعات إلى تحسن أداء البنوك الخليجية خلال العام 2018. ويقدر حجم ميزانية البنوك الخليجية بنهاية العام 2017 بـ1.8 تريليون دولار، أي نحو 78% من مجموع أصول البنوك العربية والبالغ 2.3 تريليون دولار، كما أنها تمثل 130% من الناتج المحلي الخليجي. كما تتمتع البنوك الخليجية بسيولة جيدة، حيث شهدت تحسنا في العام 2017، ومن المتوقع أن تشهد تحسنا أكبر خلال العام 2018 مع ارتفاع الإيرادات الحكومية؛ نتيجة تحسن أسعار النفط، وذلك لكون ودائع الحكومة تمثل نحو 35% من مجموع الودائع لدى البنوك، بالإضافة إلى ودائع القطاع الخاص الذي بات يفضل وضع أمواله في بنوكه الوطنية بدلا من إيداعها لدى مؤسسات مالية أجنبية لمعرفته بأن بنوكه الوطنية باتت أكثر أمنا من تلك المؤسسات.
كما تتميز العديد من البنوك الخليجية بميزة فريدة وهي ملكية الحكومات فيها مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة، وبات ليس لديها الدعم الثابت من الحكومات فحسب، بل تحظى بأولوية في الأعمال الحكومية. وتقول مؤسسة الاستشارات المالية «أكرديتوس»، إن أذرع دول مجلس التعاون الخليجى، بما فى ذلك صناديق الثروة السيادية والمعاشات الحكومية والصناديق الاجتماعية، تملك حصة فى أكثر من 80% من بين أكبر 50 مصرفاً من حيث قيمة الأصول فى الدول الخليجية.
ونظرا لحجم ميزانية المصارف الخليجية الذي يفوق حجم إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، فإنه يمكن القول إن هذه البنوك تمثل أهمية كبيرة جدا بالنسبة للاقتصاديات الخليجية والإصلاحات الجارية فيها في الوقت الحاضر. ولذلك وفي ظل التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة في عدد البلاد العربية والعالم، وخاصة فيما يتعلق بأوضاع الإيرادات النفطية وتزايد الدعوات لترشيد الإنفاق، فإنه يقع على عاتق المصارف الخليجية مسؤولية القيام بالمزيد من المساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتها والتوسع في تمويل برامج الإنفاق الحكومي في مجال البنية التحتية والإسكان والتعليم ودعم وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الوظائف ورفع مستوى التعاون الاقتصادي الخليجي عبر تمويل مشترك للمشروعات الاستثمارية المشتركة في القطاعين الخاص والعام.
إن البنوك الخليجية بما تمتلكه من إمكانيات مالية يمكن أن تسهم في ردم الهوة بين الإيرادات والنفقات الحكومية الخليجية، وليس فقط من خلال تقديم القروض والتمويلات المباشرة للحكومات الخليجية، بل أيضا من خلال دخولها بالتعاون مع القطاع الخاص الخليجي في تبني أشكال تمويلية واستثمارية متطورة تجسد الشراكة التنموية وتقديم دراسات الجدوى المالية والمعونة الفنية والخبرة البشرية في استكشاف مشاريع التنمية الأكثر جدوى للمجتمع، ومن ثم تساهم مساهمة فعالة في تعظيم إنتاجية النفقات وبالتالي تجسيد مفهوم الترشيد بصورة علمية وعملية.
من جهة أخرى، فإن مثل هذه الخطوة تحتاج من جانب الحكومات والسلطات النقدية إلى فتح قنوات تمويلية واستثمارية أكبر أمام المصارف الخليجية من خلال مواصلة تطوير التشريعات وتشجيع ابتكار القنوات والمنتجات، كذلك ابتكار أدوات تمويلية جديدة تدعم من خلالها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نحو 90% من مؤسسات الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تعمل في مختلف القطاعات الصناعية والحرفية والزراعية والخدمية والتجارية والتي توفر وظائف لمئات الآلاف من الشباب. وبذلك تجسد المصارف الوطنية والخليجية بصورة فاعلة وناصعة دورها ومكانتها التنموية.
كما يقع على عاتق البنوك المركزية مساعدة البنوك في مواجهة التحديات التي سوف تواجهها خلال العام 2018 ولا سيما ارتفاع تكلفة المخاطر لدى البنوك الخليجية وذلك نتيجة لبدء تطبيق هذه البنوك للمبدأ التاسع من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية وارتفاع حجم القروض المعاد هيكلتها وانقضى موعد استحقاقها ولم تنخفض قيمتها المسجلة في الميزانيات العمومية لهذه البنوك. مع ذلك، يعتقد أيضًا أن المخصصات العامة التي جمعتها البنوك الخليجية في السنوات القليلة الماضية ستساعد على تسهيل الانتقال إلى المعيار المحاسبي الجديد. إن تطبيق المعيار المحاسبي الدولي الجديد 9 يخلق تحديات فنية وبشرية ومالية عديدة أمام المصارف الخليجية. ونظرا لتوقيت تطبيق المعيار فإن الظروف الاقتصادية والمالية محليا وإقليميا في الوقت الحاضر لن يكون لها انعكاس إيجابي على تطبيق المعيار لكون العوامل غير الكمية لها دور رئيسي في تحديد قيمة الخسائر المحتملة وفقا لمتطلبات المعيار. وبالتالي فإن بناء المخصصات العامة وفقا لما يفرضه المعيار يتطلب بعض الوقت من البنوك الأمر الذي يقتضي وجود فترة تحول تدريجية نحو تطبيق المعيار. كما أن البنوك بحاجة إلى وجود دليل توجيهي مفصل في تطبيق المعيار الأمر الذي سوف يساعدها في توفير الجهد والنفقات وربما شراء أنظمة قد لا تكون في حاجة لها.
كما يقع على عاتق البنوك الخليجية مواصلة تحقيق رسملةٍ قويةٍ بحسب المعايير الدولية، وذلك لكي تدعم تصنيفاتها الائتمانية. وقد قامت وكالات التصنيف خلال العام الماضي بتثبيت معظم التصنيفات الائتمانية للبنوك الخليجية، وكذلك قامت بإجراء بعض التصنيفات الائتمانية السلبية وأن النظرة المستقبلية الحالية لـ28% من البنوك الخليجية هي نظرة سلبية وذلك بسبب أوضاع التمويل، وجودة أصول، والربحية، بينما جاءت النظرة المستقبلية سلبية لبعض البنوك في الدول الخليجية نتيجة عوامل مرتبطة بالضعف المحتمل للقدرة السيادية في بعض دول المنطقة لجهة القدرة على تقديم الدعم المطلوب للبنوك في حال احتاجت إلى مثل هذا الدعم.
وعموما، فإن البنوك الخليجية خلال العام 2018 مدعوة لمواصلة دورها في توفير الاستقرار المالي للبيئة الاقتصادية الآخذة بالتعافي في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن تتجه لأن تدعم وتمول بقوة برامج الإصلاح الاقتصادي والمؤسسات الصغيرة وشركات القطاع الخاص وذلك من أجل تعزيز فرص التعافي الاقتصادي المتوقع.
نقلا عن اليوم